
بسمة نسائية/ أصواتهن
والد “هان كانغ”: “كتابة ابنتي حساسة للغاية وجميلة وحزينة”
كانت تقضي يومًا عاديًا، وانتهت للتو من تناول العشاء مع ابنها. لم تكن مستعدة حقا لهذا الأمر. هذا بالضبط، ما نقلته وكالات الأنباء الدولية، عن الكاتبة الكورية الجنوبية “هان كانغ” عندما تم إبلاغها بأنها حصلت على جائزة نوبل للآداب لعام 2024.
تخيل أنك كنت تجلس لتناول العشاء مع أسرتك بشكل عادي جدا، وعندها تتلقى مكالمة هاتفية تبلغك بأنك فزت بجائزة نوبل.. وبأن عليك الاستعداد لتسلمها شهر ديسمبر المقبل في حفل كبير تقيمه الأكاديمية السويدية الجهة المنظمة لجوائز نوبل.. !
ففي الوقت الذي كان العالم ينتظر أن تظهر “هانغ كانغ”، بعد هذا الخبر/ الحدث، على شاشات القنوات التلفزية وتسلط عليها أضواء الشهرة وتسرف هي في توزيع الابتسامات أمام عدسات المصورين، تعبيرا عن سعادتها واحتفائها بهذا التتويج الأدبي العالمي الكبير، نجدها وقد فاجأت الجميع، وأعلنت على لسان والدها أنها ترفض عقد أي مؤتمر صحفي، إوقالت، كيف يمكننا الاحتفاء في ظل المآسي الناجمة عن الحرب في العالم. وأمام قتل الناس كل يوم، ” كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمرا صحفيا؟ بينما نشهد هذه الأحداث المأساوية” (في إشارة إلى حربي أوكرانيا، وإسرائيل على غزة ولبنان).
من يعرف “هانغ كانغ” يعرف اهتمامها بقضايا الإنسانية وحرصها على الاشتغال دائما بعيدا عن الأضواء، وموقفها لم ولن يتغير حتى بعد فوزها بجائزة هي الأرقى في العالم. موقف منسجم مع شخصيتها كإنسانة وأديبة ومثقفة ملتزمة بقضايا أمتها وقضايا حقوق الإنسان الكونية. فقد عرفت بمواقفها الثابتة، بعد أن أدرجت في “قائمة سوداء” تضم نحو عشرة آلاف شخصية ثقافية في كوريا الجنوبية متهمة بانتقاد الرئيسة “بارك غن هاي” التي تولت السلطة بين عامي 2013 و2017.
وفي رواية “أفعال بشرية” (2014)، تتحدث هانغ كانغ عن “الهشاشة البشرية” واستخدمت حدثًا تاريخيا وقع في مدينة “كوانغجو” كأساس سياسي لها، حيث نشأت هي نفسها وحيث قُتل مئات الطلاب والمدنيين العزل خلال مجزرة نفذها الجيش الكوري الجنوبي عام 1980. في سعيها لإعطاء صوت لضحايا التاريخ، ووظفت الرواية هذا الحدث بتجسيد قاسٍ، وهو ما اعتبره النقاد بأن هانغ كانغ، في روايتها هاته تقارب أدب الشهادات.
التزام هانغ كانغ، يتماهى ومفهوم سارتر للالتزام عند المثقف عموما، بكونه فاعلا يؤثر ويتأثر ويفعل، يقول سارتر: “أن أكون يعني أن أفعل، ونحن دائما نختار ما نفعل”؛ فالفعل بمفهومه الفلسفي السارتري ميزة أساسية لهذا المثقف الملتزم، ولعل ذلك ما دعا إليه أيضا “أنطونيو غرامشي” باعتبار المثقف الحقيقي، وعلى عكس المثقف التقليدي، هو ذلك الذي تحثه ومبادئ العدالة الحقيقية النزيهة لكي يشجب الفساد، ويدافع عن الضعفاء وينتقد السلطات الجائرة، أو غير الشرعية..
وهو أيضا ما قاله الفيلسوف الفرنسي “جوليان بندا” في كتابه الشهير “خيانة المثقف”، المثقف الحقيقي هو الذي يمثل “ضمير البشرية”، ومن ثمة ميزته الأساس عن باقي الناس وعن باقي المثقفين.
وبالتزامن مع خبر فوزها، سجل تسابق غير مسبوق، للناس في كوريا الجنوبية لشراء أعمال الفائزة بنوبل للآداب لعام 2024، في وقت تعطلت فيه خدمات المواقع الإلكترونية بسبب التدفق الشديد للزوار بحثا عن مؤلفاتها. وذكر مركز “كيوبو ” – وهي أكبر سلسلة متاجر للكتب في البلاد- أن مبيعات كتب “هان كانغ” شهدت قفزة هائلة، إذ نفدت مخزونات كتبها تماما.
وعن كتاباتها أوضح والد هان كانغ، الكاتب المرموق “هان سونج-وون” حين قال في تصريحه:” إن ترجمة روايتها “النباتية” إلى لغات أخرى دفعتها نحو العالمية، وساهمت في حصولها على جائزة “مان بوكر” الدولية عام 2016، والآن جائزة نوبل. و”كتابة ابنتي حساسة للغاية وجميلة وحزينة”.
ووصفت ناقدة أدبية كلمات كانغ في روايتها، بـأنها “تتصاعد من ركام اللغة المتفحمة التي ظننا أنها قد احترقت تماما… ثم ندرك فجأة أننا في سبيل مواجهة الرغبات الحقيقية التي تتذكرها أجسادنا، لا بد أن ننزل في الكتابة إلى الدرجة صفر.
وكتب النقاد عن رواية كانغ الأولى الطويلة، التي أمضت في كتابتها ثلاث سنوات متوالية، “الغزال الأسود” 1998، والتي نشرت بالكورية والصينية، إنها من أعظم الإنجازات الأدبية في تسعينات القرن العشرين، وكانت أكثر العبارات التي اشتهرت في روايتها هاته، تلك العبارة الوجودية: “الحياة جرح”.”
“كانت الكتب أشبه بمخلوق، يتمدّد من حولي يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع وشهرا بعد شهر”، هكذا وصفت هان كانغ حياتها عندما كانت صغيرة، وتحدثت عن والدها الروائي الفقير وعن المفروشات القليلة التي احتواها منزلهم وعن التنقلات المتكررة من منزل إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى حيث وجدت حمايتها الوحيدة في الكتب”.