لا أريد سوى أن أنام…!!!!

عزيز لمسيح
يحتفي فرناندو بيسوا الشاعر الأزلي بالنوم باعتباره زمنا وجوديا مفارقا ، ظل يتوق إليه بكهنوتية تنير العتمات الخبيئة والمغاور السحيقة للروح البشرية المدلهمة بالعابر العرضي الفاني…
لم يكن هذا الولع بالنوم عجزا في الحياة أو عن الحياة…، بل على العكس من ذلك، عيشا كثيفا لها حد التخمة الوجودية…حد عجزها هي على مجاراة رؤيويته الشاهقة؛ المنفتحة على بدائل كينونات بكر …لم يمسسها من قبله أحد…ولا سبقه إليها خيال جامح كخياله الفتاك بالمعنى والزمن الأرضيين….
بعبارة دالة: إن نزوعه للصمت العالي…ورغبته في اختزال حركاته إلى الحد الأقصى؛ وتولهه وعشقه للنوم إنما جاء نتيجة لاستنزافه لهذه الحياة…! وتعبيرا عن أرستقراطية وجدانية متفجرة…ونبالة عاطفية مدججة بزلازل قلق طافح ، فاض عن روحه المزاجية المتسامية….
لقد عاش “بيسوا” أكثر من اللزوم….بلغ تخوما قصية لم يبلغها قبله إنس ولا جان…!! وأغوار تخييلية باطنية غير مألوفة جعلته ينتبه متأخرا إلى أنه لم يكن موجودا طيلة تلك الحياة التي كانها…! بل قادته تلك التجربة إلى لحظة اللاكينونة…” أنا لا أحد…!”…
توله هذا الشاعر البركاني وشغفه بالنوم هو في حقيقة الأمر رفض لشكل الحياة كما يعيشها سكانها الأرضيون، وتوق لكينونة بديلة تسمو إلى الكمال المفقود في هذه الأرض البئيسة بسبب استحالة العيش في الأحلام…
كان “بيسوا” يهفو لزمن آخر لأن الحياة “هنا” قذرة وغير عادلة ؛ تسحق الغرباء والشعراء …وينتصر فيها الأنذال والجبابرة .!!!
أنا بدوري متخم بهذه الحياة….لذلك فحلمي الوحيد أن أنام دون أن يزعجني أحد…أو أنام دون أن أستيقظ أو يراني أحد…!!!