انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

ما بين أسد الريف وأسد الصحراء

بقلم: الناقد فؤاد زويريق

عندما استعان المخرج السوري مصطفى العقاد بالممثل انتوني كوين لتجسيد دور المجاهد الليبي عمر المختار في فيلمه أسد الصحراء، لم ينتفض الخلق، ولم يحتجّ الليبيون، ولم يقولوا هذا ممثل ليس منا فكيف له أن يتقمص شخصية أحد أبرز رموزنا، ولم يقولوا هذا ممثل غربي لسانه لا يشبه لساننا، ودينه لا علاقة له بديننا فكيف له أن يؤدي دور شيخ شهدائنا، بل قدموا له كل الدعم لينجز لنا في النهاية تحفة إبداعية اسمها “أسد الصحراء”، عرّفت العالم بهذه الشخصية، بل الليبيون أنفسهم أعادوا اكتشاف رمزهم من خلال هذا فيلم، وهذا هو هدف مثل هذه الأعمال.

المشكل ليس في من سيؤدي هذه الشخصية أو تلك، بل في كيفية دراسة الشخصية بكل تفاصيلها وأبعادها، وطريقة الاشتغال عليها وتحضيرها، وتشخصيها، وهذا يلزمه ممثل موهوب مجتهد ومثقف بطبيعة الحال، لأن هناك فرق بين الممثل المثقف الذي سيضيف الكثير للشخصية من خلال الدراسة والبحث، والممثل الببغاء الكسول الذي سيؤدي ما يؤمر به فقط، كما يلزمه مخرج مبدع ومثقف أيضا يتقن إدارة الممثل، وله دراية كافية بكيفية إنجاز فيلم خاص بسير الشخصيات التاريخية، وخصوصا إذا كانت شخصية جدلية لها وضعها الاعتباري والتاريخي في مجتمع من المجتمعات. فهل هذا متوفر في بطل ومخرج فيلم ”أنوال” الذي يتناول سيرة قائد ثورة الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي، والذي مازال في طور التحضير، في الحقيقة لا أعرف! فالممثل ربيع القاطي سبق له أن خاض تجربة في مثل هذه الأعمال الخاصة بالسيّر، حيث أدى مثلا دور سليمان الباروني في عمل ليبي اسمه ”الزعيمان” هل نجح فيه أم لا؟ لا علم لي فلم أشاهده بعد… هل مخرج فيلم ”أنوال” له تجارب سابقة؟ وهل هو قادر على خوض غمار هذا التحدي؟ لا أعرف أيضا فلم أشاهد له عملا سابقا حتى أستشرف مصير عمله القادم هذا، والمنطق هنا يدفعني الى ارتداء عباءة التأني والصبر دون إصدار أحكام مسبقة على عمل لم يخرج الى النور بعد، ننتظر قليلا وبعدها لكل حدث حديث، هذا رغم أن تجاربي السابقة مع أعمال مغربية من هذا النوع تجعلني أحطاط وأشكك لفشلها في تقديم الشخصيات المغربية الي تناولتها كما ينبغي وبأسلوب فني وإبداعي يليق بها، كفيلم ”الشعيبية” مثلا لمخرجه يوسف بريطل الذي تناول سيرة الرسامة المغربية المعروفة ولم يوفق في الإحاطة بشخصيتها كما تستحق، وفيلم ”القمر الأحمر” لمخرجه حسن بنجلون الذي أساء لقامة فنية مغربية بوزن الموسيقار عبد السلام عامر فكان للأسف فيلما فاشلا، بالإضافة الى الفيلم الجديد لعبدالرحمن التازي “سلطانة لا تنسى” الذي تناول سيرة عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي والذي أضاع للأسف فرصة التعريف بها كونه عملا باهتا وضعيفا، وغيرها من الأعمال غير الموفقة، مما يجعلني أرتاب وأشك في كل عمل مغربي سيتناول شخصية من الشخصيات وخصوصا إذا كانت ترافقها أحداثا تتطلب ميزانيات ضخمة كشخصية عبد الكريم الخطابي الذي كانت حياته كلها مليئة بالنضال والمقاومة والمعارك والأحداث الدرامية…

والخوف كل الخوف من ضرب هذه الشخصية إبداعيا وفنيا لأن كل العيون الآن متجهة صوب الريف كون العمل هو الأول من نوعه حول هذه الشخصية والكل يعلم مدى ثقلها في الريف بل في المغرب ككل، وها نحن أمام جدل والفيلم مازال في بدايات التصوير، فما بالك إذا كانت النتيجة مخيبة للآمال، فحتى لو وُفرت له كل الأموال اللازمة فهل سينجح؟ أعود وأكرر ما قلته سابقا، تجاربي مع أعمال مغربية من هذا النوع تجعلني أحتاط وأشكك، وهنا أعطي مثالا بفيلم ”المسيرة الخضراء” لمخرجه يوسف بريطل الذي تناول حدثا وطنيا تاريخيا مهما بالنسبة للمغاربة ككل وخصصت له إمكانيات بشرية ومادية ولوجيستيكية غير مسبوقة، وشارك فيه كبار الممثلين ودعم من الدولة نفسها، ومع هذا فشل صُناعه في تقديم عمل يليق بالحدث ويليق بقضيتنا ويليق بنا كمغاربة تواقين لإبداع حقيقي محترم يشرف بلادنا، فالأزمة في النهاية ليست أزمة أموال بل أزمة إبداع. لن أنتظر من ربيع القاطي أن يكون بمهارة الرائع غاري اولدمان في فيلم الساعة الأسوأ Darkest Hour حيث أدى دور وينستون تشرشل، ولا في احترافية دينزل واشنطن في فيلم مالكوم اكس Malcom X، ولا حتى في موهبة أحمد زكي في فيلم أيام السادات وغيرهم من الممثلين الكبار الذين أبهرونا بتقمص شخصية من الشخصيات التاريخية المعروفة، ولا أنتظر أيضا من مخرج فيلم أنوال بأن يكون أكثر احترافية وموهبة من مخرجي هذه الأعمال، ولا أنتظر من طاقمه التقني والفني أن يصنع لنا تحفة تماثل تحفة عمر المختار، لا أنتظر كل هذا بكل تأكيد كل ما أتمناه -حسب الظروف والإمكانيات المتاحة طبعا- أن يكون العمل محترما وبقدر الشخصية التي سيتناولها وألا يستغبي عقولنا كما فعل من سبقوه.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا