
بسمة نسائية/ أصواتهن
بقلم: نهى الخطيب
وقفت على عربتها، حيّيتها، فأجابتني بوجه بشوش: “صباح الخير الزّين”.
طلبت منها ما أنا في حاجة إليه من خضر ونعناع وأعشاب منسّمة، واُنبريت أتأمّل كالعادة يديها المتشقّقتين، ووجهها المُتشيِّخ من جرّاء تواتر أشعّة الشّمس عليه في ايّام القيظ وبرودة الجوّ وجفافه …
تساءلت: هل يُعقل أن هذه ملامح اُمرأة في عقدها الثّالث؟! تبّا للفقر … !
في غمرة اُنكفائها على الميزان ناداها صاحب موتوسيكل نقل البضائع بصوت اجش: “جميلة تعالي لرزقك ” . هرعت جميلة مهرولة بحذائها البلاستيكي ومريلتها الباهتة الّلون لحمل صناديقها بقوّة عشر رجال … !جميلة واحدة من أشباه الرّجال كما يحلو لبعض المتشبّهات بالنّساء تسميتهنّ؛ دفعتهنّ قساوة الحياة ومرارة الخصاصة للأعمال الشّاقّة المؤبّدة، وأجبرهنّ المجتمع الطّبقي والظّروف الاجتماعية الإقطاعية على اُرتداء ثوب ربّ الأسرة باكرا ، هي نموذج للآلاف من نساء وإناث مع وقف التنفيذ؛ وجدن أنفسهنّ أمام ثلاثة أمور أحلاها مرُّ:
إمّا الانزواء في البيت والموت جوعا وقهرا،
أو التّسوّل كحلّ سريع لا يتطلّب مجهودا عضليا، بينما يُفقِدُها دم وجهها ويذلّها وينزع عنها كرامتها الإنسانية.
العمل بشرف مع التّعرّض لأشكال لا تُحصى من التّنمّر والاضطهاد والسّخرية والنّظرة الدّونية في مواقع العمل زيادة على ما تعانيه في البيت.
ما أراه في “جميلة ” وأمثالها من نساء بلا رجال سواء وُجِدوا أم لا؛ فوجودهم في هذه الحالة مثل عدمه، ليس في الّلغة كلمات تترجمه، ولا حروف ترسمه، هي معاناة بلا ألوان، يمكن اُستخلاصها بسهولة بالتّمعّن في عيونهنّ التي تروي الكثير في صمت قاتل.
يَرُدُّ العديد من الكتّاب والباحثين في شان المرأة هذا الوضع المزري الذي تعيشه النّساء إلى التّفاوتات البيولوجيّة بين الجنسين، لكنّ جميلة بقوّة عشر رجال …!
الواقع أن الأسباب تكمن في الواقع الاجتماعي، في العقلية، والمسؤول عنها هو الواقع الطّبقي ، وطبيعة العلاقة الصّراعيّة بين الطبقة المُستغَلّة والطبقة المُستغِلّة التي صادرت الثروة والسّلطة ؛ وهنا أعتذر من ” كارل ماركس ” فلم تعد العلاقات بيننا مفتوحة ومرنة، إذ لهم عالمهم ولنا عالمنا نلتقي فقط عند نقطة الإنتاج لصالحهم.
جميلة وأمثالها في مثل هذه المجتمعات نسوة لا تعرفن العطلة ولا نهاية الأسبوع، ويجهلن بمناسبة اسمها الثامن من مارس الذي يحتفي فيه العالم بالمرأة ويجهلن الوطن والمنظّمات الحقوقية ، والشّات على الفايس، وتنسيق الألوان، لا يتابعن المسلسلات الغرامية التّركية ، بل أقصى مايمكن أن يكنّ قد تابعناه على شاشة الأولى مسلسل “وجع التّراب”.
يشهد الله أنّني أحترمهنّ وأقدّر صبرهن وأعترف بنضالهنّ الحقيقي وكفاحهنّ وشموخهنّ على حافة الحياة وخارج اهتمام الوطن.