انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

رحيل عائشة بنمسعود… أول امرأة جمعت بين سلطة الإعلام والدفاع

أجرت الحوار: فتيحة النوحو 

بعد رحيل الأستاذة عائشة بنمسعود، أول محامية مغربية تفتح باب الدفاع أمام النساء، يستعيد موقع “بسمة نسائية” حوارًا حصريًا معها يعود إلى أكثر من عشرين سنة.

وبهذه المناسبة، نشكر الشاعرة والإعلامية فتيحة النوحو التي حافظت على هذا الحوار طيلة هذه السنوات، وأخرجته من أرشيفها لتخصّ به موقع “بسمة نسائية”، وفاءً لاسمٍ يستحق أن يُستعاد.

تفاجأت اليوم بنعي الأستاذة عائشة بنمسعود من قبل هيئة المحامين بالرباط. تذكّرت اللقاء الصحفي الذي شرّفتني به حوالي عقدين، ولم ينشر، لأنها تحفظت على أن نلتقط لها صورًا، رغم أن مرافقتي كانت المصوّرة الصحفية زوليخة أسبدون. اكتفت الأستاذة، بكل تواضع، بأن منحتنا صورة بسيطة تشبه تلك التي تُرفق بالبطاقة الوطنية.

تحفّظت المجلة التي كنت أعمل بها حينها عن نشر الموضوع، لأن الصورة المتاحة لم تكن، في نظرهم، تعكس حضورها ولا حجم تجربتها.

برحيل الأستاذة عائشة بنمسعود، نودّع شخصية جمعت بين سلطتي الإعلام والدفاع، في زمنٍ كان الفضاء العام للمرأة فيه مشروطًا بالحجب والقيود.

كان اللقاء بمناسبة تكريمٍ خاص حظيت به الأستاذة عائشة بنمسعود من طرف هيئة المحامين بالرباط، تتويجًا لمسارٍ استثنائي وفريد. فقد كانت أول امرأة تمارس مهنة المحاماة في المغرب، بل واكتشفنا خلال المقابلة أنها كانت أيضًا أول صحافية تغطي أنشطة أول برلمان مغربي، الذي حُلّ في ظل حالة الاستثناء سنة 1965.

من هنا انطلق أول سؤال:

-ماذا يمثل لك التكريم؟ هل هو إشارة ضمنية من قبل هيئة المحاماة للتوقف عن العمل؟

*لا بالعكس سعدت كثيرا بهذه الالتفاتة التي كانت أول سابقة في تاريخ الهيئة الاحتفال بأقدم محامية، وهذا الحدث كان له تأثير عميق في وجداني فهو تتويج لعطائي الذي سيستمر ولن أتوقف عن العمل إلا إذا قدر الله ذلك.

-إذا عدنا بك إلى البداية هل راودك حلم امتهان المحاماة منذ الطفولة؟

*عندما كنت طفلة كنت أعلن رغبتي في الالتحاق بمجال التعليم أو القضاء دون أن أعي لماذا أميل لهذين المجالين بالضبط ،بعدما أصبحت شابة بدأ إدراكي يتفتح وأرى المسائل بوضوح، وبعد حصولي على شهادة الباكالوريا اخترت دراسة شعبة القانون ،وبعد التخرج سنة 1963 لم أعمل بالمجال القانوني بل التحقت كصحفية منتدبة من قبل الحكومة في أول برلمان بالمغرب الذي لم تكتمل ولايته حيث وقع حله لأسباب سياسية، كنت أحضر الجلسات لمدة سنتين بعدها التحقت بالديوان الملكي ومع ذلك لم يفارقني طيلة تلك المدة حلم ممارسة المحاماة خاصة أنني كنت أمر يوميا أمام مقر محكمة الاستئناف (بناية مجلس النواب حاليا) بشارع محمد الخامس بالرباط ،وكان يثيرني شكل المحامون ببذلهم السوداء، فبدأت الرغبة تكبر وتكبر إلى أن جاءت الفرصة والتحقت بالهيئة كأول امرأة تمارس هذه المهنة وتسجل الحضور باستمرار، تمرنت بمكتب زميل لي وبعد مدة من الاشتغال استقبلت بمكتبي خاص الذي لازلت لم أفارقه بعد.

-اقتحمت عالم الذكور في مرحلة لم تكن فيها المرأة تنفتح على العالم الخارجي إلا بالنقاب، ألم تواجهك صعوبات وعراقيل آنذاك؟

*فيما يخص علاقتي بزملاء المهنة كانت طيبة مبنية على الاحترام والتقدير والشيء ذاته من قبل القضاة لم يضايقني أحد قط خاصة أنني كنت مخلصة بعملي.

-وماذا عن أسرتك؟ ألم يكن هناك اعتراض من قبلها للالتحاق بمهنة ذكورية آنذاك مائة بالمائة؟

*بالعكس ترعرعت في أسرة منفتحة تحترم خيارات الفرد وكنت محط افتخار من قبل كل الأسرة.

-وكيف كانت ردود فعل المحيط وبالتحديد الموكلين هل كنت محط ثقة من قبلهم؟

*في الأول كان هناك تخوف من قبل المتقاضين الرجال من أن يوكلوا امرأة للدفاع عنهم خاصة في تلك المرحلة الدقيقة حيث المرأة بالكاد كانت تلتحق بصفوف التعليم، لكن أصداء مرافعاتي بالمحاكم كانت خير شهادة قدمتها للموكلين فاكتسبت ثقتهم بجدارة.

-هل المرأة موكلتك الأولى؟

*بالعكس لاحظت أن الرجال يقصدون مكتبي أكثر من النساء والعكس صحيح لا أدري لماذا؟

-أغرب قضية ترافعت فيها؟

*لن أستطيع تذكر التفاصيل لأن الواقعة تعود لفترة السبعينات، سيدة شابة تقتل حماتها لسبب بسيط جدا وأمام ثبوت الجريمة عليها فقد حصلت لها على حكم مخفف محدد بعشر سنوات.

-هل تفترضين في موكلك أنه مذنب؟

*بما أن الشخص قصد مكتبي فمن الضروري أن أقدم له يد العون وبالتالي أن أتعامل مع القرائن والوثائق، والحقيقة لا يعرفها إلا الله سبحانه فالحكم لله أولا، ويبقى اعتقادي الشخصي يحتمل الخطأ والصواب، ففي أحد الملفات التي وكلت عليها اعتقدت أنه سيحكم فيه بالبراءة لكن للأسف وقعت الإدانة.

-ماهي نوع القضايا التي تترافعين فيها؟

 في بداية مشواري المهني كنت أرافع في القضايا العقارية والمدنية، لكن في السنوات الأخيرة تخصصت في القضايا الجنائية والجنحية.

-هل لك طقوس خاصة قبل بداية المرافعات؟

*عادة أفتتح مرافعاتي بآيات من القرآن الكريم، وبعدها أوظف بعض الأمثلة والحكم خلال المرافعة وأعتمد الهزل بعض الشيء.

-هل حققت العدالة أسريا؟

*أحاول أن أوفق بين مهنتي ودوري كزوجة، زوجي متفهم لطبيعة مهنتي الشاقة

-وماذا عن البنون؟

*للأسف لم أرزق بأطفال كان الموت يخطفهم قبل أن يفتحوا أعينهم على الحياة

-بعد أربعين سنة من العمل ألا تبدين بعض الندم لأنك اخترت هذه المهنة؟

*بالعكس فأنا أحب مهنتي بعمق ولن أندم أبدا لأنها قدري.

برحيل الأستاذة عائشة بنمسعود، نودّع سيدة سبقت زمنها، وفتحت الطريق أمام نساء جئن بعدها ليحملن مشعل الدفاع والإعلام معًا. رحلت جسدا، لكنها ستظل تُذكَر كأول امرأة مغربية مارست مهنة المحاماة، وكصحافية غطّت أشغال أول برلمان في تاريخ المغرب. تركت بصمتها في الذاكرة المهنية والوطنية، لتبقى سيرتها شاهدًا على ريادةٍ لا تُمحى.

رحم الله الأستاذة عائشة بنمسعود، وأسكنها فسيح جناته.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا