أمينة الصيباري: أنا امرأة احتفظت بطفولتها كاملة..
السخرية هي الطريقة الأكثر أناقة لممارسة فعل النقد

بسمة نسائية/ أصواتهن/ حوار
عزيزة حلاق
*الكتابة تشبه الطبخ. يمكنك أن تعطي نفس العناصر لأشخاص مختلفين ليعدوا نفس الوصفة، لكن يأتي المذاق مختلفا لأن لمسة كل طباخ تختلف..
*أمينة الصيباري، اسم مشرق في عالم الكتابة وواعد في الإبداع الأدبي النسائي، قصراوية المنشأ، تجمع بين الجد والمرح، تكتب باحترافية وبراعة، تعبر بحر الكتابة بسخرية فنية، لها أسلوب خاص بها، لها قدرة على تطويع اللغة وتفكيك أقوال فلسفية كما الأمثال الشعبية، بأسلوب يفهمه الجميع و يتذوقه الجميع، ويستفيد منه الجميع. تبني إبداعاتها الماتعة (يظهر ذلك في الشعر والرواية ومجمل كتاباتها) باحترافية تشي بالتأمل والتفكر والتذوق والاستمتاع بمتعة السرد الأدبي الفني الراقي والبديع.
تبرز شخصيتها أكثر في تدويناتها الساخرة/ الساحرة والعميقة، تكتبها بعفوية وجمالية تعكس طبيعتها البسيطة..
*نرحب بك ضيفة في “بسمة نسائية” كصديقة عزيزة ومبدعة متميزة
-أشكرك على الاستضافة الصديقة عزيزة وسعيدة بحواري معك في مجلة تحمل اسم ابنتي بسمة.
*سؤالي الأول، لو عدت بك إلى الوراء، إلى أيام الطفولة، ما هي المشاهد أو الأحداث التي تستحضرينها، والتي ترسخت في الذاكرة، وتعتبرين أنها ربما ساهمت في تكوين شخصيتك؟
-الطفولة بالنسبة لي هي بيتنا العتيق بحي الشريعة ودروب القصر الكبير الضيقة التي كنت أجوبها للبحث عن أضيق زقاق. في بيتنا كانت تجتمع نساء من أعمار مختلفة أكبرهن عمة أبي والتي تقطن بقربنا وتقضي اليوم كله معنا. امرأة عبر ت القرن العشرين بأريحية، كانت مميزة جدا لأنها تضبط تاريخ المدينة والأحداث القديمة. امرأة بشخصية قوية كما أغلبية نساء العائلة. أصغر النساء كانت أمي. امرأة تنحدر من الجبل، بسيطة تختصر الحياة بأكملها في العناية بالبيت والأطفال.
*بعد الطفولة، نستحضر معك أهم محطات حياتك وماذا تركت فيك وماذا تعني لك كل من هذه المحطات؟
– المراهقة: المراهقة بالنسبة لي كانت طفولة ممتدة. ربما تغير فيها شكلي وطريقة لباسي لكن شغبي الطفولي بقي حاضرا وهاجس التوقف عن الدراسة لأي سبب كان يؤرقني. لذلك لم أغامر يوما بدراستي لأني كنت مقتنعة أنها الضمانة الوحيدة للحرية، في أسرة تقليدية ومدينة محافظة.
– مرحلة الدراسة الجامعية: بعد الباكالوريا، التحقت بالمركز التربوي الجهوي بالقنيطرة بشعبة الفرنسية ووجدتني طالبة أستاذة في سن الثامنة عشرة. كانت تجربة غنية لكنها تجربة نضج قبل الأوان. التحقت بالجامعة سنوات بعد ذلك حين اشتغلت ببني ملال لأن هاجس إكمال الدراسة بقي حاضرا لدي فحصلت على الإجازة في اللغة الفرنسية والتحقت بسلك الماستر في اللغات والترجمة. بعد السنة الأولى نجحت في امتحان الولوج لمركز المفتشين بالرباط ودرست به لمدة سنتين وبالتزامن مع ذلك أكملت السنة الثانية في سلك الماستر.
-الزواج: تزوجت بطريقة تقليدية وكانت شروطي بسيطة جدا. أولا، أن أكمل دراستي. ثانيا أن أتمكن في مؤسسة الزواج من تحقيق ذاتي بحرية وهذا ما حدث.
-الأمومة: الأمومة بالنسبة لي كانت حدثا رائعا، خصوصا حين أتت بسمة ومنحتني هدية ثمينة: أن استعيد طفولتي معها، وأن أتجاوز كل ما كان يزعجني كطفلة أو كمراهقة في منظومة التربية التقليدية. قلت مع نفسي. سأربي هذه الطفلة لتكون كما تريد وسأعفيها من تعلم كل انواع الطرز والأشغال المنزلية التي كنت مضطرة لتعلمها في سن مبكر، في وقت كان يفترض أن يكون الوقت للمطالعة أو لممارسة هواية ما.
*أي المراحل أقرب إلى أمينة الانسانة…؟
– أنا امرأة احتفظت بطفولتها كاملة، رغم تحملي مسؤولية العمل والزواج في سن مبكرة نسبيا بالنسبة لبنات جيلي. الطفلة في غالبا ما تنقذ المرأة من مطبات عديدة، الطفولة هي ما تجعلني أقبل على الحياة بنظرة صقيلة كل يوم، هي ما تجعلني قادرة على مواجهة ضراوة الحياة.
*بالنسبة للكتابة متى بدأت؟
– كانت لدي محاولات في الكتابة في فترة المراهقة لكنها لم تكن مقنعة، لذلك خصصت الحيز الأكبر للقراءة. كنت أقرأ بنهم كبير في عز انشغالاتي كزوجة أو كأم بطفلين رضيعين. أتذكر أني قضيت سنوات لا أشاهد التلفاز وأخصص حوالي أربع ساعات مساء للمطالعة رغم كم الإنهاك طيلة النهار معتبرة أن الأمر واجبا مقدسا.
*من من الكتاب كان له تأثير عليك؟
– تأثرت كثيرا بأمين معلوف منذ أن قرأت له مبكرا رواية سمرقند بالفرنسية، تتابعت قراءاتي له بنفس الشغف. في العربية، كنت دوما معجبة بعبد الرحمان منيف.
*درست وتدرسين اللغة الفرنسية، لكنك تكتبين باللغة العربية ببراعة سردية حرفية،كيف استطعت تحقيق هذه المعادلة؟
– بحكم التخصص، كانت كل قراءاتي في البداية بالفرنسية، وكنت أجد صعوبة في التدخل باللغة العربية خصوصا لما انخرطت بالعمل الجمعوي، مما كان يزعجني فقررت أن أكثف من قراءاتي باللغة العربية وفعلا طورت طريقة تعبيري فيها وما زاد احتكاكي باللغة العربية هو الفايسبوك حين أصبحت أكتب بالعربية كل تدويناتي تقريبا.
* من أين لك بهذا الزخم في الكتابة وهذا الأسلوب الساخر الذكي في تدويناتك، الذي لا يشبهك فيه أحد؟
– أظن أن الكتابة الإبداعية حاجة، نحن نكتب لأننا نريد أن نفرغ حمولة تثقل الصدر وهي تمرين أيضا فكلما كتبنا كلما طورنا قدراتنا على التعبير الكتابي. والأسلوب هو الطريقة التي نشكل بها حروفنا قبل أن نقدمها للمتلقي وهنا تشبه الكتابة الطبخ. يمكنك أن تعطي نفس العناصر لأشخاص مختلفين ليعدوا نفس الوصفة، لكن يأتي المذاق مختلفا لأن لمسة كل طباخ تختلف. والسخرية بالنسبة لي هي روح الكتابة السردية خصوصا، السخرية هي الطريقة الأكثر أناقة لممارسة فعل النقد.
*بدايتك بمواقع التواصل الاجتماعي كيف كانت ومتى؟
– بدايتي بمواقع التواصل الاجتماعي جاءت صدفة صيف 2010 حين أنشأ لي ابني صفحة على الفايسبوك دون أن أطلب منه لأني لم أكن أهتم بالأمر. بحكم انخراطي بالعديد من الجمعيات آنذاك، أنشأنا مجموعات لنشر صور الأنشطة وطبعا أعدت ربط الاتصال بأصدقاء الطفولة والدراسة والعائلة وكل الذين فقدنا الاتصال بهم في دوامة الحياة.
*هل كان للفضاء الأزرق دور في استفزاز مواهبك في الكتابة؟
– أنا مدينة للفايسبوك بإجباري على تخصيص وقت للكتابة لأن نشاطي الزائد كان يحرمني من إيجاد وقت لمواجهة نفسي .الفايسبوك مكنني من ذلك. فبدأت أكتب بشكل منتظم وكان التلقي جميلا مما شجعني على الاستمرار.
*الجميل في تدويناتك أنها تخاطب كل الفئات وبأساليب مختلفة، مرة مثقفة وكاتبة أديبة وشاعرة، ومرة ربة بيت تطبخ وتقترح الشهيوات ومرة تحكي روتينها اليومي…الخ..
لدرجة أصبح متابعاتك ومتابعيك أيضا، ينتظرون اطلالتك الصباحية، ولو بكلمة ( صباحو الخاصة بك)، ويتساءلون إن غبت ولو ليوم واحد؟ ولا أخفيك أني واحدة من المعجبات بك أتابع بشغف قفشاتك اليومية…هل تشعرين بهذا التأثير الجميل الذي تتركه تدويناتك؟
– الفايسبوك ليس شاشة ومفاتيح للرقن وفأرة تساعد على التنقل، الفايسبوك سوق بشرية فيها أناس من مشارب مختلفة وعليك أن تجد لغة تستوعب هذا الخليط البشري بطريقة أو بأخرى ليتحقق التواصل كما في الواقع، بالتالي فالتلوينات اللغوية مطلوبة. أنا كائن ضوئي. أستيقظ باكرا ويكون مزاجي رائقا صباحا فأحب سماع الموسيقى وتقاسم تدوينات إيجابية أو منشطات لغوية مع الأصدقاء والصديقات. أعتبر هذه التحية الصباحية تلويحة بحار بعيد يخبر من على الشط أنه قادم.
*تطرحين أفكار ذكية وعميقة بأسلوب ساخر نفتقره للأسف في الأعمال التلفزية؟ هل فكرت خوض تجربة كتابة مسلسلات أو سيتكوم فكاهي هادف، عوض القصف التافه الذي ابتلينا به خاصة في رمضان؟
– في الحقيقة، طلب من العديد من الأصدقاء والصديقات في الميدان السينمائي والتلفزي أن أكتب سيناريوهات أو سكيتشات، لكني أتماطل في الأمر، ربما لم يحن الوقت بعد، أو أن هذا النوع من الكتابة يتطلب مجهودا آخر من أجل التسويق لست مستعدة له في الوقت الراهن.
*تكتبين الشعر والقصة وقبل أربع سنوات صدرت لك رواية جميلة “ليالي تماريت”، في مثل هذا الشهر يعني فبراير 2019، كيف جاءت هذه الخطوة نحو الرواية؟
– لطالما راودني حلم كتابة رواية حتى قبل أن أصدر أول ديوان شعري، لكن طبيعة حياتي والزخم في الأنشطة الذي كنت أعيشه حال دون ذلك لأن الكتابة تتطلب عزلة لم تكن متاحة لي. في 2015 قررت رغم كل الضغوطات أن أبدأ في كتابة رواية ل”يالي تماريت” مهما كلف الأمر. كان تحديا والتزاما، فكتبتها في فترات متقطعة، خلال العطل الصيفية وكلما أتيحت الفرصة.
*هل من رواية جديدة في الطريق؟
– لدي مشروع رواية جديدة لكن بعد فترة كورونا لم أعد أكتب بنفس اليسر وهذه الرواية تتطلب مجهودا توثيقيا لأنها تبدأ نهاية القرن التاسع عشر بالقصر الكبير وتحكي قصة جد أبي. أنا الآن بصدد جمع المادة التاريخية…
* ماذا يمثل الأدب في حياتك؟
الأدب هو ما يساعدنا على احتمال الحياة. الأدب اختزال للحيوات التي لم نعشها. الأدب هو ما يجعلنا نرتفع قليلا عن حيوانيتنا ونعانق الآدمية في أبعادها العميقة.
والسينما ؟ ، خاصة وأنك عضوة في الجامعة الدولية للأندية السينمائية” وأيضا مديرة لمهرجان سينمائي ” مهرجان للسينما والنقد” ببني ملال حيث تقيمين؟
– السينما نافذة تفتح من السماء تمنحنا فسحة الحلم، السفر، والهروب من ركاكة اليومي تعمدت أن لا أقول الرتابة لأن الرتابة تحمل قدرا من النظام والانسجام الذي يحفظ للجمالية ماء الوجه.
* اسم لرجل ألهمك؟
– زكرياء صابر، ابني.
*اسم امرأة ألهمتك؟
– المرحومة لالة حفيظة الصيباري، عمتي وأمي التي ربتني.
* حكمتك في الحياة؟
-ازرع بذرة خير فإن الأرض مهما كانت صلدة، لها ذاكرة.
* نود كلمة عن التملق والارتزاق الطاغي اليوم في الأدب والصحافة؟
– يمكن اعتبارها ظاهرة الآن، للأسف العديد من الأقلام الجيدة لا تلقى الاهتمام النقدي الذي يليق بها، في زمن تطبعه الشللية والمصالح وعنف مستتر ينتفي معه الحد الأدنى للأخلاق.
* ماذا تمثل التيمات التالية في نفسية أمينة؟
-السعادة: قرار شخصي
-الصداقة: أعظم رابطة بين البشر
-الحب: حافز لمواصلة الحياة
*كتبت مرة في احدى تدويناتك
أحب الحب صريحا والعداء صريحا …
لم يثرني يوما غموض المشاعر..لماذا؟
– لأني أمقت النفاق وأنصاف المواقف. بالنسبة لي الصراحة، مهما كانت صادمة تكون أفضل..