أرييييييييييييييييييييييييييييج ….رحلت
عزيزة حلاق
في أمسية شعرية استدعينا إليها، من قبل صديقنا وزميلنا محمد بلمو، كانت أريج هناك. تعانق والدتها، التي جلست وراء طاولة، رصت فوقها الدواوين المهيئة للبيع والتوقيع. كانت هناك الطفلة أريج، التي تصدرت صورتها غلاف الديوان، وخصصت مداخيله للتخفيف من ألمها..
كانت هناك، هي من يحمل القلم ويوقع بشخبطات البراءة، ديوان “رماد اليقين”.
أريج هي ابنة محمد بلمو أو بشكل أدق حفيدته ..ابنة ابنته بسيمة، هي الرضيعة التي أصيبت ولم تكمل شهرها السادس، بورم خبيث أسفل قدمها اليسرى. في البداية، ظنت أمها، أن الأمر لا يعدو أن يكون تورم أو دمل، يقيم لفترة ويرحل، لكنه للأسف استحلى المقام واستوطن وتسرطن، وحرم الصغيرة من الوقوف والمشي.
تورمت ساق أريج وتشوه شكلها، فتخلى الأب عنها وتنكر. وزاد من جحوده وطلق بسيمة، ووجدت نفسها تحمل عبئا ثقيلا، وتواجه قدرا أكبر منها بكثير..ولم يكن لها من معيل وسند غير والديها.
بدأت بسيمة معركتها مع علاج ابنتها من السرطان، هنا في المغرب، وظلت تتنقل بين المستشفيات والأطباء لمدة أخضعت خلالها أريج لمختلف التحاليل والأشعة إلى أن جاء التقرير/ الحسم، بما يفيد أن المرض وصل مراحله الأخيرة، و أن لا أمل غير بتر الساق، أو إجراء عملية في ألمانيا.
لم يكن الأمر بالهين، معنويا وماديا، فبادر بعض من أصدقاء الأسرة إلى إطلاق دعوة للمساعدة عبر فيديو مصور، وجدت صداها لدى جمعية ألمانية، تكفلت بحالة أريج ونقلتها إلى ألمانيا. مكثت هناك لأشهر، وعادت …لكن، بساق اصطناعية وبأدوية كيماوية نالت من جسدها البض..
حين رأيتها ذاك اليوم، كانت تتحرك بصعوبة في المشي، لكن بعناد بين ردهات المكتبة الوطنية حيث أقيم حفل التوقيع، تذهب وتجيء دون أن تبتعد كثيرا عن والدتها، التي تبدو تأثيرات ومضاعفات المرض على وحيدتها جلية على ملامحها.
أرييييييييج … كانت صرخة مكتومة أطلقها زميلنا بلمو هذا الصباح…. الطفلة أريج رحلت اليوم، بعد رحلة حياة قصيرة جدا، كانت قاسية.. قاومت خلالها صغيرتي وخضعت لمختلف أشكال العلاج والمراقبة، لتظل بيننا.
أعتذر منك صديقي بلمو.. لم أكن أعلم ما أصاب طفلتك، حتى رأيت صورتها على غلاف ديوانك “رماد اليقين”، ولم أفهم إلا حين قرأت على صفحته الأخيرة، تخصيص مداخيل الطبعة الثانية منه للتضامن مع أريج. وسألت ابنتك بسيمة، التي عرفتها منذ أن كانت في عمر أريج….فكانت الصدمة الأولى … واليوم رحلت…
أدرك صديقي بلمو أيها الشاعر الجميل قساوة الأمر عليك، وأدرك حجم معاناتك، وأعترف بعجزنا كلنا في مثل هذه الظروف على فعل شيء للتخفيف من ألم فراق من نحب، والأمر أقسى وأشد حين يتعلق الأمر، بطفلتك، قد تتساءل ما ذنبها؟ ..أهي الصدفة اللئيمة أم حظنا العاثر أم هو القدر حين يخبط خبطته العشواء؟
ماذا أقول لك..وقلبي يعتصر ألما … وتشتد الحرقة في نفسي أمام عجزنا..غير أنه لا خيار لنا رغم المرارات ورغم المعاناة.. سوى ترك الباب مفتوحا أو حتى مواربا في وجه الصبر والنسيان..
ماذا أقول لك اليوم وقد رحلت….تعطلت الكلمات …سأصرخ مثلك أرييييييييييييييييييييييج….
.
.