انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

أحمد 2 : ضحية أخرى ..

رسائل تأخرت عن موعدها

بقلم: زكية حادوش

كما كتبت في عمودي السابق “بالوجه المكشوف” عن محسن 1، محسن فكري الذي توفي رحمة الله عليه مدهوسا مع أسماكه في شاحنة الأزبال بسبب عنجهية القائد ورجاله وانطلقت بمقتله شرارة حراك الريف الذي مازال معتقلوه يقبعون في السجن إلى الآن ومازالت المنطقة تعيش بعده تحت سحابة قاتمة، وعن محسن 2، الشاعر محسن أخريف الذي وافته المنية بصعقة كهربائية أثناء إلقائه كلمة، رحمه الله وأنزل رفقه السماوي على جميع شعراء العالم؛ كتبت عن أحمد الأول الذي مات لأن “هولدينغ” الصحة ببلادنا لا يكترث بالضعفاء، وسأكتب عن أحمد الثاني.

أحمد منصور، الصحافي الفلسطيني، مراسل وكالة “فلسطين اليوم” ارتقى محترقا داخل خيمة الصحافيين قرب مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب غزة، رفقة الصحافي حلمي الفقعاوي والشاب يوسف الخزندار، بعد قصف إسرائيلي وحشي منذ أسبوع…قصف استهدف خيمة صحافيين حتى تظل السردية الصهيونية لهذا العدوان هي السائدة. وكل من له سردية مختلفة أو رأي مخالف فليغادر الساحة أو يلتحق بالرفيق الأعلى أو ينتحر بغمه!

احترق أحمد منصور وهو جالس أمام حاسوبه يؤدي واجبه كأي صحافي، وانتشر فيديو احتراقه واستشهاده كالنار في الهشيم، بين إشهارات مبيضات “المناطق الحساسة” والفوط الصحية “الخاصة بالرجال” (حاشاكم) وقرعات العمرة المجانية وتفاسير القرآن للصغار المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وحزمة (باك) العطور المقلدة للرجال والنساء، الخ… هكذا غادر الصحافي الشاب رب أسرته، أحمد منصور، هذا العالم السفلي محترقا بنار الاحتلال الصهيوني الغاشم ونحن شاهدون.

هذه أقذر حرب في تاريخ البشرية تقع على مرأى ومسمع منا وما علينا إلا أن نتفرج ونحوقل ونبكي (بالنسبة لمن تبقى لديه بعض المشاعر الإنسانية) أو نسارع لاقتناء آخر منتج أو طلب آخر أكلة وآخر كعكعة قبل نفاذ الكمية، بضغطة زر.

أضعفنا لا يملك حتى ثمن “نجمة 6” وأقوانا يشاهد سلسلة “الملاك” أو “المسيح” على تلك الأرضية التي لا تحتاج إلى إشهار هنا. وهناك من هو مشغول بمصير فريقه المفضل في “دوري الأبطال”، أو يتابع أخبار “المينستريم”(Mainstream) التي يهمن عليها أولئك الذين لا يسمون!

ثم هناك آخرون يخرجون للتظاهر تنديدا بما يحدث، غير مصدقين في عمقهم ما يحدث، بما فيهم هاته الأمة الضعيفة. خرجنا الأحد الماضي وهذا الأحد، رغم الأمطار المنهمرة والماراطون والأشغال في عاصمة المملكة المغربية، وصرخنا ملء حناجرنا “غزة أمانة والتطبيع خيانة”، وأصابت أصواتنا البحة من كثرة المطالبة بوقف الإبادة والتجويع والترحيل داخل منطقة تبعد عنا بآلاف الكيلومترات. أصبنا بغصة في القلب دائمة من طلبنا غير المستجاب بإنهاء التطبيع مع الكيان الذي لا يسمى.

صمتنا طويلا، استعذنا بالله، ثم صرخنا وبسملنا وحوقلنا وحسبنا على من هدم بيوتنا فوق رؤوسنا وشردنا وطردنا شر طردة حتى أصبحنا كالغرباء في وطننا، أو كالأعداء، وكل ما أبقانا في هذا اللظى المستمر منذ عقود هو عشقنا لهذا البلد وتضامننا غير المشروط مع الشعوب المستضعفة ومع المظلومين والمقاومين على وجه هذا الكوكب. كل ما همنا هنا والآن هو أن نحافظ على أمانة ألقاها آباؤنا وأجدادنا على عاتقنا وهم اليوم تحت التراب!

ماذا بعد؟ هل سنظل نترحم على جثث شهداء فلسطين الذين يسقطون يوميا ونتحسر على ماضي أجدادنا وحاضرنا؟ هل سنبقى نخرج للتظاهر والتضامن ونحن نُطرَد من وطننا “بالغمزة” وأحيانا “بالدبزة”، ونحن المغاربة نفهم هذه الكلمة وندرك أننا حين نعامل كالعبيد نحس بشيء اسمه “الحكرة”، لا يدرك كنهه ولا عمق جرحه سوى مغربي قح!

لنا باب في فلسطين لا يدخله سوى الأحرار، ولنا هنا ذاكرة تعود لما قبل التاريخ، ولن نموت في خزان رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس” قبل أن نطرق الجدران. سنطرقها ونطرقها حتى تسمعنا الأرض جمعاء!

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا