اخبار بسمةالسلايدرممنوع على النسا

لكل هذا أخاطبك..

بقلم: ذ.حميد منسوم

محمد الحبيب طالب :

“ايقونة يسارية بامتلاء وطني واستقامة سياسية.”

بسمة نسائية/ ممنوع على النسا

صور: زليخة

وصلتني هذه الورقة، من الصديق جمال المكينسي، كتبها الأستاذ حميد منسوم بروح مفعمة بالمحبة والوفاء، لمعلم كبير وقائد فذ، يمر حاليا بمحنة صحية يأمل رفاقه ومحبوه أن يتعافى منها بسرعة ليعود إليهم كما عهدوه، شعلة نضالية لا تخبو…

*******************

(في حياتنا اناس يدخلون الى قلوبنا بدون استئذان فنغلق الابواب خلفهم حتى لا يخرجوا ابدا)

اخاطبك ايها الجالس على عرش قلبي, بعد ان وقعت لك شيك محبة دائمة على نصاعة فؤادي. اخاطبك ايها المعجون باللطف والمتدفق بالطيبوبة الى حد الشطط.

اخاطبك لأنك- وخلال جلساتنا- كنت تحضنني بقلبك قبل ذراعيك، شاهرا ابتسامتك بحبور طفولي يربو عن 70 سنة قيد الاشتعال. اخاطبك بحكم انتمائك لجيل ذهبي لا يتكرر، كان يستحم تحت شلال الرفض ويحلم بأصابع تلامس النجوم، ويرغب في تحويل العالم الى زر مبرمج على ارادته، انطلاقا من صدق نضالي وشغف وطني، رغم محصول الألم ورصيد الفواجع الذي خلفته تلك الملحمة المكتوبة بحبر انساني موجع.

اخاطبك -وقد شاخ جسدك دون ان تتجعد عقلانيتك – لأنني تعلمت في ورشتك ابجديات الواقعية السياسية حيث الطموحات لا تعلو فوق سقف الإمكانات والاكراهات. اخاطبك لان وعيك بثقل تأخرنا التاريخي، وايمانك بالفعل التراكمي جعلك تفكر بالم وتكتب بامل محولا احلامنا المجهضة او التي اجهضت الى مبادرات مستأنفة

مادامت السياسة – باعتبارها عشقا وطنيا- تحتاج إلى نفس ماراطوني.

اخاطبك لأنك علمتني كيف اكتب الوطن بالنجوم على سبورة الليل. وطن أريد له أن يكتب جزءا من سيرته الذاتية بحبر الفرص الضائعة. اخاطبك لان التسلح بالنقد الذاتي في عرفك لا يرادف لطم الخدود والعض على اطراف الاصابع او الدخول في طقوس النحيب الايديولوجي والسياسي، بل يعني الاسترشاد العملي بالقولة الذهبية ( لكي نخطو اماما، علينا أن نتخطى اوهاما).

اخاطبك لأنك كنت مثل مصل تلقيحي ضد الدوغمائيات الايديولوجية المصفحة، فأصبحت افهم ان قيمة فلسفة التنوير تكمن في رؤيتها للفرد باعتباره كيانا  يمور باستمرار ويتحرك باتجاه المستقبل عبر حركة تدرجية من السديم الى النور ومن الغريزة الى العقل ومن الضرورة إلى الحرية ومن الدولة ككيان لاهوتي الى الدولة ككيان تعاقدي.

اخاطبك لأنك نبهتني الى ان الحداثة في أحد تعريفاتها ليست سوى نمطا من الوقوف البريء خارج المعبد وليس هدما او تدنيسا له. وتأسيسا على ذلك كنت ضد علمانية راديكالية، تتغيى الاقتلاع الثقافي للدين. وانحزت إلى تقوى حداثية لا تبدو في مظهر المتدين بل في ضميره، لان المتدين الحداثي لا تغريه نعم الجنة ولا ترعبه اهوال جهنم بل يحكمه هاجس الصدق والامانة والتفاني في أداء الواجب.

اخاطبك- وانت لينيني الهوى – لأنك وضحت بأكثر من صيغة ان معركة الماركسية طبقية وليست دينية. ليست معركة بين مؤمنين وغير مؤمنين بل بين مستغلين ومستغلىين. انها ايديولوجية الطبقة المسحوقة وليست فلسفة الطبقة الملحدة. وبناءا عليه فهي لا تنافس الله في تدبير ورش السماء. ولكنها تتمسك بحقها في تدبير ورش  الصراع على الارض ضد كل أشكال الاستغلال.

اخاطبك لأنك تؤمن بان الذين نهضوا بعد سقوطهم لم يغيروا أقدامهم بل غيروا أفكارهم .ولذلك كنت تواقا وبشكل دؤوب لنهضة ثقافية تقوم على التخلص من التتلمذ البليد للغرب، والاطمئنان الكسول الى محاصيل الماضي المطمورة في مخازن التاريخ

اخاطبك لأنك تركيب كيميائي من عقل جدلي، وصدق وطني، ووجدان قومي، وافق كوني. مقالاتك المرجعية وتحليلاتك الفكرية والسياسية وافتتاحياتك الإعلامية تقدم وجبة دسمة من مرشدك الايديولوجي الياس مرقص والسياسي المفكر ياسين الحافظ مرورا بخريجي مدرسة اليسار القومي: محسن ابراهيم فواز طرابلسي ووضاح شرارة (مجلة بيروت المساء) وبلال الحسن (مجلة اليوم السابع) ولطفي الخولي قبل أن يغير معطفه (جريدة الاهالي).

اخاطبك في لجة عالم يموج بتحولات سريعة في ايقاعها، بطيئة في استيعابها وبعولمة متوحشة تسوق معها خطاب الموت والنهايات (موت السياسة والثقافة والتاريخ والايديولوجيا و…!!!!!) وأصبح البعض يلهج ضاجا بصوت (الخبير ) وهو ماكنت تعارضه تلميحا وتصريحا اعتبارا من ان (الخبير) قد يصلح ساعة يدوية ولكنه لن يصلح لحظة مفصلية او زمنا مصيريا.

اخاطبك لا نك خلصت مفهوم التوافق من كل حمولة قدحية او استخدام تكتيكي، وشحنت بطاريته بطاقة إيجابية ليغدو نهجا سياسيا تابتا في تدبير قضايانا المصيرية تفاديا لهدر الزمن في صراعات منهكة وغير منتجة قد تطيل امد وضعية الحجز والانحباس او تدخلنا في سيزيفية سياسية.

والان استاذي الفاضل، اتخيلك في صمتك الذهبي تتوسد خدك على راحة يدك وتسافر بذهنك وسط ادغال من اسئلة شائكة وممضة من قبيل: ما الفرق بين نقد السياسة ونعي السياسة؟ كيف نعيد لها نبلها أمام هذا العزوف الاشمئزازي اليائس من السياسي باعتباره مدانا ومتهما بل والاقتراب منه شبهة؟؟..

كيف يحل اليسار معادلة وزنه السياسي مع حجمه الجماهيري والتنظيمي والانتخابي؟ هل يمكن ان تمارس السياسة بشكل صحي في تآكل تدريجي للطبقة الوسطى وبيتم نظري وكساد ايديولوجي وغياب لأطروحة جاذبة. اذ لا ريح مواتية لمن لا بوصلة له؟

لماذا جاءت حصيلة المكتسبات شحيحة قياسا بحجم التضحيات؟ هل كانت المشكلة في الباب ام في المفتاح؟ هل في احذيتنا ام في اقدامنا؟ هل لوعكة طارئة على ابصارنا ام لمرض مزمن في بصائرنا؟ هل كان الأمر يقتضي مراجعة الصفحة أم تغيير الكتاب؟

واخيرا هي حروف وفاء واعتراف بجميلك استاذي الفاضل كتبتها بأهداب عيوني من محبرة قلبي علها توفيك بعضا من حقك ايها البهي

لم يبق لي إلا ان أرصع جبينك بقبلة مدموغة بخاتم التقدير والاحترام

التوقيع :

رهين الوفاء لمحبتك الدائمة

ذ. حميد منسوم

مراكش في 31غشت 2023

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى