انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

ليلة “كذب أبيض” في سويسرا

بسمة نسائية/ ثقافة وفنون

بولي/ سويسرا/ نزار الفراوي/ ومع

يتضخم الشعور بالأشياء حين نهوي في فراغ المسافة، تتوحش التفاصيل الموصولة بخيط الإحالة الى البلاد وناسها حين نكون عالقين في مكان طارئ، مهما كانت حفاوته. فعل التلقي شديد الحساسية تجاه أبعاد الزمن والمكان.

لعل ذلك ما حملني في مساء رمضاني بارد على ركوب قطار يقل العائدين الى بيوتهم في نهاية يوم عمل، لأكون في موعد العرض ببلدة صغيرة ضاحية لوزان…، أفخم وأعلى بناياتها مسرح بلدي.

كل مشهد يرحل بالعابر الى ترابه، كل صوت، صورة، إيماءة… تسحبه الى ذاكرته في موطنه الأثير الذي تعلم فيه أبجدية العالم، فما بالك إذا انسدل الجينيريك بأغنية لناس الغيوان، الحالة التي تلخص بجبروتها سيرة الأمة وأبنائها.

في غسق دار السينما الصغيرة والدافئة، تزم العجوز السويسرية شفتيها المرتجفتين وهي تحدق في لغة كونية عن الألم والحب والسلطة والذكريات في بلاد لا تعرفها. تهمس فتاة في أذن رفيقتها عبارات إعجاب بالمخرجة المغربية الشابة التي صعدت الى المنصة. لعلها خالفت ما شب في ذهنها من صورة نمطية عن البشر القاطنين تحت الخط الفاصل بين الشمال والجنوب.

حلت أسماء المدير امرأة حرة وذكية ومثقفة لتشاطرهم حكاياها المضفورة في نسيج الشخصي العائلي والمجتمعي العام. أعجبك الفيلم سيدتي؟ ردت علي العجوز بحماس: جدا، تعلمت الكثير عن هذا البلد. ذلك لأن الفن الحقيقي نسيج ينتج المعرفة في منعطفات الحكاية. ذلك رهانه، وتلك خطورته.

ولأنه مقيم حاليا بسويسرا، بصفته مدير مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء، كان للصحافي والكاتب والصديق نزار فرصة مشاهدة فيلم “كذب أبيض” للمخرجة الرائعة أسماء المدير، فكتب بكثير من الحب والحنين والفخر ببلده المغرب وبالمخرجة المغربية وبفيلمها، هذه التدوينة على صفحته بالفايسبوك، قبل أن ينشر رابط متابعته لهذا الخبر السينمائي على موقع لاماب.

“كذب أبيض” القوة الناعمة

كانت ليلة “كذب أبيض” يضمر حقائق أغوارنا، ويمنحنا في ذات الآن فخرا جماعيا بالقدرة على أن نحرر لغتنا، بالصورة قبل الكلام. الفن الحقيقي..يا له من ” قوة ناعمة”. لا وزن لأمة بلا سردية تخاطب العالم بلغة نفاثة تمر عبر البصر والبصيرة…

قدمت المخرجة المغربية أسماء المدير، أول أمس، فيلمها الطويل “كذب أبيض”، بمدينة بولي (ضاحية لوزان)، أمام جمهور سويسري من مختلف الشرائح، بدا شغوفا لاكتشاف تجربة سينمائية فريدة ومن خلالها، نسيجا اجتماعيا وثقافيا مغايرا.

محطة أخرى في مسار فيلم قدر له أن يسافر في رحلة عابرة للقارات، مسابقا صدى تتويجه الوطني والدولي، ومراكما زخما متجددا على مستوى التلقي في تفاعل مع حساسيات مختلفة وإن توحدت المشاعر الإنسانية تجاه لغة القلب التي تجعل العمل الفني الحقيقي ابتهالا كونيا.

وجاء عرض “كذب أبيض” في إطار برمجة باقة مختارة من الأعمال التي حققت نجاحا متميزا، خصوصا خلال الدورة السابقة لمهرجان كان، يتاح للجمهور السويسري مشاهدتها خلال الشهر الجاري في أفق اكتشاف محكيات سينمائية مختلفة الروافد، وضمنها أفلام عربية من قبيل “إن شاء الله ولد” للأردني أمجد الرشيد و”وداعا جوليا” للسوداني محمد كردفاني.

فيلم حميم وشخصي. حفريات دؤوبة في الذاكرة الشخصية والعائلية للمخرجة تسائل طفولتها في حي شعبي بالدار البيضاء، لكنها تتواشج وتحيل إلى سياق مجتمعي وسياسي أشمل لمغرب الثمانينات. بدا الفيلم في مزيجه الوثائقي/المتخيل أشبه بورشة لتحرير الكلام في بيت فرضت عليه الجدة قانون الصمت.

طموح فني وتقني كبير أن تسعى أسماء المدير إلى إعادة تشكيل حيها من خلال ماكيت تدب فيه الحياة عبر مجسمات مصغرة للبيوت وتماثيل منمنمة للساكنة، يصنعها يدويا والد أسماء بمساعدة باقي أفراد الأسرة والجوار. تقول هذه التماثيل أحيانا ما لا تستطيع الشخصيات الحقيقية الإفصاح عنه من محظور يجثم على القلوب منذ أحداث 1981 التي قضت فيها الشابة فاطمة وصولا إلى إقامة مقابر فردية للضحايا في إطار عمل هيأة الانصاف والمصالحة. ولأن أبطال الفيلم هم أصحاب الحكاية الحقيقيون من عائلة أسماء المدير، كان على هذه الأخيرة أن ترفع تحدي إدارة فنية من نوع خاص، صبورة ومتربصة لاقتناص ما يخدم البنية الدرامية بدرجة أعلى من الصدقية والتلقائية.

سيكون على الجدة أن تنفلت من رهاب الصمت وتجازف بالحديث وتنصت للآخرين أيضا وهم يتحدثون بعد أن ظلت تطارد الصور في البيت وتمنع أي وصل بالذاكرة. على مدى عشر سنوات من مشروع سينمائي كبير في فضاء درامي/مختبر من أمتار معدودة، أدارت أسماء المدير بحرفية ودقة لعبة خطرة وهشة للتذكر والبوح والمكاشفة من أجل تصفية حساب ناعمة مع الماضي دون تفجير البنية الأسرية التي يضمها حب غير مصرح به.

في “كذب أبيض” تترسخ بصمات من رؤية فنية شديدة الحساسية والاحتفاء بالتفاصيل الحميمية كانت قد تفتقت في تعاقب بعض أفلامها القصيرة مثل “ألوان الصمت” و”دوار السوليما” و”جمعة مباركة”. تنجذب أسماء أساسا إلى المواضيع القريبة منها، من منطلق تجربة وجدانية مباشرة. وقد كشفت أن مشروعها القادم الذي يوجد قيد الكتابة لن يخرج عن هذا الإطار. سيكون فيلما روائيا عن واقع تعرفه.

في تصريحها لوكالة المغرب العربي للأنباء، لا تخفي “آن ديلسيت”، المبرمجة السينمائية، التي قدمت الفيلم للجمهور السويسري، بعد تجربة سابقة مع الفيلم الوثائقي “بطاقة بريدية” لنفس المخرجة، أن “كذب أبيض” شكل صدمة جمالية بالنسبة لها، وهي التي تابعت مسار تطوير المشروع وصولا إلى تتويجه في مهرجانات دولية، بما فيها مهرجان مراكش وكان، وتأهله للقائمة القصيرة في مسابقة الأوسكار.

تقول “آن” التي تعمل في مجال البرمجة لدى المهرجان الدولي للفيلم بمراكش ومهرجان “رؤى من الواقع” بمدينة نيون السويسرية أن الفيلم ينطوي على “قوة هائلة تنبعث من الشكل والمضمون على حد سواء. نسيج درامي مزدوج يتناغم فيه التاريخ الشخصي والعام.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا