
تقديم:
“ألف مبروك لهذه الكاتبة الكبيرة … أفكارها المناهضة للكولونيالية كانت حقًا ملهمة…”هل يستطيع التابع أن يتكلم؟” من أروع ما كتبت…”
“Congrats! Wonderful Spivak and her excellent essay ‘Can the Subaltern Speak?'”
بهذه الكلمات، أعلنت الباحثة والمفكرة المغربية أسماء لمرابط، عبر صفحتها على فيسبوك، فوز العالِمة والمنظِّرة غاياتري تشاكرافورتي سبيفاك بجائزة هولبرغ لعام 2025.
وتُعد جائزة هولبرغ واحدة من أرقى الجوائز الدولية في المجال الأكاديمي، حيث تُمنح سنويًا لباحث بارز في مجالات العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والقانون، واللاهوت.
فمن هي غاياتري تشاكرافورتي سبيفاك؟
غاياتري سبيفاك كاتبة ومفكرة هندية بارزة في مجالات النقد الأدبي، والدراسات ما بعد الاستعمارية، والنظرية النسوية، وتُعتبر من الأصوات الرائدة في الفكر النقدي الحديث. وقد كان لها تأثير واسع في الأكاديمية الغربية والهندية على حد سواء.
وُلدت عام 1942 في الهند، ودرست في جامعة كلكتا، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث حصلت على الدكتوراه من جامعة كورنيل.
“هل يستطيع التابع أن يتكلم؟”
(Can the Subaltern Speak?)
تُعد سبيفاك اليوم واحدة من أبرز المفكرين في الدراسات ما بعد الاستعمارية، وتُعرف بتحليلها النقدي للخطابات الغربية حول “العالم الثالث”. تقول في هذا السياق:
“من منظور معيّن، العالم مجهول بالنسبة إلى هؤلاء الناس رفيعي المقام. لذلك، أنا أنقد أولئك الذين يأتون لتقديم المساعدة دون أدنى فكرة عمّا ينبغي عليهم فهمه. في عالم أهل القاع، الحقّ الأوّل هو الحقّ في الرفض.”
بهذه الكلمات، تلخّص غاياتري تشاكرافورتي سبيفاك رؤيتها النقدية في مشروعها الفكري الذي يسعى إلى تحرير “التابع” ليس فقط من التمركز الغربي، بل أيضًا من مخلّفات الاستعمار، وهو ما يُصطلح عليه بـ”العالم الثالث”.
أنطونيو غرامشي ومصطلح “التابع“
يعود أصل مفهوم “التابع” إلى الفيلسوف والمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي استخدمه للإشارة إلى الطبقات العاملة وضحايا الرأسمالية. وقد ألهم هذا المفهوم الكاتبة الهندية ذات الأصول البنغالية غاياتري سبيفاك، التي نشرت عام 1985 مقالها الشهير “هل يستطيع التابع أن يتكلم؟”، والذي أصبح لاحقًا نصًا تأسيسيًا في دراسات ما بعد الاستعمار.
غاياتري سبيفاك: معركة على جبهتين
خاضت سبيفاك معركتها الفكرية على جبهتين رئيسيتين:
-مواجهة الثقافة الذكورية المهيمنة في المجتمعات الغربية، والتي تتجلى في الخطابات الفكرية والأكاديمية.
-مقاومة آثار الاستعمار، خاصة في المجتمعات التي كانت خاضعة له، حيث لا تزال المرأة تعاني التهميش في البُنى الاجتماعية والثقافية والتربوية والسياسية.
على الديمقراطية أن ترى الناس متساوين، لا متشابهين
في محاضرة لها بمركز جامعة كولومبيا الشرق أوسطي للأبحاث، تحت عنوان “كيف يمكن للعالم أن يكون نسويًا؟”، سُئلت سبيفاك عن رأيها في “نسوية المجتمع المدني الدولي”. وقبل أن تجيب، ضحكت وقالت:
“إن الصدقة الإقطاعية أفضل من الضغينة الإقطاعية، لكنها تظل إشكالية بأي حال. هذه النسوية تحمل في باطنها أحيانًا عنصرية غير معترف بها.”
قد يبدو هذا الرد مثيرًا للاهتمام لمن يتابع الفجوة بين قضايا “النسوية العالمية” وقضايا النساء في مختلف أنحاء العالم. لكنه يصبح أكثر إثارة حين ننظر إلى نقد سبيفاك العميق للأطر النظرية السائدة، وسعيها نحو إطار مفاهيمي أكثر شمولًا يمكنه التعبير عن القضايا النسوية بوصفها أكثر من مجرد قضية جندرة.
الديمقراطية والمساواة الحقيقية
ترى سبيفاك أن الديمقراطية لا تعني فقط الحكم الذاتي، ولا ينبغي أن تقتصر على أولئك “الذين نصّبوا أنفسهم قادة أخلاقيين للمجتمع المدني”، والذين غالبًا يقدمون المساعدة بفوقية دون التعامل الحقيقي مع المتضررين مباشرة. بل تؤكد وتقول:” على الديمقراطية أن ترى الناس متساوين، لا متشابهين”.
خاتمة:
غاياتري سبيفاك… صوت التابع الذي تكلم وألهم
لم يكن فوز غاياتري تشاكرافورتي سبيفاك بجائزة هولبرغ لعام 2025 مجرد تكريم لإنجازاتها الأكاديمية، بل اعترافًا عالميًا بمسيرتها الفكرية الرائدة في تفكيك الخطابات الاستعمارية ونقد المركزية الغربية، والدفاع عن حقوق الفئات المهمشة، خاصة النساء في المجتمعات التي لا تزال تعاني تبعات الاستعمار والتفاوتات الاجتماعية. فكانت صوت “التابع” الذي تكلم وألهم.
غاياتري سبيفاك ضمن “نساء ملهمات” في بسمة نسائية
لأنها صوتٌ فكري متميز، وباحثة لا تكلّ عن طرح الأسئلة الصعبة، ولأنها اختارت أن تضع قضية التابع في قلب الفكر النقدي المعاصر، ألهمت أجيالًا من الباحثين والباحثات بأفكارها حول ما بعد الاستعمار والنظرية النسوية. تبقى غاياتري سبيفاك مثالًا يُحتذى به، وإحدى الشخصيات النسائية التي غيرت الفكر الأكاديمي المعاصر..مما يجعلها جديرة بأن تكون ضمن “نساء ملهمات” في “بسمة نسائية”.