الصحراء المغربية:الانتقال من التدبير إلى التغيير..
قراءة أولية في الخطاب الملكي بقلم نجيب كومينة

بسمة نسائية/ منبر بسمة
الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية الجديدة لولاية البرلمان الجارية، خصص للقضية الوطنية للشعب المغربي، قضية الوحدة الترابية، بشكل حصري، لأنه يحمل أكثر من جديد و يتضمن رسائل غاية في الاهمية سواء للمغاربة، باعتبارهم المعنيين بوحدة وطنهم وبالدفاع عنها في مواجهة اي عدوان او مناورات خبيثة تستهدفها، و للجوار ولأفريقيا و العالم العربي والاتحاد الاوروبي ودوله و كل اصدقاء وشركاء المغرب في العالم.
الجديد الابرز، الذي يجب ان يتم استيعابه، هو ان الدعم الفرنسي القوي للوحدة الترابية للمغرب، الذي يتجاوز الاعتراف و دعم مشروع الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع الاقليمي الذي يعيش النظام الجزائري على استمراره وتغذيته، قد شكل منعطفا في مسار هذا النزاع، وبشكل يجعل الحسم فيه باعتراف دول أوروبا الاخرى، التي عبرت اغلبيتها (19دولة) عن دعمها لمشروع الحكم الذاتي، وفي مقدمتها المستعمر السابق للصحراء المغربية: اسبانيا، الذي اتخذ موقف دولة يعتبر مشروع الحكم الذاتي في اقاليمنا الجنوبية المسترجعة في اطار السيادة المغربية الاساس الوحيد لاي حل سياسي ينهي النزاع، حسما يقترب عبر المسار الاممي الذي يحاول النظام الجزائري عبثا تخريبه أو تأخيره بالتبرم من المشاركة في الموائد المستديرة التي قررها مجلس الامن بحضور الاطراف المعنية، ومن ضمنها الدولة الجزائرية المغذية للنزاع والتي حاولت من قبل خوضه بالوكالة عبر أذنابها قبل أن تضطر إلى فضح كذبها و تكشف عن نفسها كطرف رئيسي يستهدف المغرب ووحدته ودولته وشعبه انطلاقا من أوهام موروثة عن المقاطعة الفرنسية، وهي الموائد التي شاركت فيها من قبل خلال فترة تولي الرئيس الالماني الاسبق كوهلر لمهمة مبعوث الامين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء، بحضور ممثلي الصحراويين الذين يحظون بشرعية الانتخاب وليس التعيين من طرف مخابرات الجزائر، لتتراجع بعد ذلك، بعد تغيير وزيرين لخارجيتها سبق لهما تمثيلها رسميا، و تعلن عن رفضها للاستمرار في تنفيذ قرارات اممية آمرة صادرة عن مجلس الامن.
الموقفان الفرنسي والاسباني، بعد الامريكي، وكذلك، وهذا مالا يجب نسيانه، الموقفان الضمنيان لروسيا والصين، العضوان في مجلس الامن، المتمثلان في استبعاد جمهورية الوهم التي تتحرك كذيل للنظام الجزائري بجوازات سفر جزائرية، وحتى بأسماء جزائرية كما هو الشأن للعميل بن بطوش، من القمم المنظمة مع الدول الافريقية والعربية، وهو نفس ما قامت به دول اخرى، بما فيها اليابان التي تبرأت في قمتي تيكاد الاخيرتين من لعبة الجزائر البائخة لإقحام لقيطها، وأيضا ماليزيا، وبطبيعة الحال السعودية التي ساندت الوحدة الترابية للمغرب مند اليوم الاول بقوة ووضوح، وهو ما أدى، كما هو معروف، إلى اتخاذ موقف يقضي باستبعاد اللقيط المرفوض من هذه القمم، وما جعل النظام الجزائري بخفة وغباء يعمل على تجاوزه عبر مناورات فشلت كلها واظهرت للدول الكبرى المسؤولة مع من حشرنا الله في الجوار، كل هذه المواقف، ومعها مواقف الدول العربية، بما فيها تونس التي يشارك أحد فرقها اليوم في بطولة افريقيا للفرق النسائية لكرة اليد المنظمة بعيون الساقية الحمراء بعد خطا تيكاد وعدد من المواقف الساذجة والعدائية التي انجر اليها الرئيس التونسي قيس سعيد جعلته يزكي زعم النظام الجزائري بان تونس بورقيبة و بنيوسف والادغم والمصمودي وغيرهم، تونس القرطاجنيين والفاطميين والحفصيين واصلاحات خير الدين…الخ، مقاطعة لدولة احدثت بمرسوم استعماري سنة 1839، كمقاطعة فرنسية، ثم كدولة تابعة بموجب اتفاقية ايفيان، باقتطاع اجزاء من التراب الوطني لتونس وليبيا والمغرب ومالي، وايضا مواقف اغلب الدول الافريقية والامريكية الشمالية والجنوبية والاسيوية، و في مقدمتها العملاق الهندي صديق وشريك المغرب، والصين التي سبقت الاشارة الى موقفها، مواقف تقرب بسرعة كبيرة من الحسم بالاعتراف العالمي بالوحدة الترابية للمغرب القائمة واقعيا وميدانيا وتنمويا والمحمية بالإجماع الوطني للشعب المغربي، بما فيه أغلبية ساحقة من أبناء وبنات اقاليمنا الجنوبية المعتزين بانتمائهم المغربي و بهويتهم المشتركة مع كل اخوانهم من طنجة الى الكويرة.
مسار هذا الحسم لفائدة المغرب، وضد من يعادون وحدته، لا يمكن، باي حال من الاحوال، ان تؤثر عليه احداث صغيرة ناتجة عن مناورات، مضافة الى احتمال فساد ورشوة، كالقرار الاخير لمحكمة العدل الاوروبية الذي سارعت مجوعة كبيرة من الدول الاعضاء في الدول الاوروبية الى تأكيد ابتعادها عنه و التعبير عن تشبثها بالشراكة مع المغرب التي هدف ذلك القرار عبثا الى نسفها، بينما ما يتعرض للنسف اليوم هو الشراكة بين الجزائر والاتحاد الاوروبي نتيجة غباء قرارات النظام الجزائري العشوائية والعدوانية والقائمة على الجهل والميل الى ممارسات المنحرفين، ونتيجة وعي مختلف الدول الاوروبية بان الجزائر يقودها نظام مجانين نحو الدولة الفاشلة والخطيرة على محيطها المتوسطي و الافريقي، وهو نفس الوعي الذي وصلت اليه الدول الافريقية، وأيضا وأساسا الدول العظمى واثر على تطور مواقفها من نزاعات الجزائر مع جيرانها، وضمنهم. المغرب..
الرسالة الاخرى في الخطاب الملكي المتعلقة بتغيير مقاربة الدفاع عن وحدتنا الترابية والانتقال من التدبير إلى التغيير ومن رد الفعل الى الفعل رسالة في غاية الاهمية، لأنها تشير الى تغيير، ذي طابع استراتيجي ينقل معركتنا الوطنية من الدفاع، الذي تتولاه القوات المسلحة الملكية باقتدار و ذكاء و شجاعة، إلى اعتماد استراتيجية تدرج الوحدة الترابية للمغرب في افق تقوية الموقع الاقليمي للمغرب و ريادته القارية انطلاقا من منطق تحرري جديد يقوم على أساس التنمية المشتركة و السعي إلى التموقع في تحولات العالم الجارية، بسرعة وفي ملتقى الممرات العالمية التي ستغير البنيات التحتية العالمية، وسيكون لها اثر حاسم على افريقيا، وهذا ما سيكون موضوع ورقة لاحقة دقيقة، لان الموضوع في غاية الدقة..
ولحد الان لم أطلع على ما يشير الى إدراك أهميته بشكل كامل، باستحضار الاستراتيجيات الدولية المؤثرة اليوم في الحرب في فلسطين ولبنان وفي اوكرانيا، و هذا دليل على ضعف المعرفة الاستراتيجية خارج بعض دوائر، القرار والفعل.