انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أسماء لا تُنسى

من أنت؟ كارل يونغ ورحلة اكتشاف الذات

يقول كارل يونغ:

“سيسألك العالم من أنت، وإذا كنت لا تعرف الإجابة، فسيخبرك العالم”.

هذه العبارة تحمل دعوة عميقة للتأمل: الهوية ليست بطاقة تعريف أو دورًا اجتماعيًا فحسب، بل تجربة داخلية يجب أن تُبنى من الداخل قبل أن تُعرض على الآخرين. غياب هذا الوعي يجعلنا عرضة لتصورات الآخرين وأحكامهم، فتتحول حياتنا تدريجيًا إلى انعكاس لرغباتهم، لا تعبيرًا عن حقيقتنا.

في علم النفس التحليلي الذي أسسه يونغ، ترتبط هذه المسألة بمفهوم الذات (Self) والقناع (Persona). الذات هي جوهر الإنسان العميق، بما فيه رغباته، مخاوفه، طموحاته، وقيمه. أما القناع فهو الصورة التي نرتديها أمام العالم، والتي غالبًا ما تتشكل وفق توقعات المجتمع أو متطلبات الدور الاجتماعي. القناع يخفف التوتر بين ما نريد وما يتوقعه الآخرون منا، لكنه يصبح قيدًا إذا فقدنا الاتصال بذاتنا الداخلية.

يونغ يرى أن رحلة النضج النفسي، أو التحقق من الذات (Individuation)، تبدأ عندما يواجه الإنسان داخله، يكتشف دوافعه اللاواعية، ويعي صراعاته الداخلية، ثم يدمج هذه العناصر في شخصيته الواعية. هذه العملية تتطلب شجاعة لمواجهة الجوانب المخفية والمظلمة في النفس، وجرأة لتشكيل معنى شخصي للحياة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.

أمثلة تطبيقية من الحياة اليومية

  1. في العمل: شخص يقبل وظيفة يكرسها فقط لتوقعات عائلته، بينما قلبه يميل إلى الفن أو الكتابة. غياب الوعي بالذات يجعل حياته اليومية شديدة الإحباط، لأنه يعيش وفق توقعات الآخرين وليس وفق شغفه.
  2. في العلاقات: شخص يخفي مشاعره الحقيقية ويظهر فقط الصورة المقبولة اجتماعيًا، خوفًا من رفض الآخرين. هذا القناع قد يحميه على المدى القصير، لكنه يمنعه من إقامة علاقات حقيقية وناجحة.
  3. في القرارات الكبرى: كثيرون يختارون الدراسة أو السفر أو الزواج بناءً على ضغط المجتمع أو الأصدقاء، وليس رغباتهم الداخلية. كل قرار لا ينبع من الذات يترك أثرًا من الاغتراب النفسي.

من منظور فلسفي، أفكار يونغ تفتح الباب أمام سؤال وجودي: هل نسمح للعالم أن يصنع هويتنا، أم نغامر بخلقها بأنفسنا؟ الإجابة ليست مجرد قرار، بل رحلة مستمرة، إذ كل تجربة، فشل أو نجاح، يشكل جزءًا من “ذاتنا”.

الخلاصة

المعرفة بالذات هي حماية وحرية: حماية من تصورات الآخرين، وحرية للعيش وفق ما نحن عليه حقًا. إنها رحلة مواجهة القناع، وغوص في أعماق النفس، ثم الصعود إلى حياة متكاملة تتسق مع ما نختاره نحن، لا بما يفرضه العالم. وكل خطوة في هذه الرحلة تقرّبنا أكثر من الحقيقة الجوهرية لوجودنا، وتجعلنا أحرارًا في صياغة مصيرنا بأنفسنا.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا