من فريد الأطرش إلى عبد الحليم حافظ..!

سلسلة حلقات تكتبها: هاديا سعيد*
الحلقة الثانية
لا أدري إذا كان البعض يتفق معي حول رؤيتنا المختلفة للفنان عن بعد وعن قرب. ربما يفقد النجم أو النجمة بريقه حين نراه يتصرف كإنسان عادي بعيدا عن الأضواء والإعجاب، وربما يتصاعد شعورنا بهالة الأهمية حوله للوهلة الأولى ليتراجع ذلك الشعور مع الوقت فيصبح الحديث معه أو السؤال أو حتى الملاحظة جسرا يؤكد أهمية من نوع آخر، تكشف لنا جوانب حقيقية وإنسانية وبعض من طباع وعادات ومزاج وهو ما اختبرته مع السنوات وفي مواقف جعلتني ألتقي بنجوم كبار في عوالم الفن والأدب والثقافة والعمل الإنساني وأحيانا السياسة رغم كراهيتي لها بشكلها المباشر..
هذه المقدمة هي خلاصة ما خرجت به من لقاءات أولى مع الفنان فريد الأطرش. فقد كان نجما يجتمع حوله نجوم المجتمع بتنوعه وجغرافياته وتواريخه. أمراء ووزراء وساسة وديبلوماسيون وسيدات مجتمع وشعراء وكتاب وأهل صحافة بمختلف ميولهم ومستوياتهم. أجد نفسي أقول كل هذا الآن، بعد أن مضى قطار العمر فيما تلمع في الذاكرة فلاشات لقطات اللقاء الأول والثاني والثالث..
صوت سكرتيرته السيدة دنيز جبور و وجهها المنير وابتسامتها الطفلة. سيارة الأستاذ. أو (فري) من المقربين. اللقاء الأول وأنا اصل مخبئة اضطرابي وخجلي بخطوات واثقة مفتعلة ورأس مرفوع بنصيحة من أمي. أيضا كنت أشعر بدونية مهنية في مجال الصحافة الفنية. كنت أتابع الأدب أكثر من الفن، ولم أكن من جمهور فريد الأطرش لكني كنت أحب بعض أغنياته أو بالأصح ألحانه. ومنها فيلم “لحن الخلود” الذي لم نشاهده إلا بعد سنوات من إنتاجه حين عرض في دار سينما افتتحت في منطقتنا السكنية أيام الطفولة.
كنا لا نتجاوز العاشرة من العمر وأتشاجر وابنة عمتي حول من تريد أن يصبح اسمها وفاء أو سناء وهما اسمي بطلتي الفيلم فاتن حمامة وماجدة! ..
ضحك طويلا فريد الأطرش وأنا أشير إلى تلك الذكرى وأنتظر أن يروي لنا مذكراته مع بطلات أفلامه ويصحح شائعات. أذكر سؤالا خجلت بعد طرحي له واعتذرت منه كالأطفال.. لكنه أمسك بيدي قائلا بنبرة صدق أدركتها مع الزمن : “أنا أحب الناس اللي تصدقني ولا تتملقني. وأنت عارفة إحنا محاطين بالغش والنفعية والتجارة حتى بنا كبشر..” ( ربما قال هذه المعاني بكلمات أخرى لم أعد أذكرها تماما)..
كان سؤالي هل يرى نفسه ممثلا جيدا؟! بالطبع لا علاقة بالسؤال بمذكرات الموسيقار الكبير الذي خلد بصماته في تطوير اللحن العربي بأصالة نادرة وتطبيع عصري يعيد إليها الأجيال الجديدة. كنت حينها وأنا على عتبات عمر العشرينات من عشاق أغاني عبد الحليم حافظ. عشاق أغنية”جواب” وفيلم “أيامنا الحلوة”. وهو أول فيلم للعندليب الذي أظهر حليم الممثل بتلقائية مدهشة في أوانها ومحببة. لكني أكتشف من اللقاء الأول معه والذي تحدد بساعتين ثم امتد إلى يوم كامل أني أمام شخصية نادرة وخاصة جدا ومميزة. اكتشف من جديد فريد الأطرش الذي كنت أراه على الشاشة ولا أعجب بأدائه! خاصة حين يتطلب المشهد أن يحزن أو يزعل. لكني أراه الآن في قصره الشامخ الذي يشبهه بأصالته ومعاصرته يستقبلني بحفاوة أهل البلد وهيبة الأمراء. نتفق بسرعة وتلقائية على الدردشة كما يسميها والثقة من الطرفين. كان صديقا حميما لمديري تلك الصداقة التي فتحت أمامي أبوابًا لم تكن تعنيني لكنها أوصلتني إلى مواقف وإضافات في تجربتي الحياتية والمهنية على السواء/ يتبع
* روائية وإعلامية مديرة تحرير سابقا لمجلة ” سيدتي” العربية