صلاة زوربا: الحبّ طريقًا إلى الله وإلى الحرية


- لا أراك تصلي يا زوربا.
- الذي يصلي بصدق لن تراه.
ولكن كيف تصلي؟
-بالحب. أقف وكأن الله يسألني: ماذا فعلت منذ آخر صلاة لتصنع من لحمك روحًا؟ فأقدم تقريري فأقول: يا رب، أحببتُ إنسانًا، ومسحت على رأس ضعيف، واحتضنت امرأة خوفًا وحبًا، وابتسمتُ لعصفور غنّى على شرفتي، وتنفسّت بعمق أمام سحابة تستحم في ضوء الشمس… وأظل أُعدّد حتى يبتسم الرب.
وإن ابتسم؟
نضحك ونتحدث كصديقين مخلصين.
ألا تطلب منه شيئًا؟
هو أكرم من أن أطلب. طالما وجد حبًا صادقًا ونيةً طيبة، أعطى.
وماذا تفعل عند الخوف؟
أخاف مثل كل إنسان، لكني مؤمن أن الحب يطرد الخوف. الله محبة.
من رواية زوربا، نيكوس كازانتزاكيس.
كم في هذا الحوار من صدقٍ خفي! فالصلاة التي تُرى ليست دائمًا صلاة تُعاش. هناك صلاة أعمق من الركوع والسجود، صلاة لا تُقاس بعدد الركعات، بل بقدر ما نحمله من حب في قلوبنا. حينها تكون الصلاة حبًا لا خوفًا.
زوربا… الفيلسوف الذي يذكّرنا كيف نعيش
زوربا شخصية حقيقية التقاها كازانتزاكيس في إحدى رحلاته، فأُعجب بها إلى حدّ أنه خلّدها في رواية أصبحت أشهر من صاحبها نفسه.
في زمن يفيض بالقلق والفوضى، يعيدنا زوربا إلى جوهر الحياة البسيطة:
العيش بصدق، والرقص رغم العواصف، واستعادة الحرية التي ضاعت وسط صخب العالم.
نحتاج إلى حكمة رجل عاش ببساطة وصدق، لا إلى مزيد من التنظير.
إلى روحٍ ترى أن الحياة تُفهم بالحواس قبل العقل، وبالجنون الجميل قبل التحليل المُفرط.
كان زوربا يضحك ويبكي ويرقص في اللحظة نفسها، كأنما يعيد اكتشاف معنى الإنسان كل يوم.
حين قال لصديقه المثقف:
“أنت تنظر إلى البحر من الشاطئ، أما أنا فأغوص فيه حتى أغرق”
كان يختصر مأساة الإنسان الحديث:
نعيش من بعيد، نخاف الحياة أكثر مما نحياها.
في عالم تتراكم فيه الأخبار والضغوط والمقارنات، يذكّرنا زوربا بأن نبطئ قليلًا…
أن نأكل بشهية،
وأن نحب بلا حساب،
وأن نرقص، حتى لو لم تكن هناك موسيقى.
زوربا… حالة إنسانية
زوربا ليس مجرد بطل روائي، إنه تمرّد على القوالب الجاهزة، وصوت القلب حين ينسى الناس أن يعيشوا.
حين يرقص رقصة “زوربا” الشهيرة، يقفز عاليًا كمن يريد أن يمسك الهواء بيديه، كأن الحياة كلها تُختصر في لحظة خفيفة لا تُنسى.
الرواية التي أصبحت أسطورة
تُعدّ “زوربا اليوناني” من أشهر أعمال كازانتزاكيس. عنوانها الأصلي هو:
“حياة أليكسيس زورباس”، وتحكي ببساطة عن شاب من أبناء المدينة يذهب لاستكشاف منجم للمعادن برفقة رجل يوناني التقاه صدفة: أليكسيس زوربا.
هي رواية رحلة وصداقة ومغامرة، رواية روحين مختلفتين تبحثان عن معنى الوجود.
ترجمت الرواية إلى عشرات اللغات وبيعت بملايين النسخ، ثم تحولت إلى فيلم سينمائي شهير من إخراج مايكل كاكويانيس، وبطولة أنتوني كوين الذي قدّم واحدًا من أعظم أدواره.


