في المُمارسة الملكية،”كلُّنا فلسطينيون”…لأنَّنا المغاربة.
بقلم: طالع السعود الأطلسي
بسمة نسائية/ منبر بسمة
المبادرة الملكية المغربية تُجاه الشعب الفلسطيني، في غَزّة وفي القُدس، الإنسانية والسياسية، هي وازنة كمًّا ونوعيةٌ في تحقُّقها وفي دلالتها… وكمُّها هو واحدة من دلالاتها، هو الأعلى من بلد واحد، حتى اليوم، وهو مُعبِّرٌ عن قوة وعُمق التضامن المغربي مع الشعب الفلسطيني. ومن مُمَيزاتها أنها وصلت إلى مستحقيها في غزة، من معبرٍ بَرِّي، بعد أن أحدث التقدير للملك محمد السادس ممرًّا في الحصار الإسرائيلي… وقد كانت سُلطات الاحتلال الإسرائيلي سمحت لبعض الدول، بإلقاء المساعدات الغذائية جوًّا… إتلافا لجُزء منها، حين ارْتطامها بالأرض أو ضياعها في البحر… بعد إغلاق المعابر البرية… وأيضا سَعَت العُدوانية الإسرائيلية إلى خلق تلك الصور المؤلمة، من الركض الجماعي، بقوة الجوع، لتلقُّف الطرود المرمية من الطائرات…الإرادة الملكية المغربية، حرِصت على تلفيف مساعداتها بالكرامة… المساعدات تسلَّمها الهلال الأحمر الفلسطيني لتوزيعها، بنظام وهدوء وكرامة، على مُستحقيها ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية…
وفي القدس الشريف، وكالة بيت المال التابع للجنة القدس، وتنفيذًا لأوامر وتوجيهات رئيس اللجنة الملك محمد السادس، لديْها خبرةٌ وآليات مُجرَّبة ومُدرَّبة في توزيع المساعدات المطلوبة، خاصة للرُّضَّع والمسنِّين، وفي تأمين 1000 وجبة إفطار رمضانية يوميا، وفي توفير مقوِّمات منصة لتنسيق الطوارئ في مستشفى القدس… الوكالة راكمت ومنذ سنة 1998، خبرة متنوعة في التدخل لفائدة القدس وسكانها، في البعد العمراني التاريخي للقدس، وفي الحياة الاجتماعية للمَقْدِسيين المتصلة بالتعليم والصحة والمواكبة التربوية للأطفال وللشباب… أنشطة الوكالة، التي يوَجهها رئيس لجنة القدس الملك محمد السادس، تمتد على طول السنة، وخاصة في شهر رمضان من كل سنة، مُموَّلة بنسبة 87 في المائة من المغرب، وتعكس الحرص الملكي على تفعيل الحضور، الملموس والمنتج، للجنة القدس في بعض مساحات المعيش اليومي، الفلسطيني، في القدس وفي امتدادات المدينة على الضفة الغربية…
من الدلالات البارزة والقوية للمساعدات المغربية التموينية للفلسطينيين في غزة وفي القدس، هو الجزء منها الذي تحمَّله جلالة الملك محمد السادس من ماله الخاص… والمُعبِّر عن تعاطفه الخاص مع الشعب الفلسطيني وعن إيمانه العميق بالقضية الفلسطينية… وكما أعلن، في عشرات المناسبات، بأن القضية الفلسطينية هي بالنسبة، لجلالته وللشعب المغربي، في منزلة القضية الوطنية المغربية… وبالإمكان أن نُضيف أنها بالنسبة لملك المغرب قضية شخصية… بل إنها عنده التزام سياسي مبدئي، في ممارسة وقيادة مشروعه الإصلاحي والتحديثي المغربي، وفي إدارة العلاقات الديبلوماسية المغربية، وهي مُتّصلة بالتدبير السياسي الوطني المغربي… ما يجعل المبادرة الملكية الأخيرة مُنطلِقة من رصيد زاخر بالمبادرات السياسية والعملية لملك المغرب في نُصرة الشعب الفلسطيني…
كان لي شرف أن أكون مشاركا في اللجنة المُصغَّرة لتنظيم المسيرة الشعبية المغربية المليونية، يوم 7 أبريل 2002، للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مُواجهة الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية ومُحاصرة الرئيس ياسر عرفات في رام الله وقصف “المقاطعة” مقرّ تواجده ورفاقه… وكان شعار المسيرة هو “كلنا فلسطينيون”… قبل يومين من المسيرة، وفي وقت مُتأخِّر من الليل، هاتفني رئيس اللجنة التنظيمية الأستاذ حفيظ بوطالب، الشخصية الجامعية المرموقة، والقيادي البارز في الاتحاد الاشتراكي المغربي آنذاك، ليخبرني بأن الديوان الملكي اتصل به ليطلب منه بعض شارات المسيرة، ودون الإفصاح عن الهدف من ذلك…
وسيتضح الهدف من حاجة الديوان الملكي لشارة المسيرة الشعبية، يوم 8 أبريل، في أكادير، حين استقبل الملك محمد السادس وزير الخارجية الأمريكي (الراحل) كولن باول… وكان الملك قد وضع شارة المسيرة فوق سُترته الزرقاء، جهة القلب، وداخلها شعار “كلنا فلسطينيون”… الصورة عمَّمتها وكالة الأنباء الفرنسية، وعلقت عليها “بأنها الشارة التي رفعها المتظاهرون في المسيرة المليونية وكتب عليها “كلنا فلسطينيون” وهي ترمُز إلى المسجد الأقصى”… الإعلام أشهد العالم، بأن ملك المغرب يشارك شعبه غضبه من عدوانية الاحتلال الإسرائيلي… وأنه فلسطيني… وذلك في لقاء مع الجنرال الوزير الأمريكي القوي، وموضوعُه كان هو تداعيات الاجتياح الإسرائيلي على الضفة الغربية وضد ياسر عرفات بالذات، وذلك بأمر من شارون رئيس الوزراء غير المأسوف على وفاته… ونقلت وسائل إعلام فرنسية وعربية، آنذاك، عن مصادر مغربية تابعت اللقاء، بأن الملك كان صارما في التعبير عن أن الرئيس عرفات هو المخوَّل الوحيد للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني، مُستنكرا قصف مقر الرئاسة الفلسطينية وقطع الماء والكهرباء عليه في مُحاولة لتصفية القائد الفلسطيني التاريخي… وأضافت تلك المصادر بأن الملك محمد السادس، وهو يُشهر شارة “كلنا فلسطينيون”، طلب من كولن باول بأن عليه أن يزور عرفات في رام الله، وعليه أن يعمل على تفعيل قرار مجلس الأمن بالانسحاب الإسرائيلي…
بعد 22 سنة، سيقول الملك محمد السادس لإسرائيل وللعالم “بأننا فلسطينيون”، باسم الشعب المغربي… عبر المساعدات الغذائية التي أمر بها للشعب الفلسطيني… وعبر مساهمته الشخصية في تلك المبادرة التضامنية، الإنسانية والسياسية، وسيقول بأنه هو “فلسطيني”، مبدئيا، عاطفيا وسياسيا…
ومن قوة تلك المبادرة المغربية أن بدأت تُنتج مفعول المثال وملموسية الإمكان… وأوّل الغيث جاء من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن الخميس الماضي عن قراره بالضغط على إسرائيل من أجل فتح المجال، البري، للمساعدات ومن عدة معابر… ما يسمح بتوقُّع أن ترفع دول عربية أخرى، وخاصة تلك المرتبطة بعلاقات مع إسرائيل، ضغطها لتحوُّل نوعي في توفير المساعدات للشعب الفلسطيني… وهو التحرك الذي قد يوصل إلى هدنة مؤقتة لعلها تُفضي إلى وقف إطلاق النار…
بذلك سيكون للمبادرة المغربية، فضلا على أثرها الإنساني، مفعول سياسي، يفتح معبرا إلى “اليوم الأول” بعد وقف العدوان… يوم أول يكون مفتوحا على غَدٍ آخر مشرقٍ في أفق عدالة القضية الفلسطينية…