خديجة قرشي وابنتها وثنائية الألم والإبداع..

بسمة نسائية/ أصواتهن
نص جميل، عن ثنائية الألم والإبداع، كتب بشكل عفوي، وبتواطؤ غير مسبق، جمع بين الأم الإعلامية والقاصة، خديجة قرشي وابنتها رانيا الزبيري، وسيطة ثقافية وشاعرة، فكان هذا البوح النسائي لمبدعتين من جيلين، يعبيران من خلاله عن وجهة نظرهما حول التيمة التي تزاوج بين فلسفة الألم وسيكولوجية الإبداع…
خديجة قرشي:
“من وحي الألم يولد الإبداع”
“ثنائية الألم والإبداع، تتناغم وتنسجم مع الذات المبدعة بشكل عام سواء لدى المرأة أو لدى الرجل على حد سواء، لكن بالنسبة للمرأة المبدعة الكاتبة، فإنها حين تكتب، تتحرر من كل ما يُثقل كاهلها ويعذبها من قيود نفسية ومجتمعية وتنطلق من ذاتها وتغوص عميقا لتُعبّر عن مكنونات نفسها وهمومها وانشغالاتها وآلامها وأحلامها أيضا فيما يشبه البحث عن ذاتها، ربما تستغرق وقتا أطول لكي تنتفض وتنعتق من الذات إلى الآخر، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإبداع ليس سهلا وليس متاحا للجميع.
العملية الإبداعية تشبه المخاض وما يرافقه من آلام ومعاناة شديدة لا تتوقف إلا بعد ميلاد قصيدة أو نص قصصي أو لوحة تشكيلية إلخ.
فـ “من وحي الألم يولد الإبداع” كما قال دوستويفسكي، وقد أوجز فأبلغ.
إن كان هذا هو ما عبرت عنه خديجة قرشي، فابنتها رانيا الزبيري، تقول:
“إذا لم تعبر عما يؤلمك فسيدمرك”
“إذا عبرت عن ألمك من خلال الكتابة أو الرسم أو الموسيقى أو أي شكل آخر من أشكال التعبير الفني، فإن ما تعبر عنه سينقذك. إذا لم تعبر عمّا يؤلمك، فإن ما لم تعبر عنه سوف يدمرك من الداخل.
الكتابة تسمح لنا بالتخلص من الجانب المظلم في ذواتنا، بمعنى آخر، الكتابة تساعدنا على التخفيف من معاناتنا. أعتقد أن الألم هو أول إحساس يصنع الكاتب(ة). إنها عقدة من الأفاعي، شعلة من النار في المعدة تغرس مخالبها في أحشائنا أكثر فأكثر حتى نقتلعها من خلال ترجمة أوجاعنا إلى كلمات. إذا لم نبتر هذا الورم، فإنه ينخرنا ليجعلنا نتعفن من الداخل.
أن تكون يقظًا ومدركًا لكل ما هو خطأ في هذا العالم هو معاناة مستمرة. التفكير عذاب، كما قال صامويل بيكيت في “انتظار جودو”.
أن تكوني امرأة في العالم الثالث، في مجتمع ذكوري، وأن تكوني واعية ولو نسبيًا، فهذا يعني أنك سوف تتعذبين وتثورين طوال الوقت تقريبًا، هذا الغضب، هذا الألم الغاضب لا يمكن التخلص منه إلا من خلال الكتابة الملتزمة.
من خلال الانغماس في صمت أعماقنا كما نُغرق ريشة في محبرة، من أجل تثبيت الألم غير المحسوس الذي يعذبنا على الورق، بتجميد ما لا يمكن وصفه وإعطائه جسدا من كلمات، نحرر أنفسنا. الكتابة دواء يطهّر أذهاننا وبواطننا. (L’écriture est cathartique)
في كل مرة يؤلمني شيء ما أو يزعجني، أكتبه وأحرر نفسي منه، حيث أن ديواني (Délires narquois )” هذيان ساخر”، هو صرخة ألم تحولت إلى صرخة تمرد، ثورة امرأة ترفض الصمت والخضوع للقيود التي فرضها عليها المجتمع الذكوري فقط لكونها أنثى فاختارت الشعر للتعبير عن معاناتها فإذا بها تحولها إلى فعل ثوري / تحريري. فالكتابة خيمياء الروح.