
أسندوا الأمور إلى من يمتلكون إرادة ووطنية شبيهتين بإرادة ووطنية لاعبي الفريق الوطني..
بقلم: نجيب محمد كومينة
بتنظيمنا لاستقبال رائع لأبطالنا، يليق بهم ويليق بنا كشعب وكوطن، استكملنا عملية رائعة للترويج لبلدنا ولثقافتنا وتاريخنا ساهم فيها لاعبو الفريق الوطني المغربي وطاقمه التقني والجمهور المغربي الذي سانده في عين المكان وفي المغرب وفي كل مكان من العالم يوجد به مغربي، والجماهير العربية والافريقية والمسلمة والاعلام العالمي الذي تفاعل بقوة مع انجازات الفريق الوطني الذي حقق المفاجأة تلو الاخرى وكتب صفحة جديدة في تاريخ المونديال ببلوغه المربع الذهبي، كأول فريق افريقي وعربي يحقق هذا الانجاز، كما تفاعل مع جمهور مغربي حقق حضورا مميزا ورائعا وعرف بالشعب المغربي وثقافته وتقاليده بأحسن الطرق وارقاها، وتفاعل أيضا مع هذا التماهي غير المسبوق للجماهير العربية والافريقية والمسلمة واليهود المغاربة مع المنتخب المغربي الذي وحد الجميع خلفه وأفرح الجميع بما أنجزه…
وفضلا عن ذلك، فقد تفاجا العالم اجمع بكون ملحن ألبوم اغاني المونديال، وهذه أول مرة يصدر فيها ألبوم كامل، هو ريد وان المغربي، المستشار الفني للفيفا حاليا والملحن ذي الصيت العالمي، وتفاجأ كذلك بكون الامن المغربي قد كلف من دولة قطر الشقيقة بأدوار مهمة في تنظيم وتأمين فعاليات المونديال والمنتخبات المشاركة فيه وغير ذلك..
فاذا كان القطريون قد نجحوا نجاحا مبهرا في الترويج لقطر في العالم بتنظيم مونديال استثنائي وغير قابل للنسيان على مدى اجيال، فان المغاربة ايضا قد نجحوا في الترويج للمغرب بشكل غير مسبوق خلال المونديال القطري، بل وبشكل تجاوز توقعات اكثر المتفائلين، و جعلوا “علامة المغرب” Morocco label تصل الى اقاصي العالم وادانيه بأجمل صورة وطريقة، و اكسبوه احتراما وتقديرا عالميا لدى فئات مختلفة من الناس وليس فقط لدى الفئة الواسعة من عشاق كرة القدم، ولهذا الامر أهمية قصوى حالية ومستقبلية تتخطى دائرة الكرة ونتائج مقابلات المونديال، على أهميتها، إذ المفروض أن تترتب على رواج علامة المغرب عالميا على هذا النحو، خصوصا إذا تم تدبير المكاسب المحققة بعقلانية وذكاء وأسندت الأمور إلى من يمتلكون إرادة ووطنية شبيهتين بإرادة ووطنية لاعبي الفريق الوطني و يخدمون بالنية والنزاهة والاستقامة، والكلمات مترادفات في العمق، يمكن ان تترتب عليه نتائج ايجابية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا من شانها ان تساهم بدورها في جعل المغرب يرتقي في سلم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية وبلوغ مراتب أولى عالميا وبشكل يحسن المستوى المعيشة العام و يجعل علامة المغرب اكثر بروزا ضمن العلامات الوطنية الاخرى في عالم قائم على المنافسة على كل المستويات، ومن ضمنها مستوى الصورة والسمعة والاشعاع.
ان مسالة الترويج للأوطان هذه، او ما يعرف ب”Nation Branding”، وهو مصطلح ابتدعه سيمون انهولت سنة 1996 في بداية الموجات الجديدة للعولمة، تكتسي اهمية قصوى اليوم بالنسبة لكل دولة عاقلة، أما الهبال فمرفوع عنهم القلم، لان غاية هذا الترويج تتمثل في جلب المنافع المختلفة (سياحة، استثمار، اسواق، الترويج لعلامات وطنية على اوسع نطاق….)، و تحسين الحضور السياسي والديبلوماسي في الساحة الدولية والقارية والاقليمية وربط الشراكات وتطوير العلاقات، و لذلك، فانه يوجد في صدارة التحرك الديبلوماسي الذي يولي، عندما تكون الامور مضبوطة وموزونة بميزان الذهب و تكون الموارد البشرية مؤهلة و عملها يحظى بتقييم موضوعي، يولي اهمية خاصة لما يعرف بالتواصل العالمي International Communication و يعد له العدة ويعمل على تكييفه مع المستجدات والتغيرات بدون تاخير مدفوعا بارادة تحقيق الفعالية والنجاعة. وإذا كان دور الدولة أساسيا في الترويج لوطن، فان الدولة وحدها غير كافية، وهذا ما يستدعي تحرك المجتمع المدني وأيضا شبكات من قبيل المغاربة المقيمين في الخارج وأصدقاء المغرب، وهذا موضوع يستحق تسليط الضوء عليه يشكل خاص.
ويمكن القول بموضوعية إن الدولة اشتغلت على مسالة الترويج للمغرب هذه منذ مدة بعقلانية، حيث اعد المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية دراسة قيمة حول الموضوع وضعت منظورا استراتيجيا له راهنيته، و هناك نتائج محققة قبل المونديال سواء فيما يتعلق بالدود عن وحدتنا الترابية أو في تحسين وضعنا الدولي والقاري أو في اكتساب بلادنا كوطن وشعب وثقافة ومؤسسات وغيرها للاحترام لدى الدول والشعوب أو جلب الاستثمار أو تطوير التجارة الخارجية…الخ، لكن ما تحقق بمناسبة مونديال قطر، الذي صادف انعقاد القمة الامريكية الافريقية باستبعاد كراكيز عسكر الجزائر وحمل الرئيس بايدن لقميص المنتخب الوطني امام الكاميرات، يستدعي رفع سقف الطموح و تكثيف العمل كي تتمكن بلادنا من جني كل الفوائد الممكنة من حملة الترويج الاستثنائية التي قام بها الركراكي ووليداتو لعلامة المغرب التي نالت الاعجاب و جلبت التقدير والمحبة و أبرزت صورة مغرب يتوق إلى أن يكون بين الاوائل ولا شيء غير الاوائل بإرادة جماعية وتضامن وطني وعقلانية، وهو الصورة التي يجب أن تترسخ في الداخل وفي العالم بشكل لا رجعة فيه.