انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
ضيف بسمة

عن الإعلام اليوم: احكي يا فاطمة..

 ضيفة بسمة/ فاطمة الافريقي

فاطمة الإفريقي: أيقونة الإعلام المغربي وصوت الحقيقة في زمن الصمت..

حاورتها: عزيزة حلاق

على مدى سنوات، تألقت فاطمة الإفريقي في إعداد وتقديم البرامج الثقافية والفنية على القناة الوطنية الأولى، لترسخ اسمها كواحدة من أبرز الأسماء في المشهد الإعلامي المغربي. لم يكن حضورها مجرد بريق نجومية، بل كان موقفا ومسارا يعكس الصدق والجرأة التزاما بقيم الصحافة، أيام كانت الصحافة صحافة..

بقلمها الصادق والجريء، خاضت معارك شرسة ضد الاستبداد والفساد والظلم والتعتيم الإعلامي. فجاءت كتاباتها كصرخة مدوية موجعة في وجه الواقع، وظلت مقالاتها تحافظ على راهنيتها، تختفي أحيانًا لكنها تعود دوما بالوهج ذاته.

لم تتردد في الاصطفاف إلى جانب شباب 20 فبراير خلال موجة “الربيع العربي”، إيمانا منها بضرورة التغيير وحرية التعبير. واليوم، في زمن طغت فيه التفاهة على المشهد الإعلامي، تعود بهدوئها الناعم عبر بودكاست “بهدوء”، مساهمة إلى جانب أصوات مغربية أخرى في إعادة الاعتبار للإعلام الجاد واستعادة دوره التنويري في المجتمع.

جعلت من معركتها الأولى الترافع من أجل تعميم التعليم وحماية المدرسة العمومية، هي التي قالت ذات حوار: “بيعوا ما أردتم، واتركوا لنا التعليم”..

في لقاء استثنائي، ولأول مرة مع “بسمة نسائية”، سنحاور ضيفتنا، فاطمة الافريقي حول قضايا محورية، نكشف معها خفايا المواقف ودهاليز المشهد الإعلامي والثقافي ببلادنا اليوم.

ونغوص في عمق تجربتها ورؤيتها للإعلام والمجتمع من موقعها كأستاذة وممارسة.

********

*كنتِ ولازلت صوتا حرا في الإعلام المغربي، وكان لمواقفك وكتاباتك تأثير كبير. هل واجهتِ تحديات أو ضغوطات بسبب مواقفك؟ وكيف تعاملتِ معها؟

أكبر ضغط نواجه جميعا كمواطنين اليوم وليس فقط كصحفيين هو الخوف، صرنا نخشى التعبير عن آرائنا بوضوح من شدة ما تم ترويضنا على رواية واحدة للحقيقة والاحداث وعلى رأي واحد وأوحد، يعلو صوته على كل الأصوات المختلفة. والاصوات القليلة التي تمتلك شجاعة نادرة وتحاول تقديم قراءة نقدية مختلفة، تتعرض للتخوين والقتل الرمزي. لهذا يصعب أن أدعي انني صوت حر في الاعلام مقارنة مع زملاء أشجع مني، ولا أظن أن عملي أو كتاباتي تعرضني لضغوطات، لان ما أعبر عنه من آراء يبقى عاديا ومحتشما مقارنة مع ما يجب قوله حقيقة، والآراء التي بدت لك قوية أو مؤثرة جاءت في سياق سياسي وحقوقي مختلف، ونشرتها ما بين 2011 و2016، حيث كنا نعيش نسبيا تعددية في التناول الإعلامي للأحداث، وكان هناك هامش للتعبير الحر وللنقاش العمومي حول مجموعة من القضايا السياسية والحقوقية والثقافية، اليوم نعيش تراجعا كبيرا في الممارسة الصحفية المهنية وأي تعبير حر عن موقف أو رأي هو نوع من الانتحار.

 *إذا كان التعبير الحر قد أصبح بالفعل ضربًا من ضروب الانتحار، كما تقولين، وإذا كانت الممارسة الصحفية المهنية تعيش هذا التراجع المقلق، مقابل سيادة إعلام التفاهة وتكريسه ضمن بنى مؤسسية، فهل لا تزال للصحفي المستقل والحر فرصة في التأثير والحضور في هذا المشهد المرتبك؟

في رأيي الصحفي المهني لا يزال قادرا على التأثير والحضور، ونحن في حاجة ماسة إليه في هذه اللحظة الحرجة تاريخيا أكثر من أي وقت مضى، بسبب ما يعيشه العالم من تدفق غزير للأخبار الزائفة ولصناع المحتوى غير المتخصصين.

والتفاهة التي تبدو لنا سائدة لا تعني بأنه لا يوجد محتوى صحفي مهني وجاد ومفيد، فالمشكل مركب وجذوره أعمق من وجود صناع محتوى تافه أو أفضل تسميته ضعيف مهنيا، لان التفاهة كمضمون يمكن ان تكون مسلية وتؤدي وظيفة ترفيهية إذا كان فيها إبداع مهني ورؤية فنية. أظن المشكل اليوم هو فينا نحن، لماذا نساهم في رفع مشاهدات هذا المضمون الضعيف والرديء؟ ولماذا لا نتابع بالقدر نفسه المحتويات الإعلامية الجادة والجيدة؟  فالنموذج الاقتصادي للمقاولات الإعلامية يرتكز على عدد المتابعات، وهنا يكمن المشكل. لهذا علينا أن نبحث عن الأجوبة لسؤال التردي وضعف المحتوى الإعلامي في مكان آخر بعيد عن الاعلام.

*هل نبحث عن الأجوبة قبل أن نتبيّن فعلاً طبيعة المشكل؟ وأين يكمن الخلل في نظرك؟

في نظري جزء من الجواب يوجد في فشل المنظومة التعليمية، والجزء الثاني يوجد في غياب بيئة ديموقراطية يمكنها ان تساهم في خلق نقاش عمومي حقيقي وتعددية في المحتوى الإعلامي وممارسة صحفية مهنية. والمسؤول عن هذا كله غياب إرادة سياسية من أجل الإصلاح والحرية والانفتاح.

*طيب، في هذا السياق، عشتِ تجربة الاصطفاف مع شباب 20 فبراير، الذي رفع مطالب الحرية والكرامة والديمقراطية. اليوم، بعد أكثر من عقد، كيف ترين حصيلة هذا الحراك في ضوء الواقع الحالي؟ وهل تحقق أي تغيير فعلي، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير؟

لم أعشها وحدي، كلنا كمغاربة ومغربيات احتضنا تجربة 20 فبراير ولو بأضعف الايمان، بقلوبنا، لا أظن ان هناك مغربي حر يحب بلده لم تتقاطع أحلامه ومطالبه مع شعارات شباب 20 فبراير، لا أدعي أنني كنت في الصفوف الأولى لهذه الحركة، ساندتها بقلبي ولساني وخروجي في بعض مسيراتها الاحتجاجية، وأعتبرها إلى اليوم، لحظة مشرقة في تاريخ المغرب، كان يمكن أن تفتح أفقا للتغيير والإصلاح الديموقراطي وللعدالة الاجتماعية وحرية التعبير لو وجدت بيئة سياسية صلبة ونخبا سياسية قوية ومؤمنة بقيم الديموقراطية.

عن التحولات المجتمعية والإعلام الجديد

*انتقلتِ اليوم إلى عالم “البودكاست”، هل هو هروب من قيود الإعلام التقليدي أم محاولة لاستعادة صوت الصحافة الجادة؟

العالم يتغير بفعل التحولات الرقمية، ومعها تتغير وسائط التعبير وتقاليد المشاهدة والتلقي، لقد كنت أعبر عن رأيي بالكتابة في الصحافة الوطنية الورقية والالكترونية، اليوم يمكننا التواصل مع جمهور أكبر من خلال التعبير عبر الوسائط الجديدة وعبر صناعة المحتوى الرقمي والبودكاست. وما نشاهده اليوم من اهتمام للفاعلين الإعلاميين والجمهور بالبودكاست يعكس رغبة جماعية في إعلام جاد ومفيد ومتعدد، يساهم في النقاش العمومي ويرسخ قيم الحوار وقبول الاختلاف.

* دافعتِ بشراسة عن مجانية التعليم العمومي، وقلتِ ذات حوار: “بيعوا ما أردتم، واتركوا لنا التعليم”. هل ترين أن المعركة خاسرة في ظل السياسات الحالية؟

أجل المعركة خاسرة وفات الأوان لبناء عدالة اجتماعية في التعليم، لم تعد المدرسة العمومية تتيح فرصا للترقي الاجتماعي للفئات الهشة والفقيرة، وأبناء الفقراء يخوضون سباقا خاسرا في مسارهم التعليمي بسبب الفوارق الكبيرة في المناهج والوسائل البيداغوجية بين القطاع العمومي والخاص. الإصلاح يحتاج شجاعة سياسية من أجل تذويب هذه الفوارق ومن أجل تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد.

*أسستم مؤخرًا منتدى “الإعلام والمواطنة” كإطار مدني يسعى لتعزيز دور الإعلام في القضايا المجتمعية. ما هي أبرز أهداف هذا المنتدى؟

المنتدى هو فكرة ومبادرة من الإعلامية امينة غريب، انخرط فيها إعلاميون وأساتذة باحثون في الإعلام والثقافة، ونهدف من خلاله الى الترافع من أجل ترسيخ قيم المواطنة في وسائل الإعلام والتواصل، ودعم المبادرات المدنية والإعلامية والأكاديمية التي تعمل في هذا الباب، والعمل لصالح سياسات عامة تعزز حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة والحد من التضليل والأخبار الزائفة، وسنحاول أن نشكل قوة اقتراحية للمساهمة في بلورة تشريعات وسياسات من شأنها تعزيز قيم المواطنة وتقوية أدوار وسائل الإعلام.

*ما هي الخطوات العملية التي ستتبعونها لتحقيق ذلك؟

لتحقيق هذا الهدف، سطرنا برنامجا يجمع بين التأطير المدني والتكوين والترافع والتحسيس في مجال الإعلام والمواطنة، وذلك عبر تنظيم ندوات فكرية وورشات ودورات تكوينية لصالح طلاب الاعلام والجامعات وتلاميذ الثانويات وتنظيم حملات للتوعية والتحسيس لصالح جمهور وسائل الاعلام، وأيضا لفائدة المهنيين وصناع المحتوى في وسائط الاعلام التقليدية وفي منصات التواصل.

*وكيف يمكن، برأيك، للإعلام أن يكون أداة توعية وتعزيز للمواطنة، بدل أن يقتصر على صناعة الفرجة السطحية؟

من خلال فسح المجال للصحفيين المهنيين الحقيقيين، المتشبعين بالضوابط الأخلاقية، ومن خلال بيئة ديموقراطية يسود فيها احترام التعددية وحرية التعبير، ومن خلال دعم المشاريع الإعلامية الجادة والمهنية، وقبل كل ذلك إعداد مواطن يحمل حسا نقديا وانفتاحا فكريا من خلال منظومة تعليمية قوية وعادلة.

*من موقعك كأستاذة للصحافة في معاهد عليا للإعلام، ما هي رسالتك لجيل الصحفيين الشباب، الذين يواجهون اليوم تحديات أكبر، بين قمع الحقيقة وإغراءات الشهرة السريعة؟

أشفق أحيانا على هذا الجيل الذي ولد في خضم هذه التحولات المتسارعة التي مست مجموعة من التقاليد والقيم في الممارسة الإعلامية، فهناك بون شاسع بين ما نلقنه كأساتذة للطلبة من قواعد وأخلاقيات وضوابط مهنية وتجارب إعلامية دولية ناجحة، وما ينتظرهم في سوق الشغل وفي بعض المقاولات الإعلامية التي يكون هاجسها الأول عدد المشاهدات. المحظوظون هم من يجدون فرص العمل في المؤسسات القوية مهنيا وماليا، أو بعض المؤسسات الدولية. نصيحتي الى طلبتي والى الجيل الجديد من الصحفيين هو التميز وتقوية قدراتهم المعرفية والتقنية واللغوية من أجل فرص عمل أفضل، وأن يسايروا التطور التكنولوجي على مستوى وسائل العمل دون التفريط في القيم والاخلاقيات.

*عبر مسارك المهني، كنتِ صوتا للحقيقة والجرأة، لكن في المقابل، هل شعرتِ بأنكِ دفعتِ ثمن هذا الموقف، سواء على المستوى المهني أو الشخصي؟

لا اشعر بأنني دفعت أي ثمن، هذا اختيار وأنا مقتنعة وسعيدة به وربما كان له تأثير إيجابي على حياتي المهنية والشخصية  وراحة ضميري، ربما  يرى الناس أنني دفعت ثمنا بسبب آرائي بسبب إقصائي مهنيا من المجال الذي راكمت فيه خبرة كبيرة وهو التلفزيون وإعداد وتقديم البرامج الفنية، لكن هذا لم يؤثر على نفسيتي ولا على  مكانتي في قلوب وذاكرة الجمهور، ولم يؤثر على طموحي المهني والعلمي، فلا أزال أعمل بنفس الشغف من أجل إعلام هادف، وأتقاسم خبرتي وتجربتي المهنية مع طلبة الصحافة والإعلام في المعاهد والكليات، ومع طلبة شعبة التنشيط  الثقافي  بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وأحاول بدل لعنة الظلام، أن افتح نوافد للأمل وللتواصل من خلال الكتابة وإعداد البودكاست والمساهمة في النقاش الثقافي والعلمي، فشكرا للذي أقصاني من العمل في إعداد البرامج، شكرا لأنه منحني فرصة العودة للكلية للدراسة والبحث، وفرصة التدريس وتقاسم المعرفة والتجربة مع شباب المغرب.

*هل شعرتِ يومًا بالندم على موقف أو معركة خضتها؟

لكل انسان تجارب خاطئة او فاشلة في الحياة، قد تكون بسبب سوء تقدير أو انعدام الخبرة الكافية أو ظروف تتجاوزك، لا أقف عندها ولا ألتفت لما مضى، أستفيد من أخطائي وأحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه إذا استطعت، او إغلاق الصفحة والبداية من جديد.

*ماذا تقولين لفاطمة الإفريقي الشابة في بداياتها لو عاد بها الزمن إلى الوراء؟

أقول لها وأنا في هذا الزمن والعمر: شكرا لك لأنك امتلكت الشجاعة وقلت: لا

* إذا كان بإمكانك اختيار عنوان لمسيرتك المهنية، ماذا سيكون؟

تذكرت عنوانا كانت كتبته الصحفية إكرام زايد لحوار أجرته معي في بداية الالفية هو “الثورة الهادئة”.

*اليوم، بعد كل تجاربك ومسارك الحافل، ما الذي يمنحك شعورًا بالرضا والسعادة؟

الاستغناء، والتجاوز، وصوت ضحكة أبنائي.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا