حين كاد الأستاذ أن يكون رسولا..

بقلم: سلمى مختار أمانة الله
مررت مسرعة على تلك الصور التي امتلأ بها الفايسبوك، دون أن أقف عند مشاهد العنف التي يتعرض لها الأساتذة المحتجين ضد قانون التعاقد، كنت أريد أن أغادر صفحتي بأقل الأضرار النفسية الممكنة، بأدنى الخيبات وبدون جرعة حزن إضافية، أحب ذلك التبلد الذي يصيب أحاسيسي من حين لآخر.. يريحني مني إلى حين ..
وتلك الليلة بالذات كنت أحتاج أن أضع كل أحاسيسي، داخل مجمد الثلاجة قبل أن أهرع إلى نوم أردته مخففا كموت، تعطل المجمد اللعين في تلك الساعة بالضبط، كأنه يعاند رغبتي أو يتواطؤ مع ريح لم تكن لتهتم كثيرا كعادتها بما تشتهيه أشرعتي..
وجدت رسالة في الماسانجر تلح علي بإصرارها فتحتها.. فعلت ملبية نداء فضولي وحدس خافت قلما خيب ظني، فكانت المفاجأة التي لم يتوقعها حتى الجد العاشر المتسلق لشجرة أفكاري..
– أنت فلانة؟
– نعم من معي؟
– أنا أستاذك لسنة أولى إعدادي؟
ثم أعقبت الرسالة الملغمة بالفرح، صورة للائحة تلاميذ قسم الأولى إعدادي للموسم الدراسي 1983 – 1984. لا لم تتوقف سلسلة المفاجآت عند هذا الحد، بل كان لابد أن أكتشف ودهشتي تنط من عيني لتمسح الورقة القديمة المشهرة في وجهي ..فرض يحمل اسمي بخط عنفواني ..يا الله ما هذا؟ أنا التي لا تحتفظ حتى بشهادة تخرجها من كلية الحقوق..هل يعقل أن يحتفظ هذا الأستاذ بكل فروض تلامذته طيلة هذه السنين؟ عمر مضى بل هي حياة أخرى وذاكرة الغربال عندي لا تذكر شيئا.. بالكاد تعرفت على إسم المؤسسة ثانوية “سيدي الحاج الحبيب ببيوكرى” ناحية أكادير..
شكرت أستاذي وقدمت من العبارات ما حاولت أن يليق بوقع هذه المفاجأة السارة..
كان لابد أن أتوقع أن أستاذ بكل تلك الدقة وذاك التنظيم لم يمر ب”الفايس” ليحييني وتذكيري به فقط ..الرجل يحمل مشروعا كبيرا يسعى إلى تحقيقه رفقة تلاميذ المؤسسة القدامى.. وقد نجح فعلا على العثور على العديد منهم. أما توتة كعكة هذه العودة إلى زمني الجميل، فكانت باللقاء الاحتفائي الذي انخرط فيه أستاذي بكل طاقته ليعرف بتلميذته الكاتبة. ولأن الإمكانيات تقف عائقا عند المنهزمين من الداخل فقط، فقد هندس اللقاء عبر مجموعة “الواتساب” لقدماء تلاميذ المؤسسة .. لن أصف شعوري لأن الكلمات تخبو حين يعلو الإحساس ويفيض على نفس استعادت أكثر من ثلاثين سنة في لحظات بتلاميذها وفصولها وأساتذتها.. بنقائها ودهشة البدايات كان لقاءا يشبه حلما لن يصدقه أحد، لدى حتى الحديث عنه بما يليق سيكون أصعب من أن يقترف..
انتهى اللقاء كما ابتدأ في لمحة حلم وفيض محبة ووجدتني أتسائل بحرقة، هل يمكننا أن نصنع الآن في هذا العالم الآيل للسقوط إنسانا يحمل بعضا من قيم الوفاء والاعتراف تلك؟
– مشهد الأساتذة المنكل بكرامتهم قفز من جديد أمامي..
– أقفلت كل نوافذي لعلي أحتفظ بنكهة أمل ما..
من يهين الأستاذ اليوم ويمسح بكرامته تراب هذا الوطن سيتمنى غدا أن يلتقط ولو صورة واحدة لوطن خرج ولم يعد..دهسه قطار الجهل الفائق السرعة..