انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
نساء ملهمات

“أنجيلا ميركل:ملهمة القوة الهادئة”

عُرفت أنجيلا ميركل بأنها واحدة من أقوى النساء في العالم، حيث قادت ألمانيا لمدة 16 عامًا (2005-2021) بحكمة وحنكة سياسية، مما جعلها نموذجًا للقيادة الرشيدة والهادئة في أوقات الأزمات. لم يكن طريقها إلى السلطة تقليديًا؛ فقد بدأت حياتها الأكاديمية كعالمة فيزياء قبل أن تخوض غمار السياسة، لكنها سرعان ما أثبتت كفاءتها، فحجزت لنفسها مكانة بارزة في تاريخ ألمانيا والعالم، لتصبح واحدة من أكثر النساء إلهامًا..

من الفيزياء إلى قيادة ألمانيا

وُلدت أنجيلا ميركل في 17 يوليو 1954 في هامبورغ، ثم انتقلت مع عائلتها إلى ألمانيا الشرقية، حيث نشأت. درست الفيزياء في جامعة لايبزيغ وحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية، لكن انهيار جدار برلين عام 1989 غيّر مسار حياتها بالكامل، فانضمت إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) وسرعان ما صعدت في صفوفه.

شغلت عدة مناصب وزارية في حكومة هيلموت كول قبل أن تصبح أول امرأة تتولى منصب المستشارية الألمانية عام 2005. وخلال قيادتها، واجهت بلادها أزمات متعددة، من الأزمة المالية العالمية في 2008 إلى أزمة اللاجئين في 2015، وأخيرًا أزمة جائحة كورونا.

شخصيتها ونهجها في القيادة

تميزت ميركل بأسلوب قيادي براغماتي وعقلاني، بعيدًا عن الخطابات الشعبوية والعاطفية. كانت قراراتها مدروسة ومستندة إلى البيانات العلمية، مما أكسبها احترام الشعب الألماني والعالم بأسره. كما اشتهرت ببرودها الظاهري ورباطة جأشها، حتى في أصعب المواقف.

لم تكن من القادة الذين يسعون وراء الأضواء، بل عملت بصمت وكفاءة، متبعة مبدأ “السياسة الهادئة”. اعتمد أسلوبها على الحوار والتفاوض بدلًا من المواجهة المباشرة، وهو ما ساعدها على الصمود أمام التحديات السياسية والاقتصادية.

ماما ميركل الجانب الإنساني وأزمة اللاجئين

أطلق عليها اللاجئون والمهاجرون لقب “ماما ميركل”، خاصة بعد قرارها الجريء في 2015 بفتح الحدود الألمانية أمام أكثر من مليون لاجئ، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان. كان هذا القرار إنسانيًا لكنه مثير للجدل، إذ لقي إشادة واسعة من المنظمات الحقوقية، لكنه واجه أيضًا انتقادات داخلية، خصوصًا من الأحزاب اليمينية التي اعتبرته تهديدًا للهوية الألمانية.

رغم ذلك، دافعت ميركل عن قرارها بشدة، مؤكدة أن ألمانيا بلد قوي قادر على استيعاب الوافدين وإدماجهم في المجتمع، قائلة عبارتها الشهيرة: “سننجح في ذلك” (Wir schaffen das). ورغم التحديات، بقيت ثابتة على موقفها حتى مغادرتها السلطة.

وفي 2022، نالت أنجيلا ميركل جائزة “نانسن” التي تمنحها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بسبب تصميمها على استضافة طالبي لجوء حين كانت تتولى مهامها.

وقال رئيس المفوضية فيليبو غراندي -في بيان- “عبر مساعدتها أكثر من مليون لاجئ على الاستمرار وإعادة بناء حياتهم، أظهرت أنجيلا ميركل شجاعة أخلاقية وسياسية كبرى”.

ميركل تسائل: لماذا يتعايش الهند والصين بسلام بينما العرب يغرقون في الدماء؟

في تصريح لا يزال يتداول حتى اليوم، نسب لميركل تساؤلاتها حول التعايش السلمي في مجتمعات متباينة، حيث قالت: ‘الهند والصين بهما أكثر من 150 ربًا، و800 عقيدة مختلفة ويعيشون معًا في سلام، بينما المسلمون لديهم رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد، لكن تلونت شوارعهم بالأحمر من كثرة دمائهم. القاتل يصرخ الله أكبر والمقتول يصرخ الله أكبر. وأضافت معلقة عن الفقر في المجتمعات الإسلامية، رغم المداخيل الضخمة من الحج، متسائلة لماذا لا يتم توزيع هذه الأموال على الفقراء. هذا التصريح، الذي أثار الكثير من الجدل، يعكس رؤية ميركل النقدية لبعض القضايا الاجتماعية والسياسية، ويُظهر قدرتها على طرح الأسئلة الصعبة بعقلانية ووضوح.”

هل قالت ميركل ذلك أم لا؟ تلك مسألة أخرى، لكن يبقى التصريح يعكس إيمانها بضرورة التفكير النقدي والواقعي.

البساطة في العيش: شعارها في الحياة

رغم كونها أقوى امرأة في العالم لسنوات طويلة، عُرفت ميركل بتواضعها وحياتها البسيطة. فهي تعيش مع زوجها يواخيم ساور، أستاذ الكيمياء، بعيدًا عن الأضواء، ولم تسعَ يومًا وراء البهرجة الإعلامية. كما فضّلت قضاء إجازاتها في أماكن بسيطة بدلًا من المنتجعات الفاخرة.

بعد تقاعدها من السياسة، اختارت حياة هادئة، تقضي وقتها في القراءة والطهي والمشي بعيدًا عن صخب الحياة العامة، مؤكدة أنها لا تفكر في العودة إلى المشهد السياسي.

إرث أنجيلا ميركل وتأثيرها العالمي.

لم تكن ميركل مجرد زعيمة سياسية، بل أصبحت نموذجًا يُحتذى به للقيادات النسائية حول العالم. فقد أثبتت أن القيادة لا تحتاج إلى صخب أو استعراض، بل إلى ذكاء استراتيجي، التزام بالمبادئ، وقدرة على التعامل مع الأزمات.

ترك رحيلها عن المشهد السياسي فراغًا واضحًا في الساحة العالمية، لكن إرثها سيظل حاضرًا لعقود، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاستقرار الأوروبي، إضافة إلى إرثها الإنساني في دعم اللاجئين.

ميركل في الأدب: رؤية روائية مختلفة

يمكن اعتبار الروائية والإعلامية المغربية المقيمة في ألمانيا، ريم نجمي، واحدة من المعجبات بشخصية أنجيلا ميركل. وقد عبّرت عن هذا الإعجاب بأسلوبها الخاص من خلال روايتها “العاشق السري لفراو ميركل”. في هذا العمل الأدبي، تصوغ نجمي ببراعة قصة متخيلة تتمحور حول شاب سوري مصاب بمتلازمة هوس العشق، وهو اضطراب يجعله مهووسًا بميركل.

لكن هذه الشخصية العاشقة لا تمثل بالضرورة انعكاسًا للكاتبة نفسها، كما قد يظن البعض، بل هي شخصية مستقلة تحمل بين طياتها رؤية روائية عميقة تمزج بين الخيال والواقع. والأكثر روعة أن ريم نجمي لم تكتفِ بتشكيل ملامح هذه الشخصية بعناية، بل نجحت في تقريبنا منها وجعلتنا نراها من منظور مختلف، حتى أننا قد نجد أنفسنا معجبين بها، أو ربما نشعر وكأننا وقعنا في حبها. أليست هي بحق سيدة ملهمة؟

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا