على خلفية الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري في قضية الشابة خديجة، المعروفة إعلامياً بلقب “مولات 88 غرزة”، والذي قضى بإدانة المعتدي بشهرين فقط من الحبس النافذ، انفجرت موجة غضب واستنكار في صفوف الرأي العام المغربي.
حكمٌ بدا للكثيرين صفعة جديدة في وجه النساء ضحايا العنف، خاصة أمام هول الجريمة التي تعرضت لها الضحية، وصرختها المفجوعة عقب النطق بالحكم، والتي هزّت مشاعر كل من تابع قصتها.
ورغم محاولات البعض تمرير رواية بديلة، تزعم أن “الضحية هي من ضربت نفسها”، وهي رواية يصعب تقبّلها عقلياً أو أخلاقياً بالنظر إلى آثار العنف الواضحة، وإفادات خديجة المفصلة، فإن هذه المحاولة لم تفلح في تهدئة موجة الغضب، بل زادت من تساؤلات الشارع حول العدالة في قضايا العنف ضد النساء. وحقيقة ما جرى بين الضحية والمتهم؟
وفي محاولة لفهم أعمق لما جرى، انتقل وفد من جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، صباح يوم الثلاثاء 27 ماي 2025، إلى مدينة القنيطرة، للقاء الضحية والاطلاع المباشر على حالتها، وذلك تحت إشراف السيدة بشرى عبده، المديرة التنفيذية للجمعية.
مأساة إنسانية مركبة
وقفت الجمعية خلال الزيارة على وضعية اجتماعية مأساوية ومركبة تعيشها السيدة خديجة، حيث يتقاطع الفقر مع التفكك الأسري، والضياع مع الهشاشة النفسية، في قصة تتجاوز تفاصيل الاعتداء الجسدي، لتعكس عالماً من الانكسار والتهميش والإقصاء.
وقد أصدرت الجمعية بلاغاً جاء فيه ما يلي:
“مباشرة بعد الاطلاع على الفيديو الذي ظهرت فيه السيدة خديجة في حالة هستيرية مؤلمة، عقب النطق بالحكم الصادر في حق المعتدي، انتقل وفد من الجمعية إلى مدينة القنيطرة، للوقوف ميدانياً على حيثيات الواقعة، في إطار التزامنا برصد ومتابعة قضايا العنف ضد النساء.”
وجاء في بلاغ الجمعية:
تم إخبار الضحية بإمكانية حصولها على المؤازرة القانونية، حيث عرضت الجمعية تنصيب أحد أعضاء هيئة دفاعها للترافع عنها.
كما تم عرض الدعم النفسي عليها، من خلال أخصائية نفسية ستتكفل بمرافقتها في تجاوز الصدمة النفسية الناتجة عن الاعتداء، وكذلك تبعات الحكم.
أشارت الجمعية إلى أنها لم تطلع بعد على مضامين الحكم القضائي كاملاً، وكلفت فريقها القانوني بمتابعة الملف فور التوصل بنسخة الحكم الابتدائي التي تتضمن الأسباب والحيثيات.
أكدت الجمعية التزامها الدائم بالدفاع عن حقوق النساء، ولا سيما ضحايا العنف، مع الإعلان عن برمجة زيارة ثانية للضحية من طرف هيئة الدفاع، بمجرد توفر نسخة الحكم.
مناشدة لحماية الضحية من العنف الرقمي
وفي ختام بلاغها، وجهت الجمعية نداءً إلى السلطات القضائية والأمنية بضرورة توفير الحماية للسيدة خديجة، ليس فقط من العنف المادي، بل أيضاً من العنف الرقمي والتشهير الذي تتعرض له منذ تداول قصتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشارت الجمعية إلى أن ما تتعرض له من حملات تشهير وكراهية قد يُخلّف آثاراً نفسية بالغة الخطورة، تضاعف من معاناتها وتُعيق طريقها نحو التعافي.
قضية خديجة لم تعد مجرد ملف قضائي، بل تحولت إلى مرآة تعكس معاناة نساء كثيرات يواجهن العنف دون سند حقيقي.
صرختها لم تكن فقط صرخة ألم، بل كانت صرخة في وجه واقع ما زال يخذل النساء…