انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
قصة حب تروى

لولا،المرأة التي روّضت ساحر النساء إحسان عبد القدوس

قصة حب تُروى: إحسان عبد القدوس ولولا… شريكة القلب والعقل

تُعد قصة إحسان عبد القدوس ولولا علامة فارقة في سجل العلاقات الإنسانية، نموذجًا لحب راقٍ لا يبحث عن البطولات ولا الشعارات، بل يزدهر في الظل، ويكبر على مهل، حتى أصبح… قصة حب تُروى.

في زحام الحياة الأدبية والصحفية، حيث تُكتب القصص وتُخلق الشخصيات وتُنسج الحبكات، عاشت قصة حب حقيقية لا تقل روعةً عن رواياتها، بين الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس وزوجته لولا، المرأة التي لم تكن مجرد شريكة حياة، بل كانت عالمًا كاملًا من الحنان والتفهم، سندًا خفيًا وقوة ناعمة، جعلت منه أحد أبرز كتّاب القرن العشرين في العالم العربي.

اللقاء الأول… مصادفة قادها القدر

كان لقاؤهما الأول عابرًا، بسيطًا، عام 1942، في محيط اجتماعي اعتيادي، لكنه حمل بذور علاقة ستدوم مدى الحياة. لولا، الشابة الأرستقراطية المثقفة، جذبت انتباه إحسان بحضورها الهادئ وثقافتها الرفيعة. لم تكن تلهث خلف الأضواء، بل كانت تملك من العمق والرقي ما جعله يشعر منذ اللحظة الأولى أنها مختلفة.

كانت الشرارة الأولى حين كان “سانو” – كما كان يحلو لأصدقائه أن ينادوه – طالبًا في السنة النهائية من كلية الحقوق. في زيارة لصديق لعائلة في مصر الجديدة، استهوته صورة فتاة معلَّقة على الحائط، فاستفسر عنها، وعرف أنها لواحظ عبد المجيد المهيلمي، أو “لولا” كما أصبحت تُعرف لاحقًا.

كان إحسان في حينه ابن 22 عامًا، وراتبه لا يتجاوز عشرة جنيهات، ويقيم في فندق بالإسكندرية. قرر الزواج من لولا رغم رفض أهلها ووالدته روز اليوسف، مفضلين أن يترفع عن الارتباط بهدف خدمة مسيرته المهنية.

لكن العاشقين صمدا: عقد قرانهما في بيت الصحافي محمد التابعي سنة 1943، ووزّعا الشربات على الحاضرين.

حب ناعم بصمت… لكن راسخ

لم تكن قصة حبهما عاصفة على طريقة رواياته وأفلامه، لكنها كانت قصة حبٍّ عميق ومستقر، هادئ لكنه لا يتزعزع، يشبه تلك التفاصيل الصغيرة التي لا تبهرك فورًا، لكنها تبقى محفورة في القلب.

لم تحاول لولا يومًا أن تكون بطلة في روايات إحسان، ولم تتدخل في تفاصيل أعماله، لكنها كانت الحاضنة الروحية له. كانت تفهم صمته، وتقف وراء انفعالاته، وتستوعب مزاجه المتقلّب ككاتب حساس.

اختار إحسان زوجته لولا بنقيض والدته: بعيدة عن العمل العام، متفرغة له ولبيتها، لكنها تحمل من القوة وحسم القرار ما دفعها لتخوض معه معترك الحياة.

وصف علاقته بها بأنها “حب بين طفل وأمّه، وصديق وصديقه”، وليس مجرد حب بين رجل وامرأة – وهذا سر بقائها متوهّجة لأكثر من 47 عامًا.

كيف روّضت لولا ساحر النساء؟

لم تكن مهمة لولا سهلة، فقد كانت تعيش مع كاتب عُرف بجرأته الشديدة في تناول العلاقات العاطفية، وبقدرته الفائقة على الغوص في عقل المرأة وقلبها. كتب عن الخيانة والحب والرغبة والتمرّد، وملأ صفحات مجلاته وقصصه بنساء من كل الأنواع والأمزجة، لدرجة لُقّب بـ”ساحر النساء”، ومع ذلك، لم تشكك لولا يومًا في حب إحسان لها.

بل إنها كانت تقول بثقة وابتسامة دافئة:

“إحسان قد يكتب عن كل النساء، لكن قلبه لا يعرف إلا امرأة واحدة.”

سُئلت مرة عن إحساسها بالأمان، فأجابت بهدوء:

“لا يوجد شيء اسمه الأمان أبدًا، ولا ضمان لأي رجل أو أي زواج. وكلمة أمان عندي مصدرها الثقة؛ ثقة الزوجة في حب زوجها لها، وهذه الثقة كانت الأمان الذي تنبع منه كل تصرفاتي مع إحسان، وكانت الحافز لي على تحمُّل أي شيء مهما يحدث. لقد أحبني إحسان، ويكفيني هذا. إنه كان يسمّي كل نزواته (قزقزة لب).”

كتب لها رسائل عشق لا تُنسى:

أنت وأنا وُلِدنا اليوم

أنت كل الحياة…

أكتب لك من فوق برج إيفل… أحبك وتشهد على ذلك باريس

الوفاء حتى بعد الرحيل

في أيامه الأخيرة، كانت ملازمة له حتى لحظة وفاته في 11 يناير 1990، ترعاه وتعطيه من قلبها كل ما تحتاجه روحه قبل جسده.

نُقش على شاهد قبره:

من إحسان إلى لولا… إلى السيدة التي عبرت معي ظلام الحيرة… والصبر… والعقل… والصفح… إلى حلم صباي وراحة شيخوختي… زوجتي… والحب في قلبينا.

بعد وفاته، لم تغب لولا عن ذاكرة الوسط الثقافي، لأن الجميع كان يعرف كم كان لها من أثر عليه. بقيت وفية له، ولذكراه، تروي قصصه، وتحفظ مواقفه، وكأنها تواصل كتابة آخر فصول الحب بعد رحيل الكاتب. وبقيت لولا تحكي عنه بصمت ووفاء، حتى رحلت في عام 1994.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا