انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
رأيهم

حين تنقطع الكهرباء… تسقط أوهام الاطمئنان

الدرس الأوروبي: حين تُطفأ الأضواء في زمن السيادة الرقمية

بقلم: محمد نجيب كومينة

انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا صادمٌ لكل من يفكر بأمعائه ويعيش اللحظة بقصر نظر.

هذا الحدث ينتمي إلى جيل من الأزمات الجديدة التي لا يُستبعَد تفجّرها هنا وهناك، أو على مستوى العالم، نتيجة أسباب متعددة، لا يدخل ضمنها بالضرورة نقص موارد الطاقة الأحفورية أو الخامات الأخرى.

ويمكن أن تجعل هذه الأزمات أجزاء من البشرية تواجه تعقيدات بحجم ما واجهته مع جائحة كوفيد، أو أكثر، إذا وجدت نفسها أمام ندرة في المياه، والغذاء، والدواء، والكهرباء، وصعوبة في المواصلات والاتصال، وغير ذلك.

بين السيادة والتبعية: البنيات التحتية على المحك

ما حدث في إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا يطرح إشكالًا كبيرًا في عالم اليوم، الذي تجري فيه الأمور على إيقاع النزاعات الجيوستراتيجية، وخطر الانقسام الجيوسياسي للعولمة، مع ما يترتب على ذلك من ممارسات، ومناورات، واستقطابات، وتحالفات.

لذلك، فإن هذا الحدث ينبه كل من يتولى مسؤولية دولة، أو من يطمح إلى توليها إذا ما أتاحت له صناديق الاقتراع ذلك، إلى الأهمية الاستراتيجية، بل الحيوية والوجودية، لمسألة التحكم في البنيات التحتية والتكنولوجيات الحرجة (Les infrastructures et les technologies critiques)، وضمان أمنها، وتأهيلها، وتطويرها، وتوفير الحلول المناسبة والسريعة لمواجهة الأزمات أو الهزات التي قد تتعرض لها لأي سبب، بما في ذلك الممارسات الإجرامية العابرة للحدود من جهة، والقرارات الفجائية التي قد تمليها مصالح الدول المتنافسة على قيادة العالم، من جهة ثانية.

ومن الصعب جدًا، في هذا الصعيد، وأخذًا بعين الاعتبار التجارب السابقة والحالية، الوثوق الكامل بجهة معيّنة، كيفما كان نوع العلاقات معها. لكنه من الصعب في الوقت ذاته العيش في عالم اليوم دون تشبيك وعلاقات تقوم على قدر معيّن من الثقة، والتواصل، والتعاون، والتعاضد في الأزمات.

إنّ التطورات التي شهدها العالم خلال الثلاثين سنة الأخيرة، والتي طبعتها العولمة، قد جعلت مفهوم السيادة، كما تطوّر منذ اتفاقية وستفاليا التي كرّست الدولة الوطنية الحديثة ذات السيادة على المجال الوطني، وبالأخص منذ نهاية الاستعمار، يتغير وينفتح على تعميم اقتصاد السوق، وحرية التجارة الدولية، التي كسرت كثيرًا من الحواجز الحمائية، وجعلت العالم يتحول إلى سوق كبرى تحكمها قواعد ومعايير تُفرض على القوي والضعيف.

غير أن هذا التغيّر نفسه أنتج تغيّرات أخرى، خلقت معطيات وموازين جديدة، جعلت مفهوم السيادة يعود بقوة، ليس كما كان، ولكن بشكل جديد. فلم تعد السيادة متمركزة فقط في ما له علاقة بالسلطة السياسية، والمؤسسات، وأمن الوطن، بل أصبح البعد الاقتصادي عنصرًا قويًا في تكوين هذا المفهوم.

وهو ما يفسر هذه العودة القوية للسياسة الصناعية في دول كانت قد اختارت سابقًا تحويل بلدان العالم الأخرى إلى مصانع لها لتقليص الكلف وتخفيض معدلات التضخم.

كما يفسر هذا التنافس العالمي لإعادة بناء البنيات التحتية العالمية، التي كانت منذ القرن التاسع عشر ولا تزال إلى اليوم خاضعة للغرب، ولزعيمته وزعيمة العالم حتى الآن: الولايات المتحدة. ويفسر أيضًا سعيَ دول كثيرة إلى أن تكون حاضرة ومشاركة في هذه المنافسة، لتستفيد وتتمكن من التحكم في البنيات التحتية التي تنجزها بأفق وطني وجيوسياسي واستراتيجي، كي تخدم تنميتها ومصالحها الوطنية.

ما حدث في إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا يسائلنا، كما تسائلنا الهجمات السيبرانية التي تستهدف بلدنا، والحروب الهجينة والبئيسة التي يخوضها ضد بلدنا جيران السوء بعقلية بئيسة.

ويدعونا إلى جعل مسألة البنيات التحتية والتكنولوجيات الحرجة جزءًا من منظومة واستراتيجية شاملتين، سواء فيما يتعلق بالتحكم والتدبير وطنياً، أو بالاستثمارات الداخلية والخارجية، والشراكات، وعمليات التشبيك، أو التموقع تجاه الممرات (كوريدورات) القائمة والناشئة والمستقبلية.

ومن الطبيعي أن من يفكرون في “حوريات الجنة”، ومن لا يستوعب تفكيرهم الوطن ومصالحه، ومن ينظرون إلى العالم نظرة ماضوية من مختلف التوجهات، أو من لا يفكرون إلا في الريع و”الهمزة” و”البليصة”، لا يُعوّل عليهم في المساهمة في نقاش عمومي حول موضوع بهذه الدقة، رغم أهميته حتى بالنسبة إليهم.

فانقطاع الإنترنت اليوم بالمغرب لساعات، لزبناء شركة “أورانج” على الخصوص، أربك الكثيرين. وللأمر علاقة وثيقة بالبنيات التحتية والتكنولوجيات الحرجة.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا