اخبار بسمةالسلايدرمنبر بسمة نسائية

أمل هنية…لن تلبس السواد

حديث الاربعاء

بسمة نسائية/ منبر بسمة

بقلم: عبد الرفيع حمضي

في أول أيام عيد الفطر، كان حازم وأمير ومحمد برفقة أطفالهم الصغار يباركون العيد لمعارفهم وينتقلون على مثن سيارتهم بين ما تبقى من بيوت أهاليهم المهدمة.

كان الجميع بلباس العيد، والصغار يملأون السيارة فرحا وهم في الطريق، لزيارة أقرباء لهم في مخيم الشاطئ للاجئين، غرب قطاع غزة. أطل عليهم “هذا نتنياهو الحقير من داخل الهيليكوبتر ودمر مركبتهم بصواريخ من صنع الأمريكان” (معذرة للشاعر عبد الله زريقة). فتطايرت أشلاء اجساد الصغار قبل الكبار، حينها ظهر أبو العبد على شاشة العالم وهو يتلقى الخبر الصاعقة مباشرة عن استشهاد أبنائه، معلقا بتماسك وهدوء وثبات هامسا “الله يسهل عليهم”.

ولعلني أتخيل في نفس هذه اللحظة السيدة أمل، أم محمد وحازم وامير وهي تستمع إلى فرقة العاشقين الفلسطينية وهي تردد أنشودتها الخالدة (شوارع المخيم) والتي يقول مطلعها: “لا تلبسي السواد أم المكارم.. فموته ميلاد والفجر قادم”.

وتعود بها الذاكرة إلى لحظة ميلادهم، الواحد تلو الآخر، فتتذكر ألم الولادة اللذيذ، الذي يقول عنه بعض الأطباء أنه يساوي ألم كسر أربعين عضمة في الجسم، وهي التي انجبت ثلاثة عشر مولود.

هي السيدة أمل نفسها، التي بعد مئة وعشرين يوما فقط، سيباغتها والعالم، الهاتف بخبر استشهاد زوجها وأب اولادها وجد أحفادها إسماعيل  بقذيفة اسرائيلية في فراشه، وفي ضيافة بلد عضو في الأمم المتحدة، وستسمع على الطرف الآخر من الهاتف عويل المسؤولين الإيرانيين وهم يلطمون وجوههم (كعزايات المآتم)، بعدما لم يستطيعوا حماية ضيفهم كالرجال الأشداء.

من غباء العدو الصهيوني انه بعد ثمانين سنة من الاحتلال، لم يستطع ولن يستطيع فهم وتفكيك هذه العلاقة الفريدة للفلسطينيين مع الشهادة من أجل فلسطين. وهي علاقة يتساوى في نسجها اليساري والليبرالي والقومي والإسلامي.

فقبل حماس كم قدمت فتح من قائد شهيد وكم قدمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهم من الفصائل. منذ الشهيد احمد موسى سلامة سنة 1965 الفتحوي مرورا بعلي حسن سلامة سنة 1979 وخليل الوزير ابو جهاد سنة 1988 بتونس، يوم دخلت فرقة قوات خاصة اسرائيلية واغتالته خلسة وفي جنح الظلام كما هي عادة اللصوص الجبناء.  وصلاح خلف ابو أياد سنة 1991 وأحمد ياسين سنة 2006. والان ابو العبد إسماعيل هنية واللائحة طويلة جدا ويقينا المعركة لازالت   مستمرة.

من غباء الكيان الصهيوني كذلك والحمد لله أنه لا يدري ان للموت طعم خاص في ثقافتنا الإسلامية فنحن امة لا نذكر موتانا في حياتنا اليومية إلا بالخير، فما بالك عندما يكون المتوفى شهيد فلسطيني! فهل يبقى لحماس وللإسلام السياسي أو غيرهما معنى؟ وهل تبقى للحدود بين العمل السياسي والمقاومة المسلحة دلالة؟..

بفلسطين الشعب الوحيد في العالم الذي أحدث يوم الشهيد ويحتفل به كل سنة منذ 1969 يوم السابع من يناير.

أهل فلسطين، بكل فصائلهم ومعهم السلطة الفلسطينية، انخرطوا في المنظومة الدولية بتشعباتها  وتحولاتها والياتها واعتبروا، أن المعركة مع الكيان الصهيوني سياسية خارج فلسطين لكن المقاومة بكل أشكالها  مستمرة في الداخل مادام الاحتلال متغطرس  ومتمادي في احتلاله.

لكن يبدو أن العدو الإسرائيلي باغتياله لإسماعيل هنية بطهران، والعالم يتابع أولمبياد باريس 2024، مُصِرُ على نقل المعركة لخارج فلسطين.

فهل من غباء نتنياهو أنه نسي أولمبياد ميونيخ 1972؟ عندما تم احتجاز أحد عشر فردا من النخبة الرياضية الاسرائيلية المشاركة في تلك الألعاب وذلك  للتفاوض على إطلاق سراح 236 من المعتقلين الفلسطينيين آنذاك في السجون الإسرائلية، لكن الغطرسة أدت إلى وفاة  11 رياضي إسرائيلي، مع المنفذين الخمس لهذه العملية.

هل العالم محتاج الان للعودة لأجواء السبعينات؟

وفي الأخير، أليس المواطن الاسرائيلي نفسه مسؤول على ما يجري وما يحدث منذ السابع  من اكتوبر وقبلها، وهو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لمحاسبة حكومته ومسؤوليه، على فساد مالي بسيط، أو انحراف إداري هامشي، بما فيهم وزيرهم الاول وهو يحاكم  أمام القضاء الان؟ ماذا فعل هؤلاء المواطنون والسياسيون والمثقفون والجمعويون والبرلمانيون  لمحاسبة نتنياهو وعصابته؟ وها هو عدد الشهداء قد بلغ الأربعين ألف جلهم نساء وأطفال؟

سيذكر التاريخ أن همجية إسرائيل مسؤولية المجتمع كذلك.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى