انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
ضيف بسمة

ندى السلاك:الجمال والمكان والإنسان… لغة معمارية تعبّر عني

المعمار من منظور سيدة يغمرها إحساس خاص بالمجال

حاورتها: بشرى البهيجي/ فاس

بخطى واثقة تجمع بين العلم والرؤية والذوق، استطاعت ندى السلاك أن تحجز لنفسها مكانة لافتة في مجال التعمير والفن المعماري، مجالٍ دقيقٍ ظلّ لوقتٍ طويل حكرًا على الرجال.

في هذا الحوار الذي خصّت به “بسمة نسائية”، نقترب من مسارها الإنساني والمهني، ومن نظرتها الخاصة للجمال والمكان والإنسان.

من أصول “جبالة” في شمال المغرب، ومن أجدادٍ انحدروا من الريف واستقروا في بلدة ساحرة تبعد 80 كيلومتراً شمال فاس تُدعى “إيمغدن”، يحملون أخلاق الجبل وقيمه من نجدةٍ وصبرٍ وارتباطٍ بالأرض، ويورّثونها جيلاً بعد جيل… بدأت الحكاية.

حكاية سيدةٍ ترعرعت بين مجالاتٍ جغرافيةٍ وثقافيةٍ واسعة: إيمغدن، تاونات، فاس… فشقت طريقاً مميزاً في المعمار الذي يمزج الفن بالعلم ويحوّل الأفكار إلى واقع. وبين المزج والتحويل، تتعدد التحديات في مهنةٍ لا تُخفي متاعبها.

ندى السلاك، الحاصلة على دكتوراه في التعمير وإعداد التراب والحكامة، أستاذة جامعية ومديرة المدرسة الوطنية للتعمير بفاس، ومستشارة لدى مؤسسات خاصة وعامة، وطنياً ودولياً. تشرف في الآن ذاته على مشاريع متعددة تُشكّل ملتقى بين الهندسة المعمارية والتعمير والحكامة وتدبير المجال وسياسة المدينة.

ندى السلاك، متزوجة وأم لثلاثة أطفال، تُوّجت في مناسبات عدة، كان آخرها حفل تكريم نظمته جمعية “بوابة فاس” بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية (10أكتوبر 2025).

حول هذا المسار المميز، نلقي الضوء على بعض الجوانب من حياة سيدةٍ ومهندسةٍ معماريةٍ اختارت طريقاً ينبض بإيقاعها الخاص.

ماذا يمكن أن نقول عندما تعود بنا الذكرى إلى البدايات؟

كان الوالد أستاذاً ورجل تعليم، والأم أستاذة شغوفة بتربية أبنائها تربيةً تمزج بين الأصيل والجديد. زرعا فيّ حب المعرفة وأهمية الدراسة والتحصيل العلمي كجواز سفر الإنسان في الحياة. وكان دعمهما المتواصل نوراً متجدداً يضيء طريقي لأستمر بثبات.

“إيمغدن”… كلمة ذات وقع خاص تدعوك للتوقف عندها وتدبّر معناها؟

فعلاً، في البداية كنت أظن أن الكلمة تعني امرأة جميلة شامخة، لكن تبيّن لي لاحقاً أنها جمع كلمة “أمغد”، أي الرجل الشريف النبيل أو المحترم في بعض اللهجات الأمازيغية. وبغض النظر عن أصل الكلمة، فهي تدل على الشجاعة والكرامة والاعتزاز بالأصل.

أما بالنسبة لي، فـ”إيمغدن” تعني سحر المجال وذكريات الطفولة الجميلة والبريئة، وسط صفاء المكان وطيبة سكانه المعتزين بانتمائهم. بين حضن الأسرة ودعمها، واحتواء المحيط ودفئه، ترسّخت أصولي بين هذه البلدة ومدينة فاس. لقد بصمت الطفولة في تلك الأمكنة توجّهي في الحياة، ودَفعتني للانفتاح على ثقافات مختلفة مع الحفاظ على هويتي.

ما دوافع اختيارك مجال الهندسة المعمارية الذي كان، إلى أمدٍ قريب، حكراً على الرجال؟

لم أختر الهندسة المعمارية، لكن مع مرور الوقت أدركت أن القدر كان لطيفاً معي حين وضعني على هذا الطريق.

تقنياً وعملياً، اكتسبت الكثير من تجربتي الدراسية والمهنية أولا داخل المغرب وخارجه، فقد فتحت أمامي آفاقاً جديدة في التفكير والممارسة، وعرّفتني على مدارس مختلفة في العمارة والفكر.

ماذا تعني بالنسبة لك العمارة اليوم؟

أصبحت العمارة بالنسبة لي، ليست مجرد مهنة، بل طريقة لفهم العالم؛ فالفضاء ليس شكلاً هندسياً فقط، بل ذاكرة حية تترجم ثقافة الشعوب ووجدانها. اكتشفت فيها لغةً تعبّر عني بعمق، عن ثالوثٍ يلازمني: الجمال، المكان، والإنسان.

لكل مكان بعدٌ خفيّ أحبّ قراءته بطريقتي الخاصة، لأن تاريخ المكان غالباً ما يوحي برمزية وبعمقٍ ثقافي وإنساني يتجاوز الماديات التي قد نراها وننبهر بها.

أما مواقع البناء فقد علمتني احترام الروابط المهنية والاجتماعية، وأهمية التعلم المتبادل كأساسٍ للتنمية الذاتية. كما علمتني تقبّل الصعوبات ومواجهة الضغوط برصانةٍ وضميرٍ يقظ.

 من خلال تجربتك، هل للمرأة نظرة مغايرة يمكن أن تضيفها للهندسة المعمارية؟

من منظورٍ أنثوي، أرى أن المرأة تضيف بالفعل، عبر العمارة لمسةً خاصة؛ فهي تدرك التفاصيل الصغيرة وتمنح الفضاء بعداً إنسانياً أكثر دفئاً وعمقاً. ليست المسألة تفاضلاً بين الرجل والمرأة، بل تنوعٌ وتكاملٌ يُغني الممارسة المعمارية.

كيف توفّقين بين أدوارك المتعددة: الأسرة، التدريس، إدارة مؤسسة للتعليم العالي، ومتابعة المشاريع؟

لا أؤمن بوجود “إنجازاتٍ شخصية” بمعزل عن الآخرين، فكل نجاح هو ثمرة جهدٍ فردي في تكامل مع المنظومة التي ننتمي إليها، وبتوفيقٍ من الله.

الإشراف على الطلبة والعمل معهم، وهم شباب في بداياتهم، له جمالية خاصة؛ يمنح يومياتنا طاقة متجددة ويغذينا بالإصرار على الاستمرار. أما حضن الأسرة فيمنحك الدفء الذي تحتاجينه لمواصلة الطريق. والمشاريع الميدانية تجعلك تنصتين لإيقاع مجتمعك وتعملين انطلاقاً من المكان الذي أنتِ فيه.

ومع السير في هذا الطريق، تجدين أن كل هذه الأبعاد لا بد أن تتكامل، خصوصاً عندما تكونين القاطرة التي تتصدر المسار.

فكرة أو حكمة تؤمنين بها؟

أؤمن بالعمل بشغف، فحين نعمل بصدقٍ ونجتهد، نبلغ الرضا. ومن الرضا تولد القناعة، ومنها تستمدّ النفس قوةً هادئة تدفعها للاستمرار… دون ضجيج.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا