انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
قصة حب تروى

ولّادة وابن زيدون.. زمان الحب في الأندلس

حين تلمس يدٌ الشعر وتُلامس الأخرى القلب

في أحد أزقة قرطبة، حيث لا تزال الأرواح تهمس في جدران الأندلس، ينتصب تمثال بسيط لكنه مهيب، تمثال ليدين تتلامسان… ليستا أي يدين، بل يد ولّادة بنت المستكفي ويد الشاعر ابن زيدون، العاشقين اللذين لم يكتمل حبهما في الحياة، لكنه خُلّد في الشعر والتاريخ والحجر.

كانا من طينتين مختلفتين، لكن جمعتهما اللغة، والهوى، وقُدسية الكلمة. هي أميرة أندلسية، جريئة في زمن تقيّد فيه النساء خلف الحجاب والصمت. وهو شاعر فذّ، خطّ أعذب القصائد، وكتب رسائل عشق لا تزال تتوهج حتى اليوم. عرفته قصورها وعرفته زنازينها، أما قلبه فكان ملكًا لولّادة، لا سواه.

كتب لها ابن زيدون:

“يا من غدوتُ به في الناس مشتهرًا

قلبي عليك يقاسي الهمَّ والفِكرا

إن غِبتَ لم ألقَ إنسانًا يُؤنسني

وإن حضرتَ فكلُّ الناس قد حضروا”

وردّت عليه، دون تردد:

“أغارُ عليك من عيني ومني

ومنك ومن زمانك والمكانِ

ولو أني خبأتك في عيوني

إلى يوم القيامة ما كفاني”

دارت قصة الحب بين ولّادة وابن زيدون في القرن الحادي عشر الميلادي، خلال العصر الأندلسي، وتحديدًا في مدينة قرطبة التي كانت حينها منارة للعلم والثقافة في الغرب الإسلامي. كان ذلك في فترة الاضطرابات السياسية بعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس وظهور ملوك الطوائف. في هذا المناخ المضطرب، وُلد حبّ استثنائي جمع بين شاعرة أمويّة حرة وشاعر من عامة الناس، حبٌ قاوم القيود والخيبة وظلّ ينبض في دواوين الشعر العربي حتى اليوم.

ولّادة بنت المستكفي

هي ولّادة بنت الخليفة الأموي المستكفي بالله، واحدة من أشهر النساء في تاريخ الأندلس، لم تكن فقط أميرة، بل كانت أيضًا شاعرة متمردة، تحدّت الأعراف الاجتماعية بذكائها وجرأتها واستقلالها. أسست مجلسًا أدبيًا في قرطبة، اجتمع فيه شعراء ومفكرو عصرها، وكانت تُلقي الشعر وتناقش وتجادل، عرفت الحب كفعل حياة، لا كضعف.

ابن زيدون

هو أحمد بن عبد الله بن زيدون، شاعر أندلسي بارز في القرن الحادي عشر، وُلد في قرطبة، وتدرّج في مراتب السياسة والثقافة حتى بلغ ذروة مجده. لكنه خسر كليهما، السلطة والحبيبة. سجنه خصومه، وخسر حب ولّادة بعد خلافات سياسية وشخصية، لكنّه ظل وفيًا لها في شعره حتى آخر العمر. قصائده ورسائله إليها تعتبر من أجمل ما كتب في أدب الحب العربي.

لم تكن ولّادة امرأة عادية، كانت شاعرة تكتب الحب وتعيشه. نسجت له الأبيات كما تنسج العاشقات الخيوط حول القلب، لا قيدًا، بل دفئًا. أما هو، فخلّدها في دواوينه ورسائله، لا كأميرة، بل كامرأة جعلت الحب نفسه يكتب قصيدته الأبدية.

ولأن الحب لا يموت، أقام لهما أهل قرطبة تمثالًا. لا ملامح ولا وجوه، فقط يدان تلتقيان، في لحظة صمت تتجاوز الزمن، وكأن العالم كله توقف ليمر العاشقان أخيرًا، جنبًا إلى جنب.

هذا التمثال ليس مجرد فنّ، إنه شاهد على حب لا يشبه سواه… حبٌ قاوم النسيان، وتحدى القصور والسجون، وعاش في بيت شعر، وفي يدين تتلامسان في قرطبة، وفي قصة حب تروى.

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا