انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

 الفلسطيني الصالح هو الفلسطيني الميت

بسمة نسائية/ منبر بسمة

بقلم: مصطفى الزارعي*

نقترب من نهاية العام الأول من الابادة الفلسطينية، ونوجد أيضا فيما كان يعتبره برنارد لويس، قارة النسيان، كل شيء معرض فيها للنسيان، حتى الديانات، لا يتم تذكرها إلا حين تستعر الحروب وتنشط حركة القتل.. الآن تقترب ألة الحرب الصهيونية من حصاد خمسين ألف قتيل فلسطيني، وتدمير غزة بالكامل، و” لا شيء يوقف أعداد الموتى”، كما يقول جون جنيه، حين كان معتصما في خيام الثوار الفلسطينيين بلبنان، منذ قرابة نصف قرن.. لأن قدر الشعب الفلسطيني، أنه محاط بدول عربية ظلت تستمرئ الصفر، وظلت تغرق فيه، ولا أمل في النجاة منه، كما لا شيء سيوقف المجازر الحالية في غرة، لأن ذلك ليس بيد يهودا بل بيد أمريكا، وهذه الأخيرة يقودها حاليا رئيس يفكر بنصف عقل مشكوك في صوابه، فيما النصف الآخر تستخدمه إسرائيل بسوء نية.. وسيبقى الوضع على حاله، إلى أن تنتقل الإبادة الفلسطينية إلى العام المقبل..  لكن أيضا لا اعتراض على استمرار الإبادة الفلسطينية، فيما القوى العظمى تومأ للصهاينة، أن يواصلوا الإبادة، وأن يواصلوا دعمهم لاختيار الكيان الاسرائيلي “ملكة للإبادة” .. ومع تكرار الموت، أصبح القتيل الفلسطيني فرجة يومية في تلفزيونات العالم، شيئا عاديا ومألوفا.. مجرد خبر بسيط في نشرة الأخبار، يمكن تعويضه بأخبار المنوعات، لكنه أقل قيمة بكثير من أخبار الطبخ، وأخبار زواج عارضات الأزياء، أو أخبار انتقال نجوم كرة القدم، في موسم الانتقالات الصيفية..

الأنبياء يحاربون

عام من القتل النشيط في الجسد الفلسطيني، تبارت فيه نبوءات القتل التي نسبت إلى أنبياء إسرائيل.. ودعاويهم الزائفة التي ألصقت زيفا بالتوراة.. ألم يقل وزير التراث في حكومة الكيان الإسرائيلي، عميحاي الياهو، “على أنبياء إسرائيل أن لا يبقوا محايدين في حربنا المقدسة”..

أسابيع وشهور وفصول ومواسم شكلت حصاد الموت الفلسطيني، انتهت معها منافسات التباري على إبداع تبريرات الإبادة الفلسطينية، لم نعد نسمع رئيس دولة غربية، يجهد نفسه في تبرير القتل الصهيوني، لم نعد نسمع أن الفلسطينيين أول من وضع فتائل الحرب، وأن البادي أظلم، وعليهم أن يؤدوا الثمن.. الآن على الشعب الفلسطيني أن يؤدي ثمن رفضه للاحتلال، لأنه يوجد في الأرض الخطأ وفي التاريخ الخطأ، وأن الكيان الصهيوني أفضل من يؤدي مهمة كنسه وإبادته..

وها نحن نعاين قرب بداية الدورة المكرورة من الابادة، العام الثاني، شوط آخر من القتل سيكون لا محالة أكثر اجراما وأقل حماسا في التنديد به والاعتراض عليه.. سيصبح التنديد به أقل، واستنكاره مجرد خبر بسيط، فالقتل يسكن مشاعر الألفة، ويصبح فعلا معتادا، لا يحرك انتباها..  سيكون استمرارا لقتل يتفرج عليه العالم، ولم يتوقف، وسيتواصل مع  الفصل الثاني من التقتيل والإبادة الفلسطينية،  سيصبح الموت نسيانا، واستمرارا لنسيان أكبر، بدأ لافتا منذ عام ولن ينته… وهذه أبسط ملامح الإبادة التي تستحيل إلى سلوك عادي، يباهي بها الكيان الصهيوني بقية العالم، بأن الموت الفلسطيني أمر معتاد يفترض أن لا يوقظ ضميرا،  وأن جماعة الصهاينة، التي التأمت بالقوة وبدعم القوى الاستعمارية الكبرى في الأرض الفلسطينية، ستواصل مسلسل الابادة، وستقنع العالم، رغما عنه أو مغشيا عليه،  أن الموت الفلسطيني، هو بالضرورة بلا سعر ولا ثمن.. وأن القتلة سيواصلون إبادة الشعب الفلسطيني، ما دام موجود في المكان الذي انتدبهم الاستعمار فيه، والذي طالما تباهى به الإرهابي إسحق شامير، “الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت”.

موت بلا ثمن

الآن ونحن نقترب من العام الثاني للإبادة، من يتذكر وجه الفلسطيني الذي قتل منذ عام، وصار جثة بلا ملامح، مجرد كليا من أسباب موته.. ألم يقل اليهودي جابوتنسكي، “أن الفلسطيني، يعيش مطلق حياته، وهو يطرق أبواب العدم”.. وكأنها الصورة التي مازالت تحمل شعار الملك داوود، دونها صورة الفلسطيني الميت هي الأصل وغيرها صورة تحتمل اللامبالاة، وقد تنتهي أيضا بالنسيان، إلى حد صارت معه حساسية العالم، حيال الموت الفلسطيني، أقل من أن ترتقي إلى مجرد خبر بسيط..

وهي الصورة التي أصبحت من ثوابت الإعلام الصهيوني، للفلسطيني الذي يكون في حياته عدوا ويستحيل في موته عدوا، وأن صورة الفلسطيني الميت المسجى بسبب رفضه للاحتلال، هو المنجز الذي دافع عنه يهوه، وما زال الصهاينة يكنسون به حيوات الشعب الفلسطيني.. حتى أن المؤرخ الانجليزي توينبي، يستغرب من صفحات التاريخ اليهودي المغرقة بمباهاة الدم الفلسطيني، فيرافع مازحا.. “كم يكفي الإسرائيليون من الحروب، كي يدفعوا الشعب الفلسطيني في كل مرة إلى الهاوية؟” .. لكن إيميل حبيبي الآتي من التراث النضالي الفلسطيني الفذ، والأكثر انفعالا بسبب وجوده في معترك المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية يتساءل، “أليست الهاوية هي التراب الذي تصنعه جثامين القتلى والشهداء الفلسطينيين، أليس تراب أرضهم، هو اجسادهم التي تتحلل بعد كل مجزرة”، وهي عملية كيميائية تختزل ولادة الفلسطيني وموته، وجوده وانتفاءه، ثم خلقه وانبعاثه وإعادة ولادته، كي يواصل الدفاع عن أرضه..

المؤرخ توينبي، وعلى طريقته المعتادة في السخرية من الكيان الاسرائيلي، يقول.. “أنتم توهمون أنفسكم، أنكم تقتلون تاريخ الشعب الفلسطيني، لكنكم لا تفعلون أكثر من إعادة خلقه”.. وهذا يعني أنه بعد كل معركة صهيونية ضد الشعب الفلسطيني، يولد جيل أكثر إصرارا على مواصلة المقاومة، وأكثر هوسا بالبقاء كثابت من ثوابت الانتماء إلى الأرض..

هتلر مجرد تلميذ كسول

ولأن معارك الشعوب ضد احتلال أرضهم، لا تتشابه دائما، فإنه لا سبيل للمقارنة بين القتل الفلسطيني وبين القتل في بقية بؤر التوتر والحروب في العالم… حتى إذا بسطنا خريطة الحروب التي قادها  أدولف هيتلر، الآتي من ثقافة الاستئساد والتطرف في القتل، والمحكوم بهاجس الاستعلاء  الفرويدي، على الشعوب والدول،  لم يطالب بقتل المدنيين،  كان مجرد تلميذ كسول، قياسا لقامة إرهابيي الحكم الصهيوني، وآخرهم  بنيامين نتنياهو. فحكام الإرهاب الصهيوني، الذين ترعرعوا وسط  إيديولوجيا الدم وتنشيط حركية المقابر الفلسطينية، بارعون أيضا في تزوير أرقام ضحايا الحروب، ويمتلكون مطلق الحرية لزيادة أعداد الأصفار التي يريدونها، دون أن يتمكن احد من تصحيحها أو التشكيك فيها.. وهذا لكي يتمكنوا من تحرير هاجس القتل في الشعب الفلسطيني، وكي يتمكن كل واحد منهم، أن يضع في عنقه قدرا من الإبادة الفلسطينية، ليتباهى بها في مشاريعه الحكومية والسياسية.. وإلا ماهي إسرائيل إذا لم تكن تاريخا مظللا بالمذابح الفلسطينية..

الإبادة الاسرائيلية الحالية للشعب الفلسطيني، والتي لم تكن الأولى ولا الأخيرة، أظهرت أن الكيان الصهيوني، يتصرف بمواصفات إمبراطورية، وبمساعي وأهداف واستراتيجية الاستحواذ على مقدرات العالم.. والتسلل إلى ما تحت الجلد واختراق الأدمغة والثقافات، وإحالة السياسات الخارجية للقوى العظمى إلى نازية جديدة، ومسخ المفاهيم، فصارت إبادتهم للشعب الفلسطيني دفاعا مشروعا عن النفس، بل أحالوا أميركا، التي طالما تصرفت في العالم بعقلية القيصر، وصار من اختصاصها قلب العديد من الحكام والعروش والأنظمة السياسية، تجهد نفسها بعد كل إبادة صهيونية ضد الشعب الفلسطيني، في البحث عن مرادفات سخية وسائغة إعلاميا لتبرير الطاغوت الصهيوني للشعب الفلسطيني.. أليس، هذا ما كتب عنه المفكر إدغار موران، وهو يتحدث عن الأنياب الإسرائيلية السامة التي لامست العظام الأمريكية..

هكذا يَسْحَل نتنياهو كبرياء القوة الأمريكي على الأرض، وهكذا يضع أنوف رؤساء  أوروبا في الأرض، وأخر فصول الاذلال الإسرائيلي لأميركا، كان أمام أعضاء الكونغريس الأمريكي وهم يستمعون إلى كلمة نتنياهو، وكأنهم يستمعون بضعف واستصغار إلى كلام يهوه..

وقد لا يتغير أي شيء، ما دامت دورة وجود الشعب الفلسطيني، وموته واستفاقته، أمور مكرورة ومستعادة ودارجة ومحبطة للوهم الاسرائيلي الصهيوني.. يتجدد القتل ولا ينتهي، ويخلق جيل فلسطيني بعد جيل، في دورة مقدسة لا تمل ولا تكل ولا تتوقف.

يلقي السابلة بالحجارة

حاليا لدى الكيان الصهيوني عام من القتل ضد الشعب الفلسطيني.. ولأنهم يعانون من داء تفشي الأسطورة، وهي الصيغة المرادفة للجنون، فإن الاعلام الصهيوني، يردد أن يهوه الذي يقود في الوقت الحالي أسطورة الجيش الصهيوني، ما زال يطل خيفة من جحره أو كهفه، وهو يلقي السابلة بحجارته، وكأنه يلقيها على الشعب الفلسطيني. في غزة، وبصيغة الوهم التوراتي، ينم على أن يهوه يعاني من نقص ظاهر في الحجارة، وبالمعنى العسكري واللوجستيكي، يذكر قادة الكيان الصهيوني، أن احتياط الأمل في القضاء على الشعب الفلسطيني على وشك الانتهاء..

لكن الشعب الفلسطيني يحارب بكل شيء وبلا شيء، لأنه حقق عقارب معركته على هدف واحد، أن يوصل قتلة الكيان الصهيوني إلى حافة الجنون..

في السياسة، من غير المؤكد التعرف على الوقت الذي سيصاب به الزعيم الجلاد بالجنون، وقد لا تظهر عليه تصرفات الجنون، وقد يتخفى زمنا وراء أردية الزعيم العاقل، مع ذلك ندرك جيدا أن النهايات المجنونة بالمعنى الفرويدي تكون قاتلة، وأن الكيانات التي تتفنن في حروب التقتيل، تنتهي بالضرورة إلى أسوء حالات الجنون..  ألم يكن كلام وزير التراث الاسرائيلي عميحاي الياهو حول القاء القنبلة النووية على الشعب الفلسطيني يعني الوصول إلى حالة التعري الفاحش، ألم ينتهي كل قادة الكيان الصهيوني، في غيبوبة قاتلة، وخاتمة السقوط، أليس هذا مطلق رمزية الفشل  ومنجز الجنون..؟

*كاتب صحافي

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

عزيزة حلاق مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا