بسمة نسائية/ أصواتهن
بقلم: زكية حادوش
رسالتي هذه تأخرت أسبوعا عن موعدها، وهي موجهة لكل المصدومين من اغتيال الشهيد الفلسطيني إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة حماس…رسالة موجهة لكل المستغربين لقيام الكيان الذي لا يحبذون ذكر اسمه بعملية داخل إيران لقتل الزعيم إسماعيل هنية ومعه حارسه الشخصي… رسالة بالبريد المستعجل لمن لا يزالون غير مصدقين لهدف وزمكان وحيثيات وملابسات هذه الجريمة الكاملة الأركان.
من حقكم أن تصدموا وتستغربوا وتتعجبوا كيف قامت “إسرائيل” بفعلتها مع سبق الإصرار والترصد، كيف قصفت (نعم قصفت ولم تطلق النار عليه) مسؤولا سياسيا فلسطينيا، من رموز المقاومة والجهاد ضد الاحتلال، على تراب دولة “الفرس” التي لها سيادة قائمة بذاتها منذ آلاف السنين، وفي مناسبة سيادية هي تنصيب الرئيس الجديد للدولة، مستعملة في ذلك أقذر وسائل الاستخبار وعتاد الحرب وعدته، بينما الشهيد ومن معه من ضمن رجال ونساء الدول والمدنيين العزل الذين حلوا ضيوفا على إيران وقتئذ.
من واجبكم أن تستنكروا وتضربوا الأخماس بالأسداس وتولولوا من هول الصدمة، وتنددوا بأعلى أصواتكم بهذا الفعل الأرعن، بل بهذه الجريمة النكراء التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء ويهتز لها عرش الرحمن!
لكن، دعوني أسألكم سؤالا بسيطا: هل من المعقول أن تصدموا؟ شخصيا، وهنا لا أمثل سوى نفسي، أعترف أني لم أصدم، ولا صدمة كبرى، ولا صغرى ولا متوسطة!
لم أصدم لأن ذلك الكيان معروف، منذ قيامه على أرض ليست له، بمروقه، معروف باستعماله أساليب إجرامية منذ رسو أول سفينة محملة بعصابات إرهابية مسلحة على تلك الأرض المقدسة لدى الديانة التوحيدية جميعها. لم يعد ذلك العدو يصدمنا بأي فعل يأتيه، هو من اغتال زعماء المقاومة واحدا تلو الآخر فوق تراب دول ذات سيادة، على جميع القارات؛ هو من قام بترحيل مواطنين أبرياء من أرضهم بقوة السلاح والنصب على القانون الدولي؛ هو من ارتكب مجازر يعجز اللسان عن وصفها في حق المدنيين العزل، رجالا ونساء، رضعا وأطفالا وشيوخا، سواء على أرضهم المغتصبة والمحاصرة أو داخل مخيمات اللاجئين الخاضعين (يا حسرة!) لحماية ما يسمى بالأمم المتحدة في الدول المجاورة. هنا أحيل حديثي السن منكم على مجازر مثل دير ياسين وصبرا وشاتيلا، وعلى شهداء حركة فتح وجبهة التحرير وغيرهم الذين تمت تصفيتهم على أراضي أجنبية أو حتى على أرضهم، خصوصا بعد “اتفاقية الدولتين”.
من تحصيل الحاصل القول إن آخر هم الاحتلال الصهيوني هو احترام الأعراف والقوانين الدولية. فأول شيء يخرقه هي حقوق الأفراد والجماعات والقوانين المعترف بها كونيا، بدءا بقيام الكيان على أسس عرقية تمييزية عنصرية، مرورا بالعدوان على الدول المجاورة أو الحليفة لها طيلة عقود على حين غفلة لأن “مارق” الشرق الأوسط يعتبر نفسه في حرب دائمة مع كل المحيطين به وحتى مع المنتظم الدولي إذا أدان جرائمه أو لم يتواطأ معه في عدوانه؛ وصولا إلى استمرار انتهاك الاتفاقيات التي وقع هو نفسها عليها، مع سبق الإصرار والترصد، مثل اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بضمان حماية الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كيف لهذا العنصر الدخيل، تاريخيا وسياسيا ودبلوماسيا، على المنظومة القيمية والقانونية الدولية، بقوة السلاح والمكر السياسوي والتسويق الدعائي البشع لدور الضحية، أن يحترم أي عرف أو أي قانون من تلك الأعراف والقوانين؟ كيف وتأسيسه كان انتهاكا واستمراريته خرق وأفعاله السابقة والآنية كلها انتهاكات وخروقات؟ كيف يمنع نفسه من التمادي في اغتصاب الأرض وإبادة البشر ومن الانتقام على طريقة الخارجين عن القانون ومن ممارسة أفعال إجرامية تمليها إيديولوجية إرهابية حاكمة لا فرق فيها بين يمين ويسار وما بينهما؟
من الصعب على السيكوباتي والسوسيوباتي التحكم في نفسه، وبالأخص حين يلقى الدعم الفعلي من حلفاء مصلحيين أقوياء أو يقابل سلوكه الشنيع بصدمة أو برد فعل لا يتناسب مع جرمه. إن قتل الشهيد إسماعيل هنية في إيران ليس جريمة كاملة الأركان فقط، بل هو إعلان حرب صريح لكيان (وليس دولة) خارج عن القانون تقوده عصابة إرهابية لا تتوانى عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتفتخر بسيطرتها على شعب باسم خرافات تعود إلى عهد سيدنا آدم، وبسموها فوق كل المعايير الإنسانية باحتقارها لكل الأعراف والقوانين التي تشكل قاعدة متوافق حولها من طرف كل دولة دولة على كوكبنا سواء وقت السلم أو الحرب.
بعد كل هذا، لا أرى أن الكيان الصهيوني ما زال قادرا على صدمنا، إذ يجب أن نتوقع منه أي شيء وكل شيء. فهو ماض في تحقيق نبوءة كتاب “إيشعيا” المزعومة، ولا يهمه كم من حروب “جبناء” سيخوض ولا عدد الأرواح التي ستلتحق بالرفيق الأعلى! أما نحن، فحتى إن صدم بعضنا، علينا أن نستفيق من الصدمة ونبدأ بالكنس أمام باب بيتنا “على عين العديان” المتصهينين!
ختاما، أسكن الله “أبا العبد” الفردوس الأعلى وألحقنا الله به وبقافلة الشهداء، ولو من باب الصبر والصدق وجهاد النفس، آمين!.