الموهبة ليست ترند… اسألوا سعاد العلوي!
من جلسة كبور إلى قلوب الجمهور... سعاد العلوي تستحق أكثر..

في المشهد الفني المغربي، تطفو على السطح أسماء كثيرة تتقاطع حولها الأضواء، لكن في الخلفية، هناك من يشتغل بصمت، بإتقان وصدق، دون ضجيج ولا بهرجة. من بين هؤلاء، تبرز سعاد العلوي، فنانة تمتلك من الموهبة ما يكفي لتحتل موقعًا متقدمًا في خارطة الدراما والكوميديا، لكنها للأسف لم تلقَ حظًا موازيًا لما تملكه من قدرات.
سعاد العلوي ليست ممن يبحثن عن الإثارة في وسائل التواصل، ولا ممن يلهثن وراء الشهرة بأي ثمن. اختارت أن تعبر عن نفسها عبر الشاشة، بلغة الأداء الصادق والتجسيد العميق. أدوارها الدرامية لطالما حملت حساسية خاصة، تلامس وجدان المتلقي، وتُظهر فهمًا عميقًا للشخصية التي تجسدها. ومع ذلك، لم تُمنح المكانة التي تستحقها، لا من حيث الانتشار ولا من حيث الاعتراف النقدي والإعلامي.
لكن التحول المفصلي في مسيرتها كان ظهورها اللافت في سلسلة كبور والحبيب إلى جانب الفنان حسن الفد. هذا العمل الذي يستند إلى رؤية فنية دقيقة ومتحررة من الكليشيهات، شكّل منصة حقيقية لاختبار قدرة الممثل على تقديم كوميديا ذكية وراقية. وفي هذا السياق، برزت سعاد العلوي كمفاجأة جميلة؛ أداؤها كان محسوبًا بعناية، خاليًا من المبالغة والصراخ، يفيض طبيعية وعمقًا. لم تبتلعها هيمنة الفد، ولم تكن مجرد دور ثانٍ، بل كانت شريكة في صياغة لحظة كوميدية ذكية، تعيد للكوميديا المغربية شيئًا من رقيها المفقود.
ولعل أبرز دليل على قوة حضورها، تلك اللقطة المتداولة على نطاق واسع في منصة “تيك توك”، من إحدى حلقات سلسلة كبور والحبيب. تظهر العلوي في جلسة مكاشفة مع كبور، حيث تؤدي دور صاحبة البيت الذي يقيم فيه بطلا السلسلة. تجلس منصتة بينما يتباهى كبور بعدد النساء اللواتي “خطبنه”، فيما تتفاعل هي بإيماءات وتعليقات ذكية، توحي بخبرتها وقدرتها على كشف كذبه دون أن تنطق بكثير من الكلام. نظراتها، صمتها المتواطئ، وتعليقها الخاطف كلها أدوات وظفتها ببراعة لتصنع لحظة كوميدية خالدة. لحظة تواطئ فذ مع سعاد وحسن الفذ. لقطة دخلت تاريخ الكوميديا المغربية، لا لأنها صاخبة، بل لأنها مدهشة في بساطتها وعمقها.
وراء هذا الاكتشاف، تقف بصيرة فنية يعرفها الجميع: حسن الفد، أو “نابروان الكوميديا المغربية الهادفة” كما يُلقب. فنان لا يجامل في اختياراته، ولا يترك للصدفة مكانًا في أعماله. يراهن على الموهبة الخالصة، ويؤمن بأهمية الأداء النظيف في التعبير الكوميدي. واختياره لسعاد العلوي لم يكن عبثًا، بل تجسيدًا لرؤيته التي تنتصر دومًا للفن الحقيقي.
وما يزيد من جماهيرية سعاد العلوي تحبها الكامير، شكلها مقبول وقريب من المرأة المغربية العادية؛ ليست مصطنعة ولا متكلفة، بل تتماهى مع نساء بلدها في ملامحهن وتعابير فرحهن وحزنهن، وحتى في طريقة الكلام ونبرة الصوت. تتحدث بلكنتها الدكالية “الكازاوية” العفوية دون تصنّع، ما يضفي على أدائها صدقًا إضافيًا، ويجعلها محبوبة لدى جمهور واسع يرى فيها صورة حقيقية لامرأة من عمق المجتمع.
اليوم، ورغم غياب الإنصاف الكامل، تبقى سعاد العلوي واحدة من تلك الطاقات التي تُراهن على المدى البعيد. الموهبة الحقيقية لا تُمحى، حتى وإن خذلها الإعلام، وحتى وإن تجاهلتها الجوائز. ما يبقى في النهاية هو الأثر، والبصمة، والقدرة على لمس الناس دون أن تضطر للصراخ ورفع الصوت.
سعاد العلوي لا تحتاج إلى ضجيج؛ كل ما تحتاجه هو أعمال تليق بموهبتها، وفرص تعيد ترتيب العدالة داخل الحقل الفني. إلى ذلك الحين، ستبقى إحدى وجوه الشاشة المغربية التي تستحق التقدير والاحتفاء، لا لأنها تطلبه، بل لأنها ببساطة تستحقه.