هيدي لامار:فاتنة هوليود ومخترعة الواي فاي، والـGPS…

في ركن “نساء خالدات”، نكتب عن نساء تركن بصمتهن في مجالات شتى: في الأدب، في السياسة، في الفنون… لكن هيدي لامار تنتمي إلى فئة نادرة يصعب تصنيفها. فقد جمعت بين ضوء الكاميرا وظل المختبر، بين فتنة الجمال ودهشة العبقرية
فمن هي هِدي لامار فاتنة هوليوود التي أسس اختراعها لنظم الاتصالات اللاسلكية الحديثة؟
وُلدت هيدي لامار عام 1914 في النمسا، وسط بيئة ميسورة ومثقفة، ونشأت في حضن والد يؤمن بقدراتها العقلية، فتعلمت منذ طفولتها كيف تفكك الآلات وتعيد تركيبها. كانت فتاة ذكية، فضولية، سابقة لأقرانها في المدرسة. لكنها حين كبرت، سُرقت منها هويتها الفكرية مؤقتًا، بعد أن خطفها جمالها الأخّاذ إلى عالم السينما.
بأداء آسر ووجه لا يُنسى، لمع نجمها أولاً في أوروبا، ثم فتحت لها هوليوود ذراعيها. سطع اسمها في سماء السينما الأميركية خلال الأربعينيات، وأصبحت إحدى أيقونات الجمال في عصرها. من بين أشهر أفلامها نذكر:
Algiers (1938)، الذي كان بوابتها إلى الشهرة الأميركية.
Boom Town (1940)، إلى جانب كلارك غيبل وسبنسر تريسي.
Ziegfeld Girl (1941)، حيث ظهرت جنبًا إلى جنب مع لانا تورن وجودي غارلاند.
Samson and Delilah (1949)، أحد أبرز أدوارها على الشاشة.
لكن خلف تلك الصورة المثالية، كانت هيدي شخصية غير قابلة للاختزال. كانت ترفض الأحاديث الصحفية السطحية، وتقول بسخرية مريرة:
“يرون شفتي، لا أفكاري.”
في أوج شهرتها، وبين تصوير فيلم وآخر، كانت تمضي لياليها في دراسة الإلكترونيات والفيزياء. وخلال الحرب العالمية الثانية، طوّرت مع الموسيقي جورج أنثيل اختراعًا بالغ الأهمية: نظام “القفز الترددي”، لتأمين إشارات الطوربيدات اللاسلكية من التشويش.
المفارقة الجميلة أن الفكرة جاءت أثناء عزفهما على البيانو! فقد استعانا بتقنية التزامن الموسيقي كمنهج للتحكم في الترددات، مزاوجَين بين الفن والعلم في لحظة عبقرية نادرة.
قُدّمت براءة الاختراع عام 1942، لكن الجيش الأميركي لم يأخذها على محمل الجد… كيف له أن يُصدّق أن “ممثلة جميلة” تبتكر شيئًا في ميدان الحرب والتكنولوجيا؟
مرت عقود دون اعتراف رسمي، لكن مع تطور الاتصالات اللاسلكية، أُعيد اكتشاف فكرتها، وأصبحت أساسًا لما نستخدمه اليوم: البلوتوث، الواي فاي، والـGPS…
المفارقة أن لامار لم تتقاضَ شيئًا مقابل هذا الإنجاز العلمي، إذ وهبته للدولة دون مقابل، وظلت طيّ النسيان لسنوات.
في سنواتها الأخيرة، بدأ الاعتراف يتسلل خجولًا إلى سيرتها. مُنحت تكريمًا رسميًا من وزارة الدفاع الأميركية، وأُدرج اسمها في “قاعة مشاهير المخترعين”، بل وكرّمتها Google عام 2015 برسمة “Doodle” خاصة في ذكرى ميلادها.
هيدي لامار، المرأة التي استعصت على التصنيف، علمتنا أن الجمال لا ينفي الذكاء، وأن المرأة يمكن أن تكون وجهًا على الشاشة وعقلًا يغيّر العالم.
في ركننا هذا، نكتب عنها لأن التاريخ لم ينصفها كما ينبغي… لكنها خُلِّدت بفعل ما تركته من أثر، لا بما عُلّق على مظهرها.
امرأة خالدة، كتبت اسمها في سجلات الفن والعلم معًا، دون أن تخسر أنوثتها أو عبقريتها.