كم هو دافئ هذا الحضن المسمى “كتابة”
بقلم: إكرام عبدي
بسمة نسائية/ أصواتهن
كم هو دافئ هذا الحضن المسمى كتابة؛ كم هو معطاء ودود، أبي وشامخ، يمنحني وطنا حرا، يمنحني وهج اللحظة، البهجة، ولا ينتظر مقابلا أو هبات سلطانية، اللهم صدقا وكلمة “تخرج من القلب وتقع في القلب” (الجاحظ). يحتويني هذا الحضن، يلملم شغبي، جنوني، فوضاي، مزاجيتي، يهدهدني فأستكين لدفئه، ينسج كينونتي الحقيقية، يجعلني أخوض من جديد في “لعبة الوجود”، يسترق السمع لرنين اللاشعور ولوشوشات وذبذبات وعطور وأحلام تنسرب من بين شقوق الزمن، يمنحني السكينة، يجعلني في سفر دائم خارج مدارات الشائع والملموس والعياني.
باذخة هاته الامبراطورية المسماة “كتابة”، منحتني وطنا حرا أمارس فيه بوحي بعيدا عن أجهزة التنصت وعيون الرقابة، دون استجوابي أو السؤال عن هويتي، أو جنسي أو مدارسي أو تياراتي، احتوتني وكل ما تعرفه عني أني قادمة من زمن الصمت والعزلة و”العزلة تعني الموت أو الكتابة” حسب ماركريت ديراس، والكتابة كانت ذلك المعول لهدم كل عزلة استبدت بي، وبقوة الكلمة وقدسيتها نزعت من عزلتي كفن الموت وألبستها ثوب الحياة والنظارة والبهاء، وما أبحث عنه رحم ثان بالمعنى الفرويدي للكلمة، لأعيد فيه تشكيل ذاتي وتفكيري ومخيلتي، أبحث عن جسد آخر لأحلامي وهواجسي ومعاناتي غير هذا الجسد المنمط الذي صنعه لي الآخر، وما أنوي القيام به هو قهر هذا العالم وغزوه، طبعا ليس بالقنابل البشرية ولا بالغازات المسيلة للدموع، لكن بسلاح الخيال والإبداع والجمال…
قادمة من تخوم القلق والسؤال، ولا أبغي سوى أن أكثف من نعومة العالم وأعيد الماء والرونق لواقع عقيم طافح بكل معاني اليباس واليباب والقتامة. فساعدني يا إيروس ويا أدونيس ويا كل الآلهة على معاندة هذا القدر البيولوجي الذي يحاصرني، فأنا أنثى أمارس بوحي كأنثى ولا أستحيي من جسدي، ولي خصوصيتي، ولي بهائي ومقوماتي الجمالية، ولي لغة قد تشبهني أحيانا وقد تخالفني. فما تطمح إليه المرأة العربية الكاتبة هو كتابة متميزة مختلفة بعيدة عن كل تنقيص أو تحقير أو تهجين مقابل الآخر الرجل، بعيدا عن كل تصنيف أو تجزيء: “فالعقل العظيم لا يحمل نوعا، فإذا تم هذا الانصهار النوعي يغدو العقل في ذروة خصوبته ويشحد كافة طاقاته” (كوليدرج)؛ كتابة تحمل ملامح من أنوثتها ووهج وتوقد روحها وجذوة فكرها، وحين ينجلي لكم بعض من هذا التفوق احذروا أن تسحبوا من تحت أقدامها سجادة الأنوثة ودسها في صف الرجال، أو الزعم بأن في كواليسها رجلا يملي وينقح (قضية سنية صالح وزوجها محمد الماغوط).
تكتب المرأة وتحلم بأن ترفع عقيرتها بالشكوى في فضاءات مكشوفة وفي واضحة النهار، وأن تستلهم حبيبا فعليا.