انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

انتظروا حوارًا حصريًا مع السي اليازغي!

حديث بسمة – عزيزة حلاق

*جزيل الشكر والامتنان للصديقة العزيزة الصحفية المصورة زليخة ابنة الاتحاد، على تخصيصها لي مجموعة من الصور الثمينة للسي اليازغي، من أرشيفها الخاص، هذه اللفتة الكريمة تعني لي الكثير، وأقدر دعمها ومساندتها الدائمة.

حوار من زمن كانت فيه الصحافة… صحافة !!

من بين كل الحوارات التي أجريتها طيلة مساري الصحفي، يبقى ذاك اللقاء مع الوزير السي محمد اليازغي، خلال فترة حكومة التناوب، الأكثر رسوخًا في ذاكرتي. لم يكن مجرد موعد صحفي، بل لحظة اختبار مهني حاسمة خرجتُ منها بتجربة لا تُنسى، وثقة لا تُقدّر بثمن. كان الحوار الأصعب، الأنجح، والأقوى…

وقتها، لم أكن أتهيأ فقط لمحاورة وزير كبير بحجم السي اليازغي، بل كنت أواجه رهانات شخصية ومهنية متشابكة: إثبات الذات وسط زملاء يشككون في قدرتي على إدارة حوار من هذا العيار، والقبض على لحظة صحفية دون أن تفلت من بين الأسئلة.

كنت حينها أشتغل على سلسلة حوارات مع وزراء حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، أو ما عُرف بـ”حكومة التناوب الثانية” سنة 2002، لصالح أسبوعية “السياسة الجديدة”. مرّت اللقاءات الأولى بسلاسة، لكن عندما اقترحت اسم محمد اليازغي، الوزير المكلّف بإعداد التراب الوطني والبيئة والتهيئة العمرانية والسكنى، تغيّر كل شيء. فحقيبته الوزارية كانت على تماس مباشر مع ملفات وزارة الداخلية، ومهام إدريس البصري… وما أدراك ما البصري آنذاك!

رأى بعض الزملاء في هيئة التحرير أن المهمة أكبر منّي، لكن رئيس التحرير، الأستاذ حبيب طالب – شفاه الله – تمسّك باقتراح اسمي لإجراء الحوار. وجدتُ نفسي أمام تحدٍّ حقيقي، زاده توترًا ما وقع قبل الموعد بيومين فقط، حين نشرت جريدة معارضة على صفحتها الأولى عنوانًا مثيرًا:

“انتظروا حوارًا حصريًا مع السي اليازغي!”

تجمّدت. هل فقدتُ الحوار؟ هل اختار الوزير الاتحادي جريدة حزب معارض؟ مستحيل! كيف؟ وهو الذي حدّد لي موعدًا بعد يومين؟

أسئلة كثيرة تقافزت في رأسي، حتى اتصلتُ بصديقة تعمل في الجريدة ذاتها، فأجابتني ضاحكة:

“الحزب مقلوب والكل يسأل: من تجرأ وأجرى الحوار ونشر الخبر؟ … فيما الجواب بسيط: تشابه أسماء ليس إلا!”

الخبر لم يكن عن الوزير، بل عن ساعاتي عتيق في إحدى أزقة شارع محمد الخامس بالرباط يُدعى… اليازغي!

الصحفي الذي أعدّ المادة، وكان حينها رئيس تحرير الجريدة، التقط الاسم من حديث عابر مع الساعاتي عن تاريخ محله، الذي يعود لفترة الحماية الفرنسية، وكيف عايش تحولات الشارع معماريًا وتجارياً وبشرياً. وبحنكة لا تُدرّس، صاغ مادة حوارية بعنوان أربك الجميع، من السياسيين إلى الصحفيين.

صراحة، أحيّيه بعد كل هذه السنوات. أثبت بمكره، وحسّه الصحفي، ومهنيته أن التفاصيل تصنع الحدث. وهو اليوم من أبرز الأسماء في الإعلام المغربي، أستاذ مرموق في معاهد الصحافة، ومن الصحفيين الذين نكنّ لهم كل الاحترام.

أما أنا، فقد احتفظتُ بالمعلومة حتى جلستُ أمام السي اليازغي. قلت له فورًا:

اسمح لي أن أحكي لك ما جرى حين قرأتُ خبرًا عن حوار لك مع جريدة “ذكرتها بالاسم”،

ورويت له القصة. التفت إلى مدير ديوانه آنذاك، محمد بنعبد القادر – الذي تولّى لاحقًا منصب وزير العدل والحريات في حكومة العثماني (أكتوبر 2019 – سبتمبر 2021) – وسأله:

“فين هو داك العدد؟”

ثم قام وتوجّه نحو مكتبه يتصفّح الجرائد بحثًا عن الجريدة صاحبة العنوان الملتبس. بعد ذلك، بادرني بسؤال عن رئيس التحرير صاحب العنوان الذي وظّف اسمه. كان يعرف أنه يشتغل كمدير مكتب لأكبر صحيفة عربية بالمغرب، فأخبرته بأنه فعلاً التحق مؤخرًا بجريدة الحزب المعارض، حيث أُسندت إليه مهمة تطويرها لمواكبة دورها كلسانٍ لحزب معارض لحكومة الأستاذ اليوسفي.

بدا الحديث الجانبي وديًّا، وقربني أكثر من السي اليازغي الإنسان. تحدّثنا عن أشياء كثيرة: عن الانتقال التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي من ضفة المعارضة إلى ضفة الحكم، وعن الانفراج السياسي، وسقف الانتظارات الشعبية. ابتسم السي اليازغي، وابتسمتُ معه. شعرتُ أن الجليد قد ذاب، وأنني كسبتُ ثقته.

وهكذا، بدأ الحوار. أجاب السي اليازغي عن كل الأسئلة، حتى تلك التي قيل لي: “لا تحاولي… لن يُجيبك عنها.”

وكان حوارًا ثريًا بحق. خرجتُ منه بإجابات غير مسبوقة، ونقاط لم تُنشر من قبل. وكان صداه رائعًا. تلقيتُ التهاني من الجميع، حتى من أولئك الذين لم يراهنوا عليّ.

للأسف، لم تكن الأرشفة الرقمية متاحة آنذاك، ولم يبقَ من ذلك الحوار سوى أثره في نفسي وذاكرتي. لكنه علّمني درسًا ثمينًا:

أن الثقة تُكتسب بالممارسة، وأن الحسّ الصحفي لا يُدرّس، بل يُصقل بالإنصات، بالتجربة، وبالمتابعة اليومية لما يجري في العالم.

وأن من يؤمن بموهبته، يستطيع أن يُمسك بخيوط أي حوار، مهما كان الطرف الآخر.

من خلال هذه السطور، أوجّه تحية خاصة ومفعمة بالامتنان والتقدير للأستاذ محمد اليازغي، الوزير والقيادي الاتحادي الذي منحني فرصة لا تُقدّر بثمن، وفتح لي باب الثقة في لحظة مفصلية من مساري المهني. أدعو له بالصحة وطول العمر، ولحزبه الذي كان مدرسة في النضال والتدبير، بالمزيد من الحكمة والوفاء لروح التأسيس.

وهذا المقال ليس مجرد استرجاع لحوار قديم، بل هو أيضًا استحضار لزمن كانت فيه للصحافة هيبتها، وللكلمة صدقها، وللصحفي مكانته التي تُنتزع بالكفاءة والجدية والمهنية. زمن كانت فيه الصحافة… صحافة.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا