بورتريه

سميرة مغداد …قلم أنيق خط مسارا متفردا يعنى بقضايا واهتمامات المرأة

فاطمة الزهراء الراجي

بنبرة تشي بكثير من الشجن والحنين إلى ماضي البدايات الأولى، وبهدوء لا يخلو من حماسة وشغف وسمت المولعين بصاحبة الجلالة، تتفتق ملامح تجربة صحفية تختزل مسارا متفردا يعنى بقضايا واهتمامات المرأة.
هي سميرة مغداد، الصحفية وأحد الأقلام الأنيقة التي عملت بجد وتفان، وبذات القدر من عنفوان وعزيمة الشباب الذي ميز بداياتها مستهل التسعينيات، لخدمة قضايا المجتمع والمرأة بشكل خاص، ولإعلاء صوت الفئات المهمشة.
بيد أن من يعاين تعلقها بالمهنة وسعيها الحثيث للتألق وتطوير الذات، يكاد لا يصدق أن ولوجها إلى رحاب صاحبة الجلالة كان بالصدفة، “فبالرغم من أن الكتابة كانت لصيقة بي منذ الصغر”، تقول سميرة في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، “جعلتها متنفسا للبوح ووسيلة لإغناء الروح والخيال، إلا أن ولوجي إلى عالم الصحافة كان وليد الصدفة، بحكم تخصصي العلمي وحلمي بدراسة الطب، واقتفاء أثر إحدى قريباتي التي كانت نموذجا يشع نجاحا على الصعيدين المهني والعائلي”.
تواصل الحديث عن ذات “الصدفة أو ربما القدر الذي قادني إلى ولوج المعهد بعد اجتيازي للمباراة، التي كدت أتخلف عن موعدها لولا إصرار والدتي ومحاباتها لي في طموحي، بمقابل رفض والدي الذي آثر دراستي للحقوق حينذاك”، مضيفة أنه “سرعان ما بدأت أتأثر بما تسرده إحدى جاراتي التي امتهنت الصحافة على مسامعي، عن غنى وتنوع وزخم التجارب المهنية بالعاصمة الرباط، كنبض كان وسيظل السمة الأبرز لصاحبة الجلالة”.
في آخر سنوات الدراسة بمعهد الصحافة بالرباط، تسترسل سميرة وشرارة ذكريات الماضي تشع دفعة واحدة من عينيها، “تعرفت على الأستاذ طلحة جبريل في إحدى الدورات التكوينية، وفتح لي الباب حينها للتعاون مع جريدة الشرق الأوسط، قبل أن ألتحق بها مباشرة بعد التخرج، أتأبط حلم تطوير الذات والتميز في مجال يسترعي التضحية والبذل والإصرار”.
“بعد الشرق الأوسط التجربة التي تدرجت في رحابها بين مختلف الأقسام”، تضيف مغداد “كتبت في الاقتصاد والسياسة والمنوعات، وخبرت كل تفاصيل التغطية والإخبار والترقب وشغف السبق اللصيق بالمهنة، قبل أن أخوض غمار تجربة لا تقل ثراء وتفردا مع مجلة سيدتي سنة 1993، حينها بدأ ولعي بالثيمات الاجتماعية والثقافية ينمو ويبرز أكثر فأكثر”.
وبين ثنايا بوحها عن الصدفة والحلم ورهبة البدايات، عرجت سميرة بالحديث عن تجربة شخصية كادت تعصف بآمالها وأحلامها التي بدأت تنسجها بعناية حينذاك، هذه التجربة تؤكد سميرة “كانت على الأرجح نتاج عادات وتقاليد المجتمع المغربي والتي غالبا ما قيد المرأة بالمهام الأسرية والزوجية في منأى عن أي تميز مهني أو دراسي”، وتضيف “قاومت كثيرا للاستمرار في المجال والمهنة التي كانت بمثابة العزاء والضماد على جرح كاد يفقدني كامل قواي، وجعلتني أتحدى نفسي وأكتشف مكامن القوة في شخصي، خاصة من خلال العلاقات وتجارب الآخرين التي تجعلك تنفتح على عوالم أخرى أكثر شساعة”.
هذه التجربة التي شكلت شعلة اهتدت بها سميرة طوال مسارها المهني الزاخر، لتصير صوت المرأة في بداية تسعينيات القرن الماضي، شكلت أيضا تحديا كان العنوان الأبرز لكل خطوة تخطوها في المجال “فذاك النموذج الناجح لصحفية توازي بين مهنتها وموقعها كأنثى وزوجة وابنة تنتمي لأسرة محافظة، في وسط ذكوري يغلي بالتناقضات، كان مسعاي وهاجسي الأكبر، هذا بالإضافة بعض الأحكام المغلوطة التي كانت لصيقة بالمرأة الصحفية آنذاك”، مشيرة إلى أن “الخوف من الخروج عن الصورة التي رسمها لي والدي أضاعت علي الكثير من الفرص”.
ولسميرة التي خبرت دروب العمل الصحفي لما يفوق عقدين من الزمن، محطات مضيئة في مسارها المهني، لعل أبرزها كما تؤكد “التفرد بمحاورة أميرات القصر، خاصة الأميرة لالة مريم التي لم تدل بعد الحوارين اللذين أجريتهما معها بأي حوارات مع الصحافة، إضافة إلى الأميرة لالة أمينة، والأميرة لالة فاطمة الزهراء، وأميرة البيئة لالة حسناء، والأميرة فضيلة زوجة الملك فاروق، ذاك الشرف وسم فترة ذهبية من مسيرتي المهنية مع مجلة سيدتي”.
محطة مضيئة أخرى، حسب سميرة كانت ما عرف بقضية “الكوميسير ثابت”، الذي كان انفرادا صحفيا بكل المقاييس، ساهمت من خلاله المجلة في إنارة جوانب مبهمة من حياة العقيد ثابت وعائلته، مؤكدة أن سمعة المجلة أكسبتها ثقة القراء كما المسؤولين، كيف لا وهي أول منبر اقتحم غياهب عالم السجون من خلال حوارات مؤثرة، هو الحوار ذاك الجنس الصحفي الذي شغفها وغير نظرتها وتمثلها للعالم.
يتواصل البوح وتكشف سميرة أن “الحوار”، كان وسيظل الأقرب إلى قلبها في العمل الصحفي، فتلك الثقة التي تنبثق من بين تلابيب الحديث إلى المحاور للوهلة الأولى، “كانت سلاحي للغوص في ثنايا تجارب إنسانية واجتماعية عديدة، لدى المشاهير كما البسطاء، فلم أخجل من عبراتي التي انسابت في الكثير من الأحيان تأثرا بقصص نساء وتجارب خبرت الفقد والضعف والحاجة، كما اشتغلت في العمل الجمعوي وتابعت بعض الحالات، وساهمت بمعية زملائي في المجلة في دعم كثير منها، خاصة تلك التي كانت تتصدر الغلاف.

هذا الشغف والعنفوان والحس الإنساني الذي ربما ميز الصحافة عن سائر المهن فيما مضى، بات اليوم حسب سميرة، رهين واقع تطبعه منافسة لامتناهية ومعلن يلهث وراء الإثارة ونسب المشاهد والقراءة العالية، جازمة أن المنبر الإعلامي مقاولة في نهاية المطاف، وجب التوفيق من خلالها بين المهنية والربح والمتطلبات السوق، والإبداع والبذل في حدود ما هو ممكن ومتاح.
وللمرأة الإعلامية تقول سميرة “اسعي وراء سعادتك في كنف مهنة المتاعب، رغم الضغوطات والمعيقات اللامتناهية”، فأنت “مطالبة أكثر من نظرائك الرجال بتطوير الذات وخلق التميز في غير ارتهان بما يتمخض عن النظرة الدونية الإقصائية، وأن تخلقي، بقليل من التضحية والتسامح سعادتك من المهنة التي، “وجدت من خلالها أسئلة لأجوبة داخلية، وتحديت عبرها صعابا هي في واقع الأمر حواجز نفسية ومجتمعية تعنيني شخصيا قبل الحالات والمواضيع التي ألفت الاشتغال عليها”.
وعن النساء اللائي تركن أثرا في وجدانها، تحدثت سميرة، إلى جانب إحدى قريباتها وهي زوجة عمها التي كانت من أوائل السيدات اللواتي امتهن الطب، وكرسن نموذج السيدة القوية الناجحة على صعيد المهنة والمهام الأسرية، عن البطلة نوال المتوكل التي شكل مسارها مصدر إلهام وقوة بالنسبة إليها، ثم فاطمة المرنيسي تلك التركيبة الفريدة التي توازي بين القوة والحس الفني المرهف، وسميرة بناني والكاتبة هاديا سعيد التي “ساعدتني كثيرا في البدايات”.
وعن أحلامها، تقول سميرة “أعيش كطفلة أتمتع بالمهنة، أذرع الصعاب وأصر على اكتساب الجديد في كل مرة، كسبت سمعة طيبة في الوسط بفضل جهدي ومثابرتي، وخلقت توازنا بين الطموح والحواجز التي واجهتها في السابق، وأحلم بأن أصدر كتابا خاصا بي وأن أؤسس مقاولة أستثمر فيها كل ما تعلمته طوال 26 سنة”.
أما عن ثامن مارس فتؤكد ألا ضير في الالتفات لتجارب متميزة منها ما انبثق من رحم المعاناة، ومنها ما يحتاج مزيدا من الدفع، ومنها ما يكفيه اعتذار رقيق عن التغافل المجحف، خاصة في المجال الإعلامي الذي لا يأتي فيه التميز جزافا، حيث تجد الأنثى كما الذكر نفسيهما مطالبين بالبذل والتضحية للبروز بشكل أكبر.
هكذا توقع سميرة مغداد من خلال مسارها الزاخر بالتجارب المهنية والإنسانية، قصة نجاح كانت ثمرة جهد وبذل لامتناه في رحاب السلطة الرابعة المشروطة بالتحقق والتحري والأمانة، وربما إشراقة أمل لنساء يعانين ويتحملن الصعاب دون كلل ولا تأوه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى