صورة المرأة في الإعلام ..الخلل والرهانات

بقلم: سعيدة بودغية الأزرق*
هذه المداخلة، سبق أن قدمتها الإعلامية المغربية سعيدة بودريقة الأزرق، في المؤتمر الدولي الثاني لدور القيادات العربية والافريقية في نشر السلام، الذي أقيم بمراكش في شتنبر المنصرم 2022، تحت شعار: “هي صانعة السلام“..
صورة المرأة في الإعلام:
غالبا كلما انساق الحديث عن صورة المرأة في الإعلام، يتبادر الى الذهن ان المقصود يتعلق بعدد المهنيات اللواتي يطالعوننا على شاشة التلفزيون في الإعلانات، أو كإعلاميات وممثلات لأدوار الدراما، أو صحافيات يزاولن عملهم في مؤسسات الإعلام المتعددة.
الحقيقة أنه من ناحية العدد، وعلى المستوى الدولي فعلا، أن النساء المشتغلات في الحقل الإعلامي، وحتى اللواتي يدرسن الإعلام، يفوق عددهم عدد الرجال بكثير، فهن يشكلن ما يقرب من %70 والرجال فقط %30
لكن ومع العدد الكبير للنساء في مهنة الإعلام نتساءل؟ هل تحسنت صورة المرأة في الإعلام؟ هل الإعلام منصف للمرأة؟ الجواب لا
أو لا، ليس بالمستوى المطلوب
فبالرغم من أن صحوة النساء بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي، بعد أن خرجن الى الدراسة والتكوين وإلى العمل. ونهلن من منابع العلم ونافسن الرجال وفاقوهم أحيانا في مجلات متعددة، إلا أن الإعلام لا يواكب هذا التطور بنزاهة وموضوعية. ولا يتطرق لقضايا النساء بتحاليل عادلة ومنصفة ولا ينتج محتويات لامعة عن نجاحات النساء. وهذا لا يحصل في عالمنا العربي والإسلامي فقط، بل أيضا في الغرب، مع التلميح بأن الغرب متقدم أكثر عن الشرق. لأنه منذ تسعينات القرن الماضي بدأ العديد من النساء الخبيرات المتخصصات في قضايا النوع الاجتماعي يلاحظن كيف أن الذكورية وعدم المساواة تطبق أيضًا في الصحافة والإعلام وأن هناك تقصير في حق المرأة على المستوى الإعلامي، وخلصن إلى أن عدم دمج منظور النوع الاجتماعي في الخطاب واللغة والصورة وفي التعامل مع قضايا المرأة بشكل عام هما الخلل الرئيسي.
وكما هو معروف فالمنظور الجنساني أو مقاربة النوع الاجتماعي أو الجندر باللغة الإنكليزية، هو مفهوم انتشر في سبعينات القرن الماضي في أمريكا الجنوبية بالضبط في مكسيكو وسعى إلى إظهار، أن الاختلافات بين النساء والرجال ليست فقط، الاختلافات البيولوجية، وانما هي أيضًا اختلافات ثقافية واجتماعية التي حددتها المجتمعات للنساء والرجال.
والجندر هو عبارة عن تحاليل واستقراءات تدمج المنهجيات الهادفة إلى دراسة التركيبات الثقافية والاجتماعية الخاصة بالمرأة والرجل، للوصول إلى الفهم الدقيق والعميق لحياتهما والعلاقات القائمة بينهما، و يساعد على تسليط الضوء على حالات التمييز وعدم المساواة اللذان يسببان استبعاد النساء عن الالتحاق بركب التطور بتبرير خاطئ مبني على الفرق البيولوجي.
بالتدريج تقدمت الدراسات والأبحاث عن هذه المنظومة ونتج عن ذلك تطوير محتويات مهمة للتربية والتنشئة الاجتماعية وتحسين العلاقة بين البشر، وساعد استعمالها نسبيا على التقليل من القوالب النمطية التي تسيئ للنساء، وعلى حل الاختلالات الكثيرة الموجودة بين المرأة والرجل، كما أن الجندر كمنظومة حددت الإجراءات التي يجب اتخاذها للتصرف بشأن العوامل الجنسانية وتهيئة الظروف للتغيير الذي يساهم في بناء المساواة بين الجنسين.
وحاليا وفي وقتنا الراهن، أصبح دمج منظور مقاربة النوع الاجتماعي في مختلف مجالات النشاط البشري ضرورة ملحة، و بدأ هذا ينعكس بشكل إيجابي على اوضاع النساء، إلا في الإعلام، فالنتائج ليست مرضية حتى يومنا هذا، لأن الجندر مازال غائب والذكورية لا تزال متجدرة في الحقل الإعلامي، وهذا يؤكد ما ذكرته في أول المقال أنه ليس كثرة النساء المزاولات لمهنة الإعلام من سيحسن صورة المرأة، بل هو دمج مقاربة النوع الاجتماعي في الإعلام هو الذي سيوصلنا إلى هذا التحسن، لأنه و للأسف كثير من النساء يكتبن بقلم ذكوري بامتياز.
فما هو الإعلام بمقاربة النوع؟ وماذا يقصد بتحسين صورة المرأة؟
يتعلق الأمر بأن تحظى كل مظاهر الاتصال المختلفة، بمعاملة متساوية ومحترمة بين النساء والرجال; اللغة المنطوقة والمكتوبة، يجب أن تكون خالية من القدح والإساءة للمرأة وتبخيس قيمتها.
الصور المرئية ضروري أن تحفظ للنساء كرامتهم، والتطرق لقضايا النساء خاصة في مواضيع العنف يجب أن تكون موضوعية عادلة ومنصفة، وبدون أحكام مسبقة. لأن الأحكام تصدر من رجال القانون وفي المحاكم – وليس من الإعلام.
يتعلق الأمر أيضا، بأن النساء في المساحات الإعلامية لا يتواجدون كالرجال بمعنى أنه لا يكتب عن المرأة، ولا تنشر اخبارها، ولا تناقش وتحلل قضاياها مثل ما يفعل مع الرجل.
المساحات السمعية / البصرية المكتوبة وايضا الإنترنت، يحتل الرجال الصفحات الأولى كالسياسة والاقتصاد والعلوم الخ. بينما النساء لهم فضاءات ضيقة – أقسام كقسم المرأة والمجتمع- قسم المرأة والجمال- التغذية الموضة وما الى ذلك.
وما يزيد في توسيع هذه الهوة، هو أن كل مؤسسات الإعلام الدولية مؤسسيها رجال
وغالبية مدراءها هم من الرجال- فالنساء في مراكز القرار في هذه المؤسسات يشكلون فقط %27 بينما الرجال يحتفظن بنسبة %73
بالنسبة لعالم الترفيه السينما مثلا، وهي من الوسائل الإعلامية الجد مؤثرة في المجتمعات، فنسبة المدراء من الرجال هي %79 والنساء %21
وفي صناعة الإعلانات، ٪74 من المديرين هم من الرجال، بينما ٪26 فقط من النساء. في حين أن ٪61 من المبدعين هم من الرجال و ٪39 من النساء.
هذه المعطيات تؤكد لنا ان ما توصل اليه نساء السبعينات، من عدم المساواة وغياب الجندر في الإعلام، لا يزال قائما حتى الآن، فالرجال هم من يضعون الخط التحرري و هم من يرسمون التوجهات العامة لدور الإعلام.
اذن كيف لنا أن نستمر في المضي قدما والعمل على تصحيح هذا الخل؟
لا بد لنا ان نعي ان الإعلام هو من يصنع الرأي العام، والرأي العام إما ان يكرر الأشكال النمطية أو يحاربها، لذا فالتكوين الأكاديمي هو ضرورة ملحة – من اللازم أن تدمج الجامعات ومدارس الصحافة، منظور الجندر في تكوين وتدريب الطالبات والطلبة وأن تشمل الدراسة قراءة
النصوص المكتوبة بمحتوى نسوي وأن تكون هناك نسبة أكبر من الأستاذات المتشبعات بقيم المساواة والجندر، لأنه و حتى الآن الكليات ومدارس الإعلام لم يدمجوا هذه المنظومة في مقرراتهم إلا بشكل خجول، و هذا يترتب عنه بأن يتخرج طلبة وطالبات الإعلام وهم يفتقرون للجندر، وفي الغالب غرف التحرير تكون غير مدربة عن الاشتغال بالمنظور الجنساني، والصحافي رجل كان او امرأة ان لم تكن له مرجعية او وجهة نظر في هذه المنظومة، فسوف يستمر في تكرار النموذج الذكوري وستسمر الصور النمطية وعدم المساواة في الإعلام.
علينا أن نعي أيضا، أن المساواة بين الرجل والمرأة على الصعيد العالمي، ما زالت قيد الإنشاء. فمنذ الإعلان الصادر عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995 المنعقد تحت شعار “العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام” والمنظمات النسائية على المستوى الدولي والإقليمي، والوطني يشتغلن لأجل تحقيق هذا الشعار وما زال الطريق طويلا.
وبما أنه لايزال الطريق طويلا، يجب أن ننضم إليه كلنا رجال ونساء، لأنه هو الذي سيؤدي الى كسب حق من الحقوق الإنسانية للمرأة، ألا وهي المساواة في الحقوق ومن بينهما الحق في إعلام موضوعي عادل ومنصف لقضاياها.
وفي الختام، أقول إن التقصير في حق المرأة من جانب الإعلام يؤكد لنا ان تقدمها وتطورها يفوق تطور الإعلام، هي و ما وصلت إليه من انجازات تسبقه بخطوات إلى الأمام، وهو لا يزال في مد وجزر.
وان النساء بكل تنوعاتها. صورتهم جد حسنة على كل الأصعدة، وما يجب أن يتحسن هي جودة الإعلام حين التطرق لقضاياهن، من أجل ذلك من الضروري أن نضاعف الحس النقدي والملاحظة الدقيقة عندنا جميعا، ومقارعة الإعلام الحجة بأخرى، ونحث عليه بصرامة أن يراعي الموضوعية والإنصاف لأجل حفظ الحقوق الإنسانية الشاملة للنساء.
وكمحترفين للإعلام، او مدافعين عن الحقوق الكونية للنساء، كنا رجال او نساء، لدينا مسؤولية اجتماعية ومهنية، وهي أن نعكس بأمانة و صدق واقعًا يتوافق مع الحياة اليومية، والمسار والأدوار المهنية والشخصية ليس للرجال فقط، بل أيضًا للنساء لأنهم يشكلون نصف الكرة الأرضية، فكيف نقصي نصف العالم.
*صحافية وباحثة في الإعلام ومقاربة النوع الاجتماعي