
الطبيعي هو أن تصنع الثروة الاجتماعية الثروة المادية وليس العكس..
بسمة نسائية/ منبر بسمة
خريبكة/ عزيزة حلاق
بقلم: الدكتور محمد سلومة*
يتناول د. سلومة في هذه المداخلة، دور الثروة الاجتماعية فى مواجهة التحديات والصعوبات والقضايا الوطنية المغربية من خلال ثلاث نماذج مختلفة زمنيا أحدهم من الماضى متمثل فى المسيرة الخضراء ونموذج حالى وهو محنة زلزال الحوز ثم نموذج مستقبلي وهو تنظيم كأس العالم.
تقديم:
في الجزء الثاني من الندوات التي وعدنا قراء “بسمة نسائية”بنشرها والتي نظمت ضمن فعاليات الدورة السابعة لملتقى الثقافة العربية بخريبكة. نخصص حصة اليوم، لمداخلة الدكتور محمد سلومة (مصري مقيم بالمغرب) وهو أستاذ خبير تنمية وتطوير أفراد ومؤسسات، ومدير مركز الكوتشينغ ( التدريب) بمراكش. المداخلة بعنوان” دور الثروة الاجتماعية فى الدبلوماسية الموازية والدفاع عن القضايا الوطنية”..
ونظرا لطول المداخلة، فقد حاولنا اختصارها في الورقة التالية:
تعتبر التحديات والمخاطر والمعوقات جزء أساسي من دورة حياة المجتمعات وهى ما تسمى بالقضايا الوطنية ويتوقف مصير ومستقبل أى مجتمع على كيفية تعامله ومدى قدرته على معالجة قضاياه الوطنية التى تنقسم الى داخلية وخارجية.
وتزداد وتتناقص طبقا لطبيعة تلك القضايا وطبيعة المرحلة التي يمر بها هذا المجتمع ومدى خطورة هذه التحديات والقضايا الوطنية وقدرتها على تهديد تماسك المجتمع وقد تصل لتهديدات لوجوده أو تفتيتها او إشعال الصراعات سواء الطبقية اوالعرقية او الدينية او حتى الجغرافيا …الخ.
ومفهوم المجتمع هو مجموعة من الأفراد والجماعات تعيش في موقع جغرافي واحد. وتربط بينها علاقات اجتماعية وثقافية ودينية وتفاهمات مترسخة ومتراكمة عبر تاريخ المجتمع ومتفق عليها تسمى (بالعرف المجتمعى) وهذه العلاقات والعرف المجتمعى التى تربط أفراد المجتمع ومؤسساته تسمى (بالثروة الإجتماعية ).
والثروة الاجتماعية هى عبارة عن قدرة الأفراد على العيش معا والعمل معا ورعاية بعضهم البعض كمنظومة متكاملة ومتكافلة يمكن تنظيمها فى شكل مؤسسات مجتمع مدني قادرة على حشد وتجييش غالبية أفراد المجتمع ووضع برامج واستراتيجيات ومعالجة الاختلالات لتصب النتائج فى رصيد ومخزون من الثروة الاجتماعية التي تعتبر مثل احتياط النقد الاجنبي، بل واكثر منه أهمية. لأن الثروة المادية تأتي من بعد كمحصلة للثروة الاجتماعية وبدون الثروة الاجتماعية سيكون هناك صراع يبدد ويطيح بالثروة المادية إن وجدت، نتيجة لظروف طبيعية طارئة لان الطبيعي هو أن تصنع الثروة الاجتماعية الثروة المادية وتجعلها بمأمن من المخاطر أما ان هبطت الثروة المادية بدون ثروة اجتماعية ففي الغالب ستكون عرضة لصراعات كصراع الورثة محدثي النعمة فتصبح نقمة بدل أن تكون نعمة لهذا المجتمع.
والثروة المجتمعية تزداد بالسلوك المجتمعي الإيجابي وجودة الأدوار المجتمعية كانتشار ثقافة التطوع والمشاركة الإيجابية والتمكين للفئات المهمشة والتكافل الاجتماعي وسلوك التطوع كلها مصادر أساسية وروافد تغذى الثروة الاجتماعية كما انها تتآكل وتتناقص بالسلوك المجتمعي السلبي و سوء الأدوار المجتمعية الظواهر المجتمعية السلبية كالرشوة والمحسوبية وانعدام العدالة تقلل من ثقة الأفراد والمؤسسات بعضهم ببعض كانتشار الفساد والمخدرات أو الظواهر والسلوكيات المجتمعية السلبية كالتسول والأنانية وحب الذات وعدم الإكثار للأخرين والصراعات بين الافراد او المؤسسات او الطبقات أو بين بعضهم وبعض ويمكن تشبيه الفارق بأنه الفارق بين كلمة الإنسانية وكلمة الانانية وهو فارق بسيط فى حرف لكنه فارق رهيب وكبير فى المعنى والمدلول وهو حرف السين والسين الذى يصنع هذا الفارق يعنى سلوك التطوع والذي يمكن اعتماده كمقياس حقيقي لا تخطئه العين ولا يخطئه الحسابات لقياس مدى ولاء الأفراد والمؤسسات والطبقات لهذا المجتمع. لان الولاء
سلوك وليس مشاعر وشعارات ولا سلوك يبرهن على هذا الولاء أفضل من سلوك التطوع الذي يترجم بصورة طبيعية لرصيد من الثروة الاجتماعية التي هي بالأساس ثروة لا مادية لكنها يمكن تحويلها لثروات مادية..
التحديات والقضايا الوطنية
التحديات والصعوبات والقضايا الوطنية لا تنتهى بل تختلف باختلاف المرحلة التاريخية. فالمجتمعات تمر كما يمر الانسان بمراحل عمرية مختلفة وتختلف مشاكله وتحدياته من مرحلة إلى أخرى لكنها لا تنتهي ابدأ كذلك المجتمعات تمر بمراحل التطور.
ونظرية تطور الحضارات لابن خلدون توضح ان عصور الرخاء المجتمعي تأتي برجال ذوي فكر سطحي وتافه، وهؤلاء الرجال تسببوا في عصور اضمحلال وشغف العيش والكوارث أواخر عصور الفراعنة ونهاية عهد الأندلس. ولكن، عصور الاضمحلال هذه تأتي برجال أشداء يولدون من رحم المعاناة ذوى فكر عميق ومبدع قوى فيصنع هؤلاء الرجال عصورا للرخاء وبداية عصور الرخاء تأتى من بعد معاناة وكوارث ومجاعات وتحديات عظيمة تبث الفكر المبدع والمتنور فى عقول الرجال رغم قسوة البيئة التي ولدوا وترعرعوا فيها ثم يأتي من بعد العسر يسر وهكذا كالعجلة والعصور المتوالية.
دور الثروة الاجتماعية فى مواجهة التحديات والصعوبات والقضايا الوطنية من خلال ثلاث نماذج مختلفة :
سوف نستعرض هنا، دور الثروة الاجتماعية فى مواجهة التحديات والصعوبات والقضايا الوطنية المغربية من خلال ثلاث نماذج مختلفة زمنيا أحدهم من الماضي متمثل في المسيرة الخضراء ونموذج حالي وهو محنة زلزال الحوز ثم نموذج مستقبلي وهو تنظيم كأس العالم بالمملكة المغربية.
المسيرة الخضراء كنموذج لدور الثروة الاجتماعية
تعتبر المسيرة الخضراء نموذج متكامل لدور الثروة الاجتماعية من حيث التخطيط بالأهداف والتقييم بالنتائج وتمثل بلورة الرؤية من القيادة متمثلة فى جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ثم عملية التخطيط الاستراتيجي المحكم والإبداعي ثم الاستجابة الشعبية التي تمثل علاقة العقل بالأعضاء وعلاقة الرأس بالجسد. فاستجابة الأعضاء والجسد للعقل والرأس تعكس علاقة الثقة التي لا تقبل أى شك، أن أوامر العقل لمصلحة الجسد والأعضاء وتلك العلاقات هي نواة الثروة الاجتماعية التي تزداد وتنقص وتختفي وتظهر وتستدعى وقت الحاجة لكنها دائما وابدأ موجودة وحاضرة وقت المحن والقضايا الوطنية لتكون
البديل الأفضل والآمن بين بدائل أكثر عنف أو تكلفة مادية او من الدماء.
وهذا أحد أهم فوائد الثروة الاجتماعية وهى حقن الدماء ولأن العرق فى التدريب يوفر الدم فى المعركة فالثروة الاجتماعية تغنى عن خوض صراعات عنيفة مكلفة وباهظة الثمن وهى القيمة الحقيقية والإبداعية فى المسيرة الخضراء.
فالمسيرة الخضراء كنموذج سابق متكامل للثروة الاجتماعية نبعت من رؤية القيادة ثم التلاحم الشعبي بالتطوع التي استطاعت توفير البديل عن حرب تحرير أي أن الثروة الاجتماعية قادرة على توفير الوقت والجهد والخسائر في الأرواح. وهي بذلك بديل دبلوماسي رسمي وشعبي. فهل المجتمع قادر على تكرار المسيرة الخضراء مرة أخرى؟
المسيرة الخضراء الثانية ( زلزال الحوز )؟
يعتبر زلزال الحوز مؤشر جديد يؤكد قدرة المغاربة وامتلاك المجتمع المغربي لثروة اجتماعية كبيرة وضخمة، ولكنها قد تحتاج لتطوير واستثمار وتوجيه لزيادة القدرة على حسم معظم التحديات التي تواجه المجتمع والدفاع عن القضايا الوطنية.
أنا أرى أن السلوك المجتمعي أثناء وفي أعقاب زلزال الحوز، يعتبر المسيرة الخضراء الجديدة نظرا للتضحيات الرائعة والتضامن والانسجام والتلاحم الرسمى والشعبي فى احتواء محنة زلزال الحوز أظهر قوة ومتانة اللحمة المجتمعية بدأ من اعلى الهرم
المجتمعي مرورا بباقى الطبقات ومدى ثقة المغاربة في ثروتهم الاجتماعية وكيف لا وعلى رأس هذه الثروة والثقة أميرالمؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه. ولشعار المملكة المغربية ( الله الوطن الملك ) دلالة لفظية راسخة وواضحة على مدى ثبات ومتانة هذه الثروة الاجتماعية بل إن شعار عاش الملك الذى يردده الجميع هو تعبير عن مدى
شعور الأفراد بأن جلالته هو مصدر ثروتهم الاجتماعية وسيفهم ودروعهم الفولاذية فى مواجهة أى محنة أو تحدى أو صعاب تواجههم كأفراد أو مجتمع .لأن الآلية الصحيحة للتعامل مع التحديات والقضايا الوطنية على اختلاف أنواعها تبدأ أولا، ببلورة واحتضان الثروة الاجتماعية أى مرحلة الحشد ومن بعد زيادتها وتطويرها ثم توجيهها فى خدمة الدفاع على القضايا الوطنية.
تنظيم كاس العالم التحدي المستقبلي المقبل:
تنظيم كاس العالم يحتاج إلى بلورة وتنمية ثروة اجتماعية خاصة تتناسب مع الحدث وهكذا كل مهمة أو تحدى مجتمعى، يحتاج إلى رصيد من الثروة الاجتماعية لتغطية المهمة المجتمعية كما قلنا من قبل فالأولوية القصوى الآن هي كم من الثروة الاجتماعية نحتاج فى المغرب لتغطية مهمة تنظيم كأس العالم بعد أن فزنا بشرف تنظيمه حتى ننهيه رابحين أضعاف مضاعفة من الثروة المجتمعية بعيدا عن حسابات الأرباح المادية لأن الغرض الأساسي والأسمى هو ربح مزيد من الثروة الاجتماعية. وهنا سنجد أن أهم عنصر من عناصر التنظيم هم المتطوعين والنجاح فى اختيارهم وإدارتهم وهو ما يثبت أن التطوع هو الثروة الاجتماعية. لأن الهدف الأسمى والأثمن هو استعراض عراقة وروعة وجمال المغرب أمام شعوب العالم.
هى المهمة والتحدي الأهم والأبقى والأفيد لأنه سيظهر رصيد مجتمعنا من الثروة الاجتماعية ستتحول من بعد لثروة مادية. والمغرب قادر بقيادته وأفراده ومؤسساته وحضارته وعراقته وتنوعه وتسامحه أن يكون كما عهده العالم دائما، يبدع
ويعطي أكثر مما توقع العالم منه وان مخزونه من الثروة الاجتماعية كافى ومستدام وقادر على أن يفعل ما يعتقده البعض مستحيل.
*دكتور محمد سلومة خبير تطوير الأفراد والمؤسسات