انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

في يومها العالمي… من يُنقذ الصحافة؟

 هل ما زالت الحقيقة أولوية؟

رؤية صحفية في زمن التضليل

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

يصادف الثالث من ماي كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي مناسبة لتذكير الحكومات بالتزاماتها بحماية حرية التعبير، ولتأمل الصحفيين في واقع مهنتهم، أخلاقياتها، وتحدياتها المتجددة.

لكن شعار هذا العام: “الصحافة في وجه التضليل… الحقيقة أولًا”، يجعل الأسئلة أكثر حدة، والإجابات أكثر تعقيدًا.

رؤية صحفية في زمن التضليل

في تقريرها السنوي الصادر بالمناسبة، كشفت منظمة “مراسلون بلا حدود” أن المغرب احتل المرتبة 120 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2025، متقدمًا بتسع مراتب عن العام الماضي.

لكن هذا التقدم الطفيف لم يُخرج وضعية المغرب من الخانة البرتقالية، أي “الوضع الصعب”، بحسب تصنيف المنظمة.

التقرير أكد أيضا أن الصحفيين المستقلين في المغرب يواجهون ضغوطًا متزايدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في 2026. كما أشار إلى أن تعددية وسائل الإعلام تبقى “واجهة صورية” لا تعكس تنوع الآراء السياسية الحقيقي، رغم ما يكفله الدستور من ضمانات لحرية التعبير ومنع الرقابة المسبقة.

وبجانب التضييق السياسي، تعاني الصحافة المستقلة من هشاشة اقتصادية خانقة، تجعلها عاجزة عن جذب الإعلانات وتحقيق الاستقرار المالي، في وقت تزداد فيه صعوبات البقاء والاستمرارية، ما يجعلها مهددة بالإغلاق.

في هذا السياق المقلق، نطرح سؤالًا مشروعًا:

هل ما زالت لدينا صحافة حقيقية؟

هل ما زال الصحفي قادرًا على قول الحقيقة؟

وهل ما زالت الصحافة تؤدي دورها في التنوير وتشكيل الرأي العام؟

في المغرب، أصبحت الأمور أكثر التباسًا. فلم تعد حرية التعبير مكسبًا يُحتفى به، بعد أن تحولت الأخبار إلى مادة استهلاكية، خاضعة لمنطق سوق “اللايكات” و”الترند”، ولا فرق فيها بين فضيحة خاصة ومعلومة عامة.

النتيجة: اختلاط الأدوار بين الصحفي و”اليوتيوبر”، بين صاحب الرأي وصانع محتوى البلبلة والفضيحة.

وبعد أن كانت الصحافة مرآة المجتمع، وقاطرة تنميته وتطوره ودمقرطته، تكسرت المرآة، ولم تعد تعكس الحقيقة، بل وجهًا مشوهًا للصحافة.

المؤسسات الإعلامية أصبحت هي أيضًا أكثر اهتمامًا بـ”التفاعل” و”الانتشار السريع”، مما يعني أن المحتوى الذي يثير الجدل أو يقدم استعراضات فارغة هو الأكثر جذبًا للجمهور.

التافهون والمشاهير الرقميون يعرفون كيف يلعبون على هذا الوتر، فيقدمون محتوى يمزج بين المبالغة والإثارة. وبدلاً من التركيز على القضايا الاجتماعية التي تهم المواطن، والقضايا الفكرية والثقافية التي تنمي وعيه وترتقي بذوقه، أصبح الإعلام يروج لهذه الشخصيات، مما يعزز من انتشارها وتحويلها إلى قدوات.

تحولت منابر إعلامية إلى منصات “تفاعل سريع”، حيث ينتصر المحتوى المثير على المحتوى المفيد.

وانقلبت المعادلة: بدل أن يرتقي الإعلام بالذوق العام، صار يكرّس ثقافة التفاهة ويروج لنجومها.

فالتافهون باتوا خبرًا يتصدر الشاشات، والمفكرون باتوا مهمشين ومنسيين.

كل هذا أسهم في تراجع ثقة المواطن بالإعلام الجاد، وانتعاش “صحافة السيبة” التي تصرخ ولا تقول، تلهي ولا تُنير، تُشهر ولا تنتقد.

فهل من أمل أمام هذا الواقع المضطرب؟

نعم، رغم كل هذا، لا يزال هناك أمل مادام هناك محاولات إعلامية تحاول السباحة عكس هذا التيار الجارف للتفاهة.

ومادام هناك منصات تقاوم، وأقلام تكتب، وبرامج تناقش.

لكن السؤال الكبير هو: هل يمكن لهذه الأصوات الاستمرار والانتصار على هذا المسخ الذي شوه وجه الإعلام والصحافة، في زمن صار فيه كل شيء خاضعًا لقانون نظام التفاهة؟

فالتحدي ليس فقط في كشف التفاهة والمستفيدين منها، بل في خلق بديل جذاب، لأن الرداءة تنتصر ليس لأنها قوية، بل لأنها سهلة ومغرية، بينما يتطلب الفكر جهدًا لا يبدو أن كثيرين مستعدون لبذله.

وكما بدأنا بسؤال، ننهي بسؤال أكبر…

هل يمكننا تغيير هذه المعادلة؟

هل يمكننا استعادة الإعلام لرسالته: الكلمة المسؤولة، الإخبار بمصداقية، احترام أخلاقيات المهنة، ودوره التثقيفي والتوعوي؟

أما آن الأوان لأن نفهم أن حرية التعبير ليست ترفًا، بل ضرورة لضمان حياة ديمقراطية سليمة؟

وهل نملك الشجاعة لإعادة الاعتبار للكلمة الحرة، الصادقة، النزيهة؟

قد تبدو الطريق طويلة، لكن كل شيء ممكن، ما دام هناك أقلام تناضل، ومنصات تفضح وأصوات ترفض الصمت وتقاوم.

فالأمل لا يُصنع بالضجيج، بل بالإصرار على الاستمرار، والصدق في الكتابة، والوفاء لرسالة المهنة.

ولعل أجمل ما في الصحافة، أنها دومًا تبدأ بسؤال… وتصنع فرقًا حين تطرح السؤال الصحيح.

فتحية للصحافة الجادة في يومها العالمي.
وتحية لكل من يكتب بضمير، ويبحث عن الحقيقة، ويقاوم الرداءة.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا