أحمد حرزني: “مذكرات السجن وتأملات في الماركسية والأديان”

صور: محمد بلميلود
في الذكرى الأولى لرحيله، وتجسيدا لثقافة الاعتراف بمكانة المناضل أحمد حرزني وبما قدمه من إصدارات علمية وفكرية وباعتباره شخصية فذة ناضلت طوال حياتها من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الانسان، نظمت مؤسسة الربوة للثقافة والفكر برئاسة الأستاذة خديجة شاكر بتنسيق مع عائلة الفقيد، حفلا تأبينيا تميز بندوة هامة، طرحت خلالها للدراسة والنقاش مذكرات كتابه:” “الماركسية والأديان والحقائق المعاصرة”.
الكتاب الذي صدر بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تقرر تخصيص مداخيله لفائدة “جمعية مرضى السرطان”، نزولا عند رغبة عائلة الفقيد.
توطئة الندوة:
الندوة عرفت حضورا نوعيا مكونا من مثقفين وحقوقيين وسياسيين، ومن عدد كبير من أصدقاء الفقيد، و جمهور كثيف ضاقت جنبات القاعة عن استيعابه، كما استقطبت عددا من المنابر الإعلامية، جاؤوا لحفل التأبين، ومشاركة المنظمين أفكار حرزني من خلال كتابه الذي تناول مجموعة من الأفكار حول الماركسية ورهاناتها الكبرى، سماها حرزني وفق تصريح لرفيقه وصديقه المناضل عمر الزايدي ب”مسارات لبدائل” حاول أن يجيب فيها عن مجموعة من الإشكالات التي لها راهنيتها اليوم بطرق مختلفة. مضيفا أن الراحل قدم من خلال كتابه تقيما للماركسية والإيديولوجيات الدينية وقدم أطروحات جديدة من أجل عالم جديد تسوده الأخوة والتضامن.
بداية الندوة كانت مع توطئة للأستاذ الأكاديمي والمؤرخ عبد الرحيم بنحادة، الذي تولى إدارة الندوة، استحضر فيها فترة “السبعينيات والثمانينيات أو ما يعرف بسنوات الجمر والرصاص، حيث وجد عدد من الشباب أنفسهم أمام المحاكم بتهم ملفقة تقع تحت عنوان المساس بالأمن العام للدولة وتوزيع مناشير وبث الفتنة وعدم الاستقرار وغيرها من العناوين، وكان أحمد حرزني من بين هؤلاء الشباب الحالمين بغد أفضل”.
المؤرخ الأكاديمي عبد الرحيم بنحادة:
“عندما غادر حرزني المعتقل خرج محملا بنصوصه وركنها في رف مكتبته. لم يفرط فيها، لكنه أيضا لم يكن متحمسا لنشرها. صاحبته زهاء 30 سنة، قبل أن يلتفت إليها عدد من المثقفين خلال فترة الحجر الصحي في 2020، بل استغله بعضهم لكتابة نصوص تخييلية وسير ذاتية (…) فلم يختر أحمد هذه الطريق الصعبة: كتابة مذكرات، لا سيما بعد المهام التي تولاها والمسؤوليات التي تقلدها في مساره”.
وتابع بنحادة “قُدم للمحاكمة سنة 1972، بعد تعرضه لأشكال التعذيب المعهودة آنذاك، وحوكم بالسجن وأطلق سراحه سنة 1984 بعد قضاء 12 سنة في المعتقل”، مضيفا أنه “في الوقت الذي كرس عدد من هؤلاء السجناء وقتهم لكتابة المذكرات، وبعضهم كتب سيراً ذاتية وروايات ودواوين شعرية ومسرحيات، اختار حرزني أن يتفرد كعادته ويكتب مجموعة من النصوص التأملية في القضايا التي شغلته أثناء عمله النضالي”.
وأبرز أن هذه النصوص “متفرقة المواضيع ومتفرقة في الزمن كذلك، أنجزها في الفترة ما بين سنة 1978 و1981، وهي عبارة عن نصوص متفرقة تربط بينها، كما يقرّ صاحب التمهيد، طبيعتها التأملية التي تدفع القارئ أو المتأمل للتفكير فيها والتدبر بشأنها”، مشيرا إلى أنها “عبارة عن إسهام في النقاش النظري عن قدرة المشروع الماركسي في تغيير العالم، والظاهر أن هذه النصوص كانت أيضا ثمرة للنقاشات التي كانت جماعة من السجناء والمعتقلين تتداول فيها”.
مبارك بودرقة:عضو هيئة الإنصاف والمصالحة:
كلمة مؤثرة خصصها الأستاذ مبارك بودرقة، للحديث عن الجانب الإنساني للفقيد حرزني، مشيرا إلى أنه تعرف على الراحل سنة 2001 بعد عودته من المنفى في إطار المناظرة التي نظمتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تحت عنوان “الاختفاء القسري في أية تسوية؟”. وأضاف “عندما تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة اعتمد رئيسها الراحل إدريس بنزكري على تعبئة المجموعة من العناصر الحقوقية”.
وتابع قائلا: “ازداد اللقاء مع حزرني بعدما عينه الملك محمد السادس خلفاً للمرحوم إدريس بنزكري، وقد كنت عضوا في المجلس. هذا التلاقي وقتها سمح لي بأن أكتشف العديد من الخصائص التي يتمتع بها المرحوم، منها الخصال الإنسانية والحرص على أمن الناس وتفهم حاجة المعوزين وحرصه على التكوين الأكاديمي للعاملين معه”.
ويحكي المتحدث أن الراحل أشرف على لجان كثيرة وأعمال عديدة خلال عمله “بوفاء وإخلاص”، كما نظم العديد من الندوات فيما يخص قضايا كانت تعد مهمة وراهنية من قبيل تعديل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، ونظم ندوة وطنية حول قوانين الصحافة، كما كان ترافعه واضحا من الناحية العملية وبشكل متواصل لنبذ الاتجار بالبشر.
خديجة شاكر رئيسة مؤسسة الربوة للثقافة والفكر:
قالت: “إن هذا اليوم هو بمناسبة إحياء ذكرى لرجل فذ من رجالات المغرب المعاصر الذي كان حاضرا دائما، مضيفة أن هذا الكتاب الذي يجمع مجموعة من الأعمال التي دونها المرحوم في السجن أنذاك يقرأ فيها النصوص المؤسسة للمذاهب والأديان ليبحث من خلالها عن بدائل لمغرب حر كريم وعادل.
وتساءلت خديجة شاكر، “هل يمكن أن يتوارى أحمد حرزني وراء الأفكار التي يضج بها كتابه هذا؟ هل يمكن للقارئة او القارئ أن يبتعدا عن طيفه وهما يطالعان أقسام وأبواب وفصول هذا الكتاب؟”. وقالت: “تجربتي الخاصة أثبتت أن حرزني لم يبتعد أبدا. كان قريبا، حاضرا في كل الفقرات. صحيح أنه لم يكتب بصيغة المتكلم إلا نادرا، لكن تأملاته وأفكاره في باقي أجزاء المؤلف لم تظهر في نظري منفصلة عن شخصه وعن وضعه إبان كتابتها وتوثيقها على الأوراق”.
تقول شاكر:” كان حرزني، يتابع مختلف الأحداث التي عاشتها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والعالم وكذا المغرب، من زنزانة السجن “ببرودتها وعتمتها”؛ يتأملها ويكتب ملاحظاته وهو يقرأ أو يعيد قراءة “البيان الشيوعي”، و”الإيديولوجيا الألمانية”، و”أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”، و”رأس المال”، ومختلف الرسائل التي تبادلها ماركس وإنجلز.
وأشارت شاكر في مداخلتها، إلى أن حرزني لم ينس وهو في السجن “الكتابات التي اهتمت بتطور أفكار ماركس وبحياته”، كما ظلّ “يقرأ كتاب “ما العمل؟” والأعمال الكاملة للينين، ويطالع كذلك القرآن والأناجيل وكتب التوراة وكتابات الأقدمين والمحدثين عن هذه الكتب المقدسة وعن حاملي رسالتها من الرسل والأنبياء”.
هاجر البدوي باحثة في علم الاجتماع:
قدمت هاجر البدوي، قراءة في محتويات المذكرات، وبدأت بذكر ما أراده ماركس وفق الكاتب، وهو “أن يظهر القوى المحركة للتاريخ لكي يسهل صنع التاريخ. فالطبقات تعرف نفسها عبر الصراع، حيث يشكل الأفراد طبقة فقط للدرجة التي يكونون فيها منخرطين في صراع مشترك ضد طبقة أخرى”، فـ”إذا ما اعتبرنا أن علاقات الإنتاج هي مجموعة من العلاقات الاجتماعية فإن البورجوازية لا يمكن أن توجد دون إحداث ثورة مستمرة في أدوات الإنتاج، ويحيلنا هذا على مثال الجيش”.
وتنقل البدوي عن حرزني بخصوص الديانات أنه “لم يكن أي توحيد آخر متعطشا للدماء مثل الديانة اليهودية، حيث يتساءل عن شرعية الوعد؟ ألم يكن من الممكن أن يتم ذلك سلميا؟ يتعلق الأمر هنا بدخول أبناء إسحاق في ملكية أرض الموعد”. وتابع “إن الاستيلاء على أرض الموعد بالعنف وبالإبادة الجماعية هو خيار متعمد يقدم نفسه كعقيدة. لم يكن الأمر بالنسبة لليهود تمهيد الطريق لظهور الوحدانية في حد ذاتها بقدر ما كان الأمر يتعلق بإلغاء الآخر أي كان هذا الآخر”.
وبخصوص الإسلام أو “جنات الله لولا الشيطان”، فقد ذكرت الباحثة أن الكاتب يرى “الإسلام مرجعا قويا بشكل خاص لأي مشروع هدفه إعادة بناء المجتمع اليوم لأن فيه أهم شروط المصداقية المتمثلة بالخصوص في رفض التجبر والجبابرة”، مضيفة أن “يسوع كان مفرط الثقة، بل اكتشف أنه شجاع وأطلق العنان لشجاعته في مواجهة الطبيعة بأكملها. لقد فعل ذلك بتهور، فهو القائل إن كل شيء مستطاع للمؤمن، ونحن نعرف المعنى الحقيقي لهذه الكلمة”.
مؤكدة أن هذا اللقاء يحمل الكثير من الأبعاد؛ أولا عودتنا إلى تلك الفترة التي كتب فيها ما كتب، ثانيا أن الأجيال العديدة تلتقي هنا، ليس فقط رفاقه ومن عمل معه بل أيضا شباب باحثين وغير ذلك. بالإضافة لأخذ المثال والعبرة من عمل المرحوم الجاد حول رغبته في نشر قيم العدالة والحرية والمساواة.
*جرى الاعتماد في تغطية هذه الندوة، التي لم نتمكن من متابعتها كاملة، على ما نقلته جريدة هسبريس.