“الباك يا الباك نخذك وخا بالنفخ في النقط”..
نفخ النقطة وتسهيل الامتحان تحايل مقنن يضر بتعليمنا..
خليل البجاوي
إن الناظر في حال منظومتنا التعليمية اليوم، لا يملك إلا أن يرثي لحالها، حيث أصبحت تتذيل قائمة الترتيب بين الدول، وذلك على الرغم من الميزانيات الضخمة المرصودة للقطاع.
لكن، من يكلف نفسه عناء البحث والتنقيب، سيجد ان هذا التدهور ليس وليد اليوم، بل هو نتاج تراكمات لسياسات لم تفلح في وضع التعليم على السكة الصحيحة طيلة العقود الماضية.
وزاد من تدهور المنظومة التعليمية مؤخرا، داء فتاك ينخر جسدها ابتليت به، وأصبح ظاهرة مقلقة، يقوض من مصداقيتها ويسهم في تدني مستواها أكثر، ألا وهو نفخ النقطة وتسهيل الامتحان، في الكثير من المدارس الخصوصية. الأمر الذي أصبح يغري الآباء باللجوء إلى هذه المدارس لضمان نجاح أبنائهم ونيل شهادة الباكالوريا بأعلى نقطة ممكنة، وبميزة حسنة تخول لهم الالتحاق بالمدارس العليا أو الدراسة بالخارج. إنه تحايل “مقنن” يسيء لمستوى التعليم ببلادنا، ويضر بالمنافسة الشريفة بين تلاميذ المدارس العمومية والخصوصية ويضرب في العمق مبدأ تكافئ الفرص.
“لقد تغيرت الغاية من التعليم، وأضحى مجالا يدخله ” مول الشكارة” بهدف تحقيق الربح السهل. وأصبج يعيش حالة من التسيب، حيث بات أصحاب المدارس الخاصة يسعون بشتى الطرق إلى تحقيق “نسب نجاح” عالية، لاستقطاب أكبر عدد من ” الزبائن”، تقول إحدى الأطر التربوية خبرت من موقع تجربتها ما يجري داخل هذه المدارس.
“المهم الباك”…
وعند استفسار مجموعة من الآباء عن وجهة نظرهم في هذا الموضوع، كان رد أغلبيتهم”المهم الباك.” يستندون في ذلك على مقولة الغاية تبرر الوسيلة. إذ أمام تدني مستوى التعليم، وتدني مستوى التلاميذ، والخوف من الطرد أو من الفشل أو الرسوب، يبقى الحل الوحيد أمام هؤلاء الآباء هو اللجوء مكرهين أحيانا للانخراط في هذه المغامرة غير المضمونة العواقب.
ويبدو أن هذا الخيار، أصبح يثير إحباط التلاميذ في التعليم العمومي، حيث الشعور السائد هو إحساس بالظلم إذ يقولون إنهم ورغم ما يبذلونه من مجهود وجهد ووقت لتحضير الامتحانات، فإنهم في النهاية يحصلون على نقط أقل مقارنة بتلاميذ المعاهد الخاصة.
وعن هذا تقول حنان تلميذة بإحدى الثانويات العمومية بالرباط بنبرة محبطة:” أعرف عددا كبيرا من التلاميذ والتلميذات كانوا معي في المدرسة، مستواهم الدراسي ضعيف جدا، انتقلوا للدراسة في مدارس خاصة، وقيلا”نزل عليهم الوحي” وحصلوا بقدرة قادر على شهادة الباكالوريا بمعدلات عالية، بعيدة عن النقط التي حصلنا عليها نحن بمجهودنا الخاص”.
“أنا كنخلص ولدي ينجح وصافي”..
ومن خلال روبورتاج قمنا به حول الموضوع، تبين أن هناك نوعين من الآباء يلجؤون إلى المدارس الخصوصية في مرحلة البكلوريا. نوع يرى أنه من الصعب جدا على ابنه الحصول على الباكالوريا من التعليم العمومي، وهو نوع مستهدف من أرباب المدارس الحرة هؤلاء الذي يبررون مسلكهم بالتأكيد على أن “الأباء يضغطون بشتى الوسائل علينا للرفع من نقط أبنائهم، مرددين اللازمة الشهيرة : “أنا كنخلص ولدي ينجح وصافي.”
و النوع الثاني، لا يكتفي بالنجاح وحسب، بل يهمه la Mention (التقدير)، وهو حل أصبحت تلجا إليه الأسر الراغبة في أن يحصل أبنائها على معدلات تمكنهم من ولوج مدارس عليا، أو الدراسة بالخارج.
“ان ما يدفعنا الى اللجوء الى المدارس الحرة، في هذه المرحلة الحساسة من حياة أبنائنا، هي المعدلات المرتفعة التي أصبحت تطلبها المدارس العليا المرموقة، إضافة الى ضعف مستوى التدريس في التعليم العمومي، والغياب المتكرر للأساتذة، اذ لا يوجد أي رقيب على الأستاذ وهذا ما يؤثر سلبا على نتائج أبنائنا.” يقول أحد الإباء.
أمام هذه الإشكالية ووعيا من وزارة التربية الوطنية بخطورة المسألة، ومدى إخلالها بمبدأ تكافئ الفرص، فقد اتخذت السنة الماضية، عقوبات في حق 32مؤسسة خصوصية. وأصدرت قرارا يتم بموجبه منع هذه المؤسسات من إدراج نقط المراقبة المستمرة في موقع مسار، إلى حين التأكد لمطابقتها للواقع. اذ لا يعقل أن يحصل تلميذ على معدل 18 في المراقبة المستمرة و6 في الامتحان الوطني.” تقول السيدة فاطمة وهمي المسؤولة عن التواصل بوزارة التربية الوطنية.
هذه البادرة المحمودة، لا يجب ان تنسي المسؤولين الوضعية الصعبة التي يعيشها أهم فاعل في هذا القطاع، ألا وهو الأستاذ، إذ يجدر بوزارة التربية الوطنية النهوض بالقطاع العمومي،