
بسمة نسائية/ أصواتهن
- بقلم: زكية حادوش
أكتب هذه الرسالة وأنا ما زلت أتابع باستغراب ردود فعل “العالم الإسلامي” على وفاة السيد حسن نصر الله ومن معه من قياديي حزب الله اللبناني، بتلك الطريقة الهمجية والخارجة عن كل القوانين والأعراف البشرية. فبغض النظر عن ردود فعل “الأعداء”، من صهيونيين ومن معهم المشاركين في جرائم الحرب تلك، التي تراوحت بين “الفرح” “والفرح الشديد”، طلعت علينا عبر وسائل اللا تواصل الاجتماعي، ردود فعل من بين ظهراننا لأشخاص يدَّعون العلم والعلم عند الله!
من غير المعقول أن يتشفى أي “إنسان” في موت إنسان آخر، ومن غير المقبول أن يشمت مسلم ويبتهج ابتهاج “الجاهلية الأولى” لمقتل مسلم آخر. فكيف إن كان هذا المسلم ممن نصبوا أنفسهم “دعاة” و”شيوخا” علينا باسم الدين الإسلامي؟
صحيح أن الرجال والنساء يظهر معدنهم الحقيقي في الشدائد، والإناء لا يرشح سوى بما فيه. فلا تستغربوا إن شاهدتم كما رأيت بأم عيني “شيخين” ولن أذكر اسميهما، ليس خوفا منهما فالخشية من الله وحده لكن حتى لا أزيد “المشاهدات” وبالتالي “الأدسنس” لحسابهما، “يمخضان” و”يصرخان” من شدة الابتهاج لوفاة حسن نصر الله، ويكيلان له السباب، بل ويكفِّرانه ويلعنانه وهو جثة لم تبرد بعد تحت الأنقاض!
صحيح أيضا أن “السفهاء” لا يراعون المناسبة والمناسبة شرط على حد قول الفقهاء، ومن شيمهم التخوين والتكفير وصب الزيت على النار لإيقاظ الفتنة “النائمة”. وكما عهدناهم، كبوق لأولياء نعمتهم، يكذبون على الأحياء فكيف بالأموات؟ وينافقون ويجيشون العامة ضد مصالح أمتنا خدمة لأسيادهم، من تجار الدين والسلاح والدمار على اختلاف عقائدهم.
لكن، يجب أن ندرك وأن يدركوا بدورهم أن التخوين والتكفير سلاح ضعفاء الإيمان والنفوس وقليلي الحجة والحياء. لست شيعية (وهذا من حقي ولا يعني أن من هو شيعي أقل مني إيمانا ولا أصلح مني عقيدة)، لكن من العيب والعار أن يدعي أحد أن حسن نصر الله سب عائشة والصحابة، فهذا تضليل وافتراء على الرجل وعلى مذهبه، فالفيديوهات التي يستشهدون بها غير موجودة أصلا، وقد سمعوا فقط من “شيوخ اليوتيوب” الذين سمعوا بدورهم عن “شيوخهم” في دورة “عنعنة” لا تحيل على أي مصدر لهذا الكلام. كل ما شاهدت هو نصر الله الذي ينفي هذا القول في لقاء إعلامي ويصرح بأن سب زوجة وصحابة رسول الله حرام.
أعرف أنه حتى إن واجهنا “العالم” معلم السباحة وزميله “دارس الاقتصاد” بالفيديو المذكور، سيقولان “مخرجين أعينهما” إن الشيعة يمارسون “التقية” ويعلنون ما لا يضمرون اتقاء لشر أعدائهم. وهي نفس “التقية” التي يمارسانها ولا يجاهران بالأجندة التي يخدمانها ولصالح من يوقظان، وغيرهما، الفتنة في هذه البلاد السعيدة. والأهم، ماذا يريدان منا كمتلقين؟
هل نمشي وراء مشاعرنا الدينية المذهبية ونحمل السلاح على غيرنا من مذاهب أخرى؟ هل ننساق وراء أهوائنا ونعيد كتابة التاريخ؟ حتى نعود إلى “حادثة الإفك” وموقعة “الجمل” في زمن لا يعرف فيه معنى “الخلاء” لأن الحمام موجود داخل البيوت والحمد لله، وفي وقت لا نرى فيه الجمال إلا سياحا؟ ثم نعرج على “صفين” وواقعة “التحكيم” الشهيرة التي نجمت عنها كل هذه “الفتنة” التاريخية الممتدة إلى اليوم؟
هل سنعيد كتابة تاريخ “دموي” يشبه التاريخ الدموي لكل شعوب الدنيا، وننبش القبور، فيما أجدادنا المغاربة لم يشهدوا لا “صفين” ولا غيرها من معارك بداية “الدولة الإسلامية الكبرى”؟ هل سنقاتل “الفرس” ونفتح “القسطنطينية” من جديد؟
ما شأننا نحن؟ “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم” (صدق الله العظيم)، وهل سنكون أكثر قربا من الرسول (ص) من علي بن أبي طالب والحسن والحسين من جهة، ومن عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام…من جهة ثانية؟ هل سنكون أكثر حرصا على عائشة من أخيها محمد بن أبي بكر الذي قاتل إلى جانب علي ضدها في موقعة الجمل؟
ثم، هل سنحمل المصاحف مثل جيش معاوية على أسنة الرماح بعد سقوط آلاف الضحايا المسلمين من كلا الجانبين، ليدعو علياًّ إلى الاحتكام إلى القرآن، حقنا للدماء؟ إن اقتضى الأمر، سنفعل ذلك وندعو الجميع إلى الاحتكام لحكم الله، وندعوكما وأمثالكما إلى الله. كفى، اتقوا خالقكم في خلقه! فكل هذه التقسيمات الحدودية والعرقية والمذهبية ليست سوى من مخلفات الاستعمار، أيا كان نوعه، ولولاه ما وجدنا أنفسنا نتقاتل مع الجيران ونحقد على إخواننا في الملة وفي الإنسانية، ولا على قوم في أقاصي الأرض لا نعرفهم ولا يعرفوننا، لمصلحة من؟
طبعا لمصلحة من تعبدان أنتما وكل “الفتَّانين” مثلكما، الدولار والبترو دولار والدرهم والأدسنس، وكل العملات العينية والافتراضية، لمصلحة الصهاينة والمتصهينين ومجرمي الحرب والمتاجرين في مآسي البشر الذين يجرون الإنسانية جمعاء إلى انتحار جماعي، بعد تدمير حضارات تمتد إلى سيدنا نوح وبعد أن دكوا الأرض دكا وأبادوا شعوبا وقبائل، ودنسوا المقدسات واستباحوا المحرمات وقضوا على القيم الإنسانية وحتى الحيوانية!
أما لمعلم السباحة الذي تحول إلى “داعية” محترف بقدرة قادر، أوجه رسالة صغيرة في سياق إعادة الزمن إلى الوراء: لو ظللت معلم سباحة لأنقذت الأرواح العزيزة عند الله أفضل من أن تضل عباد الله. ولزميله الذي ترك الأرقام ليخطب في الناس: لو بقيت في حرفتك الأولى لكنت أفيد للوطن. ولمن نُصبوا “قيمين على الشأن الديني” في هذا البلد: هل زعزعة عقيدة مسلم (واحد) أولى وأهم من زعزعة استقرار البلاد والعباد؟
كل ما أتمناه أن يكون “أشباه العلماء” هؤلاء يعملون في خدمة جهة داخلية وليس عملاء لجهات خارجية، وهذا ليسا تخوينا بل مجرد أمنية حتى لا يختلط الحابل بالنابل، ونجد أنفسنا في خضم معركة لا نميز فيها العدو من الحليف. ألا لعنة الله على “الشيخ غوغل” وبركاته «الأدسنسية” (نسبة إلى الأدسنس AdSense)!
بينما كانت حركة الجهاد “حماس” السنية تتلقى الدعم من “حزب الله” المقاوم الشيعي في معركة “غزة”، ظل هؤلاء المتقاعسون، المحسوبون ظلما وعدوانا علينا كمغاربة وعلى أهل السنة والجماعة، يتفرجون أو يقولون “المغرب قبل فلسطين”، ولم نسمع منهم سوى كلمات رنانة جوفاء تعود إلى عهد الصليبيين. لذا، علينا أن نسائلهم لأنهم، رغم جبنهم في المواقف الكبرى، يجرؤون على سب ولعن الشهداء، وبالأخص من أسقط جيش الاحتلال الصهيوني عليهم 85 قنبلة خارقة للتحصينات، تزن كل واحدة منها طنا، بينما لن يخسر على وجوههم “القاسحة”، بالتأكيد، ولو صفعة.
شخصيا، أرى أن حتى المحاسبة فيهم خسارة، والأجدر أن نحذو حذو ذلك الشرطي الإنجليزي الذي استقبل في مخفره رجلين مسلمين بتهمة تبادل الضرب والجرح، ولما سألهما عن السبب صدر عنهما العجب: واحد ينتصر “لعائشة” والثاني يناصر “عليا”. لما أخبراه بهوية هاتين الشخصيتين وتاريخ وفاتهما، أمر بإيداع المتعاركين مستشفى الأمراض العقلية، و”كفى المؤمنين شر القتال”، والسلام.
رسالة للسيد حسن نصر الله حيث يرقد: رحمك الله برحمته الواسعة، لا عليك إن فرح السفهاء منا لموتك، فالتاريخ بيننا وعند الله تلتقي الخصوم!