جورج واشنطن بسجن عكاشة..

بقلم: عبد الرفيع حمضي
بسمة نسائية/ منبر بسمة
باكرا، باستديو راديو لوكس بالدار البيضاء يوم الجمعة 9 فبراير، شاركت في برنامج خصص للحديث عن 20 سنة من عمل هيئة الإنصاف والمصالحة. وخصوصيتها المغربية، كتجربة للعدالة الانتقالية ولماذا اختار روادها، الحقيقة السياسية عوض الحقيقة القضائية؟ وايضا لتقديم جرد لحصيلتها وحصيلة عمل لجنة متابعة التوصيات سواء في مجال كشف الحقيقة أو العدالة أو جبر الضرر الفردي والجماعي أو في ضمان عدم التكرار أو حفظ الذاكرة. مع الاشارة انه لم يعهد لسلطة حكومية بهذه المتابعة بل للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أي المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره مؤسسة حقوقية عمومية مستقلة. وقد شكل هذا التكليف إضافة نوعية لتجربة العدالة الانتقالية في العالم.
وفي لحظة من مسار النقاش مباشرة عبر الأثير، سألني أحد المعلقين chroniqueurs بلغة فرنسية رفيعة، أليست بلدنا في حاجة بالضرورة إلى هيأة للعدالة الاقتصادية والاجتماعية والانصاف التنموي؟ بدل الانغماس في النقاش حول الماضي والسياسة والديمقراطية؟
ومما لا شك فيه انه تساؤل قديم جديد، حول ثنائية: من جهة الاقتصاد بفاعليه من رجال ونساء المقاولة والصناعة والمال ومن جهة اخرى السياسة بعمودها الفقري الأحزاب السياسية، مع ما تنتجه من مؤسسات تمثيلية للتدبير الديمقراطي، وطنيا، وجهويا ومحليا.
وهذا النقاش، بقدر ما اهتمّ به علماء السياسة في أكبر الجامعات الدولية بقدر ما تداوله رجل الشارع العادي في جلساته التقليدية الخاصة، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي. مع اختلاف الزوايا ومقاربة المعالجة.
ولعل ما أعاد النقاش حول الموضوع هو الأوضاع التي أصبحت تعيشها نخب الأحزاب السياسية من انفصام عن المجتمع، وكذلك من انحراف – له أسبابه الذاتية المتعلقة بالحزب نفسه وأسباب موضوعية بما فيها الأيادي الخفية في سياقها المغربي وليس تلك اليد الخفية التى تنظم سوق الأسعار التي تحدث عنها ادم سميث – حتى اصبح السؤال هنا قبل هناك .هل يمكن إقامة نظام ديمقراطي بدون احزاب سياسية؟
إذا كان هذا الامر يعيد إلى الأذهان ما تعرضت له الأحزاب السياسية هناك في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1796، على يد الرئيس الأمريكي جورج واشنطن من انتقادات لاذعة، فقط لكونها أتاحت الفرصة لرجال حسب قوله “مخادعين وطموحين وبلا مبادئ لتقويض سلطة الشعب”.
فإن هذا النقاش يجعلنا كذلك نعيش ونرى هنا والان وفي سنة 2024، نخبا حزبية سياسية تتساقط الواحد تلو الآخر قيادات وطنية وجهوية ومحلية، ممثلين للأمة بالبرلمان ويدبرون ويسيرون جماعات ترابية.
ماذا سيقول جورج واشنطن لهؤلاء لو زارهم بالسجن المحلي بعكاشة؟
هل سيذكرهم بان النظام الديمقراطي يحتاج إلى فصائل سياسية قوية ومنظمة وجديرة بالثقة؟ والثقة يصنعها رجال ونساء الأحزاب ولا تسقط من السماء؟، وهل سيعلمهم ان مخاطر الشعبوية، تكمن في محاولة التفاف البعض على الأحزاب السياسية ومخاطبة الشعب مباشرة مما سيشيع الفوضى على حد تعبير
نانسي روزينبلوم، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد.
هذا في الوقت الذي ادرج دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الاختيار الديمقراطي ضمن الثوابت الجامعة للامة، بجانب الدين الإسلامي والوحدة الوطنية المتعددة الروافد والملكية الدستورية مع تحصين هذا الاختيار الديمقراطي بمقتضى الفصل 175 من كل مراجعة دستورية محتملة.
إذا كان هذا هو الحال الذي أصبحت عليه السياسة في بلادنا فإنه مع الأسف، ما يعمق الخلل هو ان جل المتابعين هم كذالك رجال أعمال اصحاب شركات مقاولون.
وإذا كانت الاحزاب المستقلة والجادة والحاملة لمشروع مجتمعي واضح، هي قطب الرحى للديمقراطية فان المقاولة هي المنتج الاول للثروة الوطنية والناتج الداخلي الخام الفردي والقومي وللشغل كذلك، وهما معا جنبا إلى جنب ضروريا لكل تنمية انية او مستدامة.
وبالتالي فلا مكان لسؤال تراتبية الوجود هل الدجاجة او البيضة؟.
وفي الأخير فبقينا ان هذا الواقع الرمادي يبعد المواطن عن الشأن العام وعن الفعل المنظم. وبالتالي لا يمكن لبلادنا ان تواجه المحطات المقبلة ونخبتها السياسية والاقتصادية والإدارية لا تزعجها الدرجة 97 التي صنفتها فيها منظمة transparency