تحية كاريوكا راقصة بدرجة مناضلة “أم اليسار”….

بسمة نسائية/ امرأة وقضية/ بورتريه
*عزيزة حلاق
الجميع يعرف تحية كاريوكا كفنانة مصرية ممثلة وراقصة اشتهرت كامرأة حطمت رقم قياسي في الزواج. هي التي صرحت ذات يوم بأنها تزوجت 13 مرة لا تتذكّر منهم سوى سبعة أزواج….
لكن، قلة من يعرف الوجه الآخر للسيدة بدوية، اسمها الحقيقي، التي عاشت مناضلة سياسية حاملة لقضية. فأثارت الاعجاب لمواقفها الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي. واعتقلت وزج بها في السجن، رغم ذلك، ظلت وفية لقناعاتها اليسارية طيلة حياتها. كان اسمها الحركي عباس ولقبت ب”أم اليسار”.
تعتبر تحية كاريوكا أكثر الفنانات المصريات إثارة للجدل، فهذه السيدة التي لم تلق حظها من التعليم، يعتبرها إدوارد سعيد النموذج الذي يسترعي الانتباه ويدفعك للكتابة عنه. فهذه الراقصة التي تربت في مدرسة بديعة مصابني، أمضت في سجون عبد الناصر 100 يوم بتهمة الانضمام لمنظمة محظورة،.
دخلت تحية كاريوكا، عالم السياسة والنضال وانضمت لحركة السلام بعد انتصارات الإتحاد السوفيتي في “ستالينجراد 1942 “، وبعدها بثلاث أشهر وجدت البوليس يكسر باب شقتها ليجدوا بعض المنشورات فجرى اقتادوها للسجن لأول مرة في حياتها لشهور عديدة. دافعت عن السجناء وطالبت بوقف التعذيب للنساء واليساريين وأقامت نشاطا لمحو الأمية في السجن. ثم اتخذت لها إسما حركيا بإسم (عباس). هاجمت نظام الضباط الأحرار وقالت: أن نظام عبد الناصر لا يختلف عن أداء الملك فاروق، ثم أطلقت قولتها الشهيرة عن الضباط الأحرار: (ذهب فاروق وجاء فواريق).
هاجمت الوفد الإسرائيلي في مهرجان كان السينمائي ووبخت الممثلة الشهيرة ( ريتا هيوارت ) حين امتدحت هذه الأخيرة إسرائيل وأسمعتها بلغة إنجليزية بلكنة مصرية، كلاما جارحا وشتما وسبابا مما اضطرت معه ريتا للهروب من المحفل، وقيل وقتها إنها ضربتها ب”الشبشب”.
وتعود تفاصيل القصة، إلى سنة 1952، حين رشح فيلم “شباب امرأة” لتمثيل مصر في مهرجان كان الفرنسي، وذهب أبطال الفيلم والمخرج، تتقدمهم تحية كاريوكا وشكري سرحان وصلاح أبو سيف. في البداية لم يُعجب تحية كاريوكا، اهتمام المهرجان بالممثلين الآخرين وتجاهلهم. فأصرت علي أن تقف علي السجادة الحمراء بزي (الملاية اللف).
وبالفعل خطفت الأنظار من كل نجوم العالم السينمائيين. وفي حفل العشاء سمعت تحية كاريوكا نجمة هوليوود ” هيوارث”، تحدث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتصف العرب بأنهم حيوانات متوحشة. شعرت تحية بالإهانة، فما كان منها إلا أن قذفت بحذائها نحو سوزان هيوارث، لكنه أصاب بطريق الخطأ الممثل الأمريكي داني كاي. وعندما حاول الممثل داني كاي أن يدافع عن زميلته، تلقى صفعة قوية على وجهه من يد تحية كاريوكا. وتصدرت هذه الواقعة العناوين الرئيسية في جميع أنحاء العالم. وعززت من سمعة تحية كاريوكا كامرأة ذات شخصية قوية ومتمردة وصاحبة موقف.
ثم بعدها أسست جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم ذوي الميول الصهيونية. وحين التقت بالشاعر اليساري الشيوعي (نجيب سرور) كتبت له عن قائمة بأسماء اليساريين المعدمين الفقراء ومن هم في السجون وأهدتهم المال الكثير وخصصت كل شهر هدية مالية لهم ولذلك لقبت ب(أم اليسار).
يقول الكاتب المصري الشهير (سليمان شفيق) كلما التقي بها كانت تحكي لي عن انضمامها للشيوعية ويقول قبل زواجي اصطحبتني لمحل واشترت لي بدلة العرس مع مظروف يحتوي على مئتي جنيه وفعلتها مع الكثيرين فيقول هذه هي “أم اليسار” بمصر. وحينما جاء المفكر اليساري (ادوار سعيد) الى مصر ليلقي محاضرته، التقى بها وبعد مغادرته لها قال لرفاقه (هذه السيدة أعظم من الفنانة الكبيرة البريطانية ( ريدجريف ). وذات يوم رأت الملك فاروق في كازينو “الأوبرج” وقالت له بسخرية عالية (مكانك ليس هنا يا جلالة الملك، بل على العرش في القصر) وابتسم الملك بحرج وغادر المكان. ساعدت الفدائيين عام 1948 واستخدمت منزل أختها مريم لتخزين السلاح بنفسها وبسيارتها الخاصة. أيدت مظاهرات الطلبة في السبعينيات ودعمتهم ماديا.
يقول عنها الكاتب (طارق الشناوي) من أنها ظلّت تمارس حياتها السياسية كيسارية حتى مماتها وهي الفنانة الوحيدة التي أضربت عن الطعام 1988 ولم يوقفها عن اضرابها سوى تدخل ( حسني مبارك ) الذي اتصل بها في مقر اعتصام الفنانين قائلا: (عايزة يقولوا ياست تحية انك عشت تاكلين في زمن فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتي جوعانة في عهد مبارك ).
تنقل ابنة أختها الفنانة الراحلة (رجاء الجداوي) كيف كانت خالتها في خضم خصومها مع السياسيين كيسارية صلبة عنيدة. أما الفنان والنجم رشدي أباظة ( زوج سابق لتحية)، فاعترف في أكثر من مناسبة، أنه لم يحب في حياته حبا حقيقيا سوى (تحية كاريوكا) .
وتبقى تحية كاريوكا علامة متفردة في تاريخ الفن العربي المعاصر وفي العمل السياسي والنضالي لما يقارب 65 عاماً، امضتها في التمثيل والرقص الشرقي، والدفاع عن قضية المستضعفين والكرامة الإنسانية.
وفي يوم 20 شتنبر 1999 رحلت في صمت، هي التي لم تألف هذا الصمت في حياتها.