انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

 ثلاثية العقل العربي، الجابري

بقلم: شكيب حلاق

عابد الجابري
عابد الجابري

ليس الهدف من هذا المقال تناول مشروع الجابري الذي كان موضوعاً لمئات الدراسات والأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه في مختلف جامعات العالم، وإنما الهدف هو تلخيص منهجه الفكري الذي جعل منه صاحب ثلاث تصورات كبرى جديدة، كان تأثيرها حاسماً في مسار تطور الفكر العربي.

التصورات الكبرى عند الجابري

  1. فهم النظم المعرفية التي تحكم الفكر العربي الإسلامي
  2. انبعاث الفكر العقلاني من جديد في الأندلس
  3. الفكرة القائلة بأن تطور الفكر في تاريخ العالم العربي الإسلامي تأثر بقوة بالسياسة وليس بالعلم كما في الغرب.

الأنظمة المعرفية الثلاث للعقل العربي

يعرّف الجابري العقل العربي بأنه “مجموعة المبادئ والقواعد في أصل المعرفة في الثقافة العربية“. ويوضح أن هذا العقل العربي تشكّل في “عصر التدوين” منذ نهاية الدولة الأموية. ولذلك وُضعت أسسه الأولى النهائية والدائمة في ذلك الوقت. ثم يفحص الجابري بعد ذلك كيف أن هذه الروح الفكرية قد أصابها الجمود والركود بعد فترة قصيرة من الازدهار أعطت خلالها الثقافة العربية الإسلامية زخماً جديداً للفكر اليوناني.

ثلاثية العقل العربي عند الجابري

اعتبر محمد عابد الجابري في دراسته عن النظم المعرفية في كتابيه عن العقل العربي وهما: “تكوين العقل العربي” و”بنية العقل العربي”، أن هناك ثلاثة نظم هي: “البيان، والعرفان، والبرهان” في الثقافة العربية. وبين أن هذه النظم كانت تصطرع فيما بينها، واعتبر أن “البيان” هو الممثل للحضارة الإسلامية، والذي أبرزته البيئة العربية الإسلامية، وقد كانت مرجعيته “اللغة العربية”، أما العرفان فقد كانت مرجعيته “العرفان الهرمسي”، وأما البرهان فمرجعيته “فلسفة أرسطو ومنطقه”.

  1. “البيان”:أصل البيان استضمار نصوص التراث الجاهلي والنص القرآني، وأما مبادئه، فهي الانفصال والقياس (قياس الغائب على الشاهد).
  2. “العرفان” وأصله “العرفان الهرمسي”
  3. “البرهان” ومرجعيته فلسفة أرسطو ومنطقه.

المحددات الثلاثة للعقل السياسي العربي

قسم الجابري الأنظمة المعرفية في الثقافة العربية – نظرياً – إلى ثلاثة. لكن عندما وجد أن العقل السياسي كان عملياً في المقام الأول وليس نظرياً، اضطر إلى دراسة ليس “النظم” بل “المحددات” التي تحدد ذلك العقل، ووجد أيضاً ثلاثة منها كانت مركزية في الممارسة السياسية:

  1. القبيلة:يقول الجابري في كتابه: “ونقصد بـ ’القبيلة‘ الدور الذي يجب أن يعزى إلى ما يسميه علماء الأنثروبولوجيا الغربيون ’القرابة‘ في دراساتهم للمجتمعات ’البدائية‘ وما قبل الرأسمالية، وهو ما يتوافق تقريبًا مع ما أسماه ابن خلدون ’العصبية القبلية‘ عندما تحدث عن طبائع الحياة في المجتمع، الحياة الاجتماعية‘ في التجربة العربية الإسلامية.”وتتخذ روح العصبية القبلية اليوم شكل الانتماء إلى عشيرة أو بلدة أو ناحية أو جماعة أو حزب أو طائفة، وتضبط “اللاوعي السياسي” لدى معتنقيها.
  2. الغنيمة:وهي الضريبة التي تفرضها الدولة بغض النظر عن دين الشخص الملزم بدفعها. ويرجح الجابري في هذا الصدد، لمراعاة توزيع الثروة، ثابتاً واحداً في هذا النظام من الضرائب، وهو إما أن تكون جزية يدفعها أهل الذمة التزاماً أو عشراً يدفعه المسلمون. “إنه ما يمكن أن نسميه اليوم بالاقتصاد الريعي. ولذلك كانت الدولة التي كانت تدعمها دولة ريعية”.
  3. العقيدة:لا تعني العقيدة مضموناً محدداً في شكل دين أو أيديولوجيا، بل هي أثر على مستوى العقيدة، أي المنطق الذي يحرك الجماعة ليس على أسس معرفية، بل على رموز تؤسس للإيمان والاعتقاد.

وقد دعا الجابري إلى تحويل «القبيلة» في مجتمعنا إلى لا قبيلة، أي إلى تنظيم سياسي واجتماعي. كما دعا إلى تحويل «الغنيمة» إلى اقتصاد «ضريبة»، وتحويل «العقيدة» المذهبية إلى مجرد رأي. ذلك كله رغبة منه في تحقيق «الحداثة السياسية» من حيث هي تقوم على مبدأي «الديمقراطية» و«العقلانية”.

كل هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا اتسم الوعي بـ “الحاجة إلى الديمقراطية” والوعي بأصول الاستبداد وأسسه. وهذا يعني تجاوز الاستبداد، وإضفاء الطابع الديمقراطي على الدولة والمجتمع، وإدخال قيم مثل الجهد والجدارة والإبداع، واعتماد مبادئ العالم الحديث في الاقتصاد والسياسة والثقافة. هذه هي الأهداف الرئيسية التي لم يتوقف الجابري عن الدفاع عنها طوال مسيرته الطويلة كمربٍّ ومناضل ومثقف من طراز نادر.

ملاحظة:

تعاملت العديد من الأقلام في الساحة العربية مع هذا التنظير قبل عام 2011، وكأن المسألة لم تكن أكثر من ترف فكري عند الجابري. غير أن ما كشفت عنه الأحداث – أحداث “الربيع العربي” – هو نفس الرسالة التي كان الجابري يدافع عنها. والحالة السياسية في ليبيا هي التطبيق العملي الرئيسي، أو النموذج الميداني الذي يترجم للقارئ ما كان الجابري يجادل فيه عن آثار هذه المحددات الثلاثة، لأن المحدد القبلي كان حاضراً تماماً كالمحدد العقدي (ما يسمى “فتوى القرضاوي” كمثال).

الخلاصة:

أثار المنهج الفكري للجابري ولا يزال يثير الكثير من النقد والجدل في العالم العربي. ولعل أشهر هذه الانتقادات هي انتقادات تلامذة الجابري مثل كمال عبد اللطيف وسالم يفوت وطه عبد الرحمن، وكذلك انتقادات فيصل دراج وحسن حنفي ضد عقلانية الجابري ومشروعه النهضوي.

وكان أكثر الانتقادات التي وجهت إلى الجابري ضراوة وشهرة كتاب “نقد نقد العقل العربي” لجورج طرابيشي، الذي تعرض هو الآخر للنقد.

ولذلك يمكن القول إن مشروع الجابري قد وصل إلى مرحلة “نقد نقد نقد العقل العربي”. كما أن هناك محاولات أخرى كثيرة، وكلها تستند إلى التأثير الإيجابي لمشروع الجابري مهما كانت عيوبه.

المقال ترجم من الفرنسية عن موقع: le collimateur .ma

محمد عابد الجابري
محمد عابد الجابري
اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا