فيلم “حياة مجاورة للموت” يكشف عن مخطط إنشاء دولة في الصحراء
غير بعيد عن منطقة تندوف اختار طاقم فيلم “حياة مجاورة للموت” مواقع تصوير تشكل امتدادا طبيعيا لسهول وهضاب الحمادة، فضلا عن جبال الوركزيز الصخرية، أمكنة تشكل نقطة انطلاق الفعل الدرامي، وتتمظهر فيه الشخصيات والأشياء ملتبسة بالأحداث، ليظل هذا الفضاء موجودا على امتداد الخط السردي للفيلم، تبعا لـ “رحاب برود” الشركة المنتجة للفيلم.
الفيلم الذي هو الآن في طور مرحلة المونطاج تحت اشراف المخرج لحسن مجيد، يستحضر في مقدمته وبشكل مقتضب السياق العام لاحتلال الصحراء المغربية من طرف الاستعمار الاسباني سنة 1884 ، مرورا بتقاسم أطرفها بين فرنسا واسبانيا ما بين سنة 1900 و1904 و1905 ، مع الإشارة لأهم معارك المقاومة الصحراوية منذ 1913 إلى نضالات جيش التحرير بالجنوب، ثم توقيع معاهدة “سينترا”، وخطاب المغفور له محمد الخامس بمحاميد الغزلان، الذي حذر من خلاله الاستعمار الفرنسي من مغبة تشكيل دويلة للبدو الصحراويين تكون عاصمتها تندوف، مع الكشف ومن خلال وثائق نادرة، عن كون هذا المخطط ستتبناه اسبانيا في الستينيات من القرن الماضي، وهي الفكرة ذاتها التي تحاول الجزائر ترجمتها على أرض الواقع.
ويندرج ضمن هذا السياق، محاولة الجزائر استمالة الراحل محمد باهي لخلق تنظيم صحراوي يكون مناوئا للمغرب ويهدف إلى خلق دويلة صحراوية، وهو ما رفضه الراحل كما جاء في مذكراته، وإلى جانب سعي المخابرات العسكرية الجزائرية على ممارسة الضغوط على اللاجئين والمنفيين وقدماء المقاومين المقيمين آنذاك فوق التراب الجزائري لأجل مسايرة أطروحاتها، وكان من ضمنها محاولة دفعهم لتأسيس إذاعة خاصة بوهران موجهة ضد المغرب وتروج في الآن نفسه لأطروحات الانفصال، وهو ما رفضه المقاوم الراحل الحسين الخضار، الذي أجاب رجل المخابرات الجزائرية هوفمان، بالمثل المغربي الدارج “واش يمكن تعض ودنيك” إذا كان في إمكانك ذلك، “فنحن أيضا يمكننا خلق إذاعة فوق تراب بلدكم موجهة ضد بلادنا. الصحراء كنت ممن ناضلوا من أجلها وسالت دماء رفاقي فوق ترابها”.
وسستم الإشارة أيضا في مقدمة الفيلم إلى مبادرة الجزائر إلى تأسيس تنظيم “الرجال الزرق” سنة 1970 والذي نادى بالانفصال، ثم عاد ليتبنى الأطروحات المغربية، معلنا عنها في رسالة رسمية موجهة للأمم المتحدة سنة 1975.
كما يستحضر الفيلم في السياق ذاته، قصة تأسيس البوليساريو وملابسات العلاقة مع ليبيا والجهة المغربية التي سهلت هذا التواصل وكيف ستكتشف الجزائر التنظيم بعد اعتقال مصطفى الوالي فوق أراضيها وتعريضه لشتى أنواع التعذيب، وكيف تحولت الحركة من مطلب الاستقلال إلى مطلب الانفصال، بالإشارة إلى ما تمخض عن المؤتمر التأسيسي ومذكرات مصطفى الوالي التي اعتبر فيها أن الأقاليم الصحراوية ظلت دائما خاضعة كباقي الأقاليم المغربية للسلطة المركزية.
ضمن هذه المقاربة يضع الفيلم المشاهد وفق المعلومة الدقيقة والوثائق الحية، بأن صلب النزاع كان ولا يزال مع النظام الجزائري، الذي هيأ لبناء المخيمات سنة 1974 بتجميع رعاة الصحراء في تندوف، لينتقل اعتمادا على الدعم اللوجستيكي لجبهة البوليساريو في سن سياسة التهجير القصري والاختطافات منذ قيام المسيرة الخضراء وإلى نهاية الثمانينيات، والتي عمت مختلف الأقاليم الجنوبية لأجل تشكيل دويلة، مع إجبار النساء اللواتي تركن وراءهن بالمغرب عيالهن وأزواجهن، فضلا عن الفتيات، على الزواج القسري ومطالبتهم بالولادة المستمرة في إطار سياسة التكاثر لتكوين شعب ودولة كما كانت تروج له الجبهة.
هذه المعطيات، نستحضرها على لسان مجموعة من الحالات نعرض لها عبر مشاهد تمثيلية، وفق بناء درامي، يتناول تجربة الاختطافات الفردية والجماعية، ثم الاعتقالات وما تبعها من تعذيب وأعمال شاقة أفضت إلى وفاة العديد من المدنين والعسكريين من أبناء مختلف الأقاليم الجنوبية من واد نون إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب، أوضاع حقوق إنسان في أسوأ حالاتها، ستؤدي إلى انفجار انتفاضة 1988 التي أشعلت شرارتها النساء، خاصة حين صار السجانون يرفضون تعذيب وقتل إخوتهم وأبناء عمومتهم بالسجون، وهو ما سيعترف به محمد عبد العزيز بنفسه وفق وثيقة حية للجبهة حول أوضاع حقوق الانسان بمخيمات تندوف.
تجربة معاناة دفعت بالبعض منهم إلى تدبير عملية الهروب كل بطريقته، شكلت بالنسبة لهم رحلة عذاب هروبا من عذاب أبدي، في صحراء يصعب عبورها، العطش الجوع الألغام، وعورة التضاريس، تحدوهم رغبة لقاء أهل هنا في الوطن ويتألمون من لوعة فراق أحبة لهم ها هناك في المخيمات.
فصول هذه التجربة لنصف قرن من النزاع المفتعل تقود صانعي الفيلم إلى طرح سؤال في نهاية الفيلم ما هو الحل؟ ليشيروا إلى أن الطرح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سبق للنظام الجزائري أن اقترحه في العام 1985، كما تشير إلى ذلك بعض الوثائق السرية التي تم الكشف عنها مؤخرا. ليبرز بالملموس أن جبهة البوليساريو تفتقد إلى استقلالية القرار، الذي يتحكم فيه النظام الجزائري، وأن هذا الأخير هو المعني بفض النزاع.
وعليه فإن رسالة الفيلم موجهة بالأساس، للراي العام الوطني وخاصة الشباب المغاربة سواء داخل الوطن أو كانوا بخيمات تندوف ممن لا يتوفرون على المعطيات الحقيقية حول أصل هذا النزاع، كما يسعى أيضا إلى مخاطبة الرأي العام الدولي وخاصة تنظيمات اليسار بأوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ممن تأثروا بخطاب المظلومية الذي يروجه الطرف الآخر، تحت سيل من المغالطات التاريخية والسياسية، وذلك وفق خطاب يعتمد المعطيات والمعلومات الدقيقة المسندة إلى صدقية المصادر، مع الابتعاد عن الدعاية وإثارة الأحقاد.
المشروع تواجهه كباقي المشاريع بعض الإكراهات المتعلقة بالترجمة إلى بعض اللغات الدولية كالإسبانية والفرنسية والانجليزية، فضلا عن نقص في بعض الوثائق السمعية البصرية لتعزيز ما لدينا من وثائق مكتوبة، وهي متوفرة بالهيأة العليا للسمعي البصري بفرنسا، لكن ليس بمقدورنا الحصول عليها نظرا لكلفتها المالية، خاصة وأننا مثقلون بالديون ومتبوعين بالميكساج وتصحيح الألوان فضلا عن وضع موسيقى تصويرية أصلية، وثائق لم نجدها بالمركز السينمائي المغربي وتوجهنا مباشرة إلى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بطلب في الموضوع، وبطريقة غير مباشرة عن طريق وزارة الاتصال وذلك منذ أربعة اشهر، لكن الشركة أعفت نفسها من الرد سلبا أو إيجابا، هل هذا الأرشيف متوفر أم لا؟ ويتعلق الامر بلقطات عن حرب الرمال، وحرب أمغالة 2 التي أسرت خلالها القوات المسلحة الملكية 26 أسيرا عسكريا ينتمون للفيلق 41 من الجيش الوطني الشعبي الجزائري، وذاك سنة 1976. فضلا عن تسجيل صوتي للهواري بومدين في القمة العربية سنة 1974، أكد فيه عن دعمه للمغرب باسترجاع صحرائه من الاستعمار الاسباني.
العمل تطلب من الشركة المنتجة، “رحاب برود”، ما يزيد عن ثلاث سنوات، تراوحت ما بين البحث والاستقصاء، واستجواب الحالات، ثم التصوير في المرحلة الأولى مع الشهود والحالات في كل من آكادير كلميم والعيون، تلتها عملية التفريغ وإعادة كتابة السيناريو بتعاون بين المخرج والمؤلف للبناء الدرامي المتعلق بالمشاهد التصويرية، وإجراء عملية تحديد أماكن التصوير، ثم مباشرة بناء الديكورات والقيام بالتصوير في كل من أسا وعوينة الهنا ولبيرات، اعتمادا على فريق تقني احترافي كبير، لم يبخل في تقديم كل ما لديه لإنجاح المشروع، وهو ما يعطينا الأمل والإصرار في أن نقدم عملا محترما يكون في حجم هذه التضحيات، وهذا التعب نعتبره جرعة ألم منعشة للحياة.