حول إصلاح القضاء ببلادنا..ماذا يقول فاعلون في المجال؟

زينب الدليمي
في سياق سلسلة الإصلاحات التي باشرتها المملكة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس مع بداية الألفية، جعل جلالته إصلاح منظومة العدالة من بين أولويات ورش الإصلاح الشمولي للبلاد..
وبما أن قضاء اليوم، قضاء واسع و منفتح على كل الواجهات و أصبحت له مسؤوليات متعددة بتعدد الإختصاصات، “بسمة نسائية” ” كان لها لقاء مع فاعلين في المجال واستسقت هاته الآراء:
محمد بركو النقيب السابق لهيئة المحامين بالرباط
يعتبر محمد بركو النقيب السابق لهيئة المحامين بالرباط، أن موضوع إصلاح القضاء كمسيرة متواصلة يقودها جلالة الملك، يشكل راهنية قصوى لمايمثله القضاء وقطاع العدالة ببلادنا من أهمية لا يمكن أن يجادل فيها أحد. فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب أطلق دينامية جديدة تروم إصلاح قطاع العدالة عبر عدة محطات، بعد أن عرف المجال عدة تعثرات انعكست سلبا على باقي القطاعات.
فإن كان قطاع العدالة في صحة جيدة فكافة القطاعات ستكون كذلك وإذا كان عليلا فكافة القطاعات ستتأثر، وسينعكس ذلك عليها وسنصبح أمام قطاعات مريضة وعليلة.
النقيب بركو، استحضر المحطة الدستورية لسنة 2011 والتي أصبحت محطة فعلية لإصلاح قطاع العدالة، بعد التنصيص عليا في الوثيقة الدستورية وفي المادة 107 وما يليها من استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وقد جرى تكريس هذه الاستقلالية، الاستقلال حسب المتحدث على أرض الواقع خلال شهر أبريل لسنة 2017، حينما قام الملك محمد السادس بتعيين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهو مجلس عرف لأول مرة ضم شخصيات من خارج السلطة القضائية، و استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل ونقل صلاحيات وزير العدل التي كانت بين يديه إلى السيد الوكيل العام لدى محكمة النقض، لاسيما منها ما يتعلق بتنفيذ السياسة الجنائية.
وأفاد بركو، أنه من بين أهم المحطات الأخرى والتي يمكن أن نقول بأنها تدخل في إطار إصلاح العدالة، استقلال السلطة القضائية وتوسيع صلاحيات المجلس حيث منح صلاحيات مهمة لم تكن له قبل ذلك ومنها صلاحية إبداء الرأي في القوانين ذات الصلة بقطاع العدالة وكذلك إصدار تقارير سنوية حول وضعية العدالة ببلادنا ومناقشة التقارير السياسة الجنائية التي ينفذها رئيس النيابة العامة.
عبد المنعم لزعر أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري في كلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس الرباط
عبد المنعم لزعر أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري في كلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس الرباط ، أوضح من حهته، أنه بخصوص مسيرة إصلاح القضاء بالمغرب فعلى المستوى الاستراتيجي تم الارتقاء بأجهزة القضاء إلى سلطة بموجب دستور 2011 ، معززة بذلك توازن هذه السلطة مع باقي السلط، وقد تم تعزيز هذا التوجه بتحصين السلطة القضائية بميزة الإستقلالية عن باقي السلط، فإذا كانت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية سلطتين متوازنتين ومتعاونتين في نفس الوقت فإن السلطة القضائية هي سلطة متوازنة مع باقي السلط ولكنها مستقلة عنهما.
وأضاف لزع، أنه على المستوى المعياري تم الإرتقاء بالمعايير التي تحمل القضاء كسلطة من مرتبة القوانين العادية إلى مرتبة القوانين التنظيمية، وهو ما يجعل القضاء كسلطة دستورية مركزية تخضع لتأطير معايير شبه دستورية وهذا جانب آخر من جوانب التوازن مع السلطة التنفيذية والتشريعية، أما على المستوى السوسيولوجي، فقد تم الاستثمار في جيل جديد من المسؤولين القضائيين يجمعون بين الخبرة والكفاءة والصلاحية.
وعلى المستوى الثقافي يضيف المصدر ذاته، فإن القضاء كسلطة ما بعد إقرار الدستور الحالي، أصبحت تؤسس لنفسها حيزا ثقافيا جديدا وتبني لنفسها رأسمال رمزي مستقل قادر على نقل هذه السلطة من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، أما على مستوى الرهانات فإن القضاء كسلطة و الجسم القضائي باعتباره امتدادا لأعلى سلطة في البلاد، فإنه بات يشكل أرضا جديدة لتنزيل مقومات دولة الحق والقانون وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وجعل كلمة القانون والعدالة هي العليا.
عزيز ازرف نائب وكيل الملك بقصبة تادلة
بالنسبة للأستاذ عزيز ازرف نائب وكيل الملك بقصبة تادلة، فإنه
في 02 مارس2002، أعطى جلالة الملك توصياته للمجلس الأعلى للقضاء، من أن يساهم في ورش الإصلاح حين قال في نص الخطاب ” إن التعبئة الشاملة التي يتطلبها الورش الكبير لإصلاح القضاء تستلزم المشاركة الفعالة و الواسعة للقضاة فيه ” وأطلق جلالته إصلاحا عميقا وشاملا لمنظومة العدالة في إطار الاستراتيجية الكبرى لإرساء دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات ومواصلة البناء الديمقراطي، فبفضل التوجيهات الملكية السامية الواردة في عدد من الخطب والرسائل الملكية التي تناولت قطاع العدالة، شكلت الأرضية التي أطرت إصلاح” منظومة العدالة”، بعدا شموليا يؤثر على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف نائب وكيل الملك، أنه بعد دستور 2011 الذي يعد المدخل الأساس لإصلاح العدالة و إقرار أن السلطة القضائية سلطة مستقلة إلى جانب باقي السلط.
دخل المجلس الأعلى للقضاء مرحلة جديدة بمبادئ واختيارات وتوجيهات جديدة، جاءت لتؤسس لتحول هيكلي بالغ الأهمية في بنيته.
تلا ذلك إطلاق حوار و طني حول إصلاح القضاء من خلال تعيين صاحب الجلالة في 6 ماي 2012 أربعين عضوا مشكلين للهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح القضاء أفضى إلى صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة في 2013.
و في شهر أبريل سنة 2017 عين صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية و الذي كرس بهذا التعيين إستقلاليتها، مع توسيع تركيبة هذا المجلس ليشمل وجود شخصيات غيرقضائية، كما تم نقل صلاحيات و زير العدل إلى الوكيل العام لمحكمة النقض بإعتباره رئيس النيابة العامة و بالتالي التكريس الفعلي لاستقلال النيابة العامة عن السلطة القضائية.
وأضاف أزرف أن كل هذا يوضح بشكل جلي دور جلالة الملك في إصلاح القضاء بإعتباره أحد المداخل الأساسية لتكريس و ترسيخ دعائم دولة الحق والقانون، مشيرا إلى الدور المحوري للقضاء باعتباره سلطة من سلطات الدولة، وله وظائف اجتماعية وحقوقية واضحة من منطلق الحفاظ على التوازنات الداخلية للمجتمع وتوفير السلم الاجتماعي وهذه الأهمية هي التي تفسر من جهة الاهتمام الكبير بموضوع إصلاح منظومة العدالة، لجعل القضاء يساير تطور المجتمع مشيرا إلى أن المغرب قد عمل على الرفع من نجاعة المحاكم وتبسيط المساطر القانونية وتقليص آجال التقاضي ومراجعة التنظيم القضائي بالمملكة وتطوير البنيات التحتية بإطلاق جيل جديد من المحاكم ورقمنة العدالة وإطلاق صندوق التكافل العائلي والمساهمة في ضمان الأمن العقاري وإصلاح المهن القانونية المساعدة.
وقد أوصى تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بعد التشخيص الذي قامت به اللجنة لمنظومة العدالة، واقتراحاتها لرفع وتيرة إصلاحها من أجل تعزيز دولة الحق والقانون، واستعادة ثقة المواطنين في القضاء إلى توطيد عدالة ناجعة ونزيهة، وسن قوانين واضحة لا يكتنفها غموض، وترسيخ وحماية الحريات، من أجل تحرير طاقات المواطنين والمقاولات وتحقيق عدالة حامية للحريات ومصدر للأمان.
وأوصى التقرير، كذلك بتسريع وتيرة رقمنة المساطر الداخلية ونشر المقررات القضائية لإضفاء الشفافية عليها، وإحداث منصة رقمية قضائية توفر خدمة قضائية فعالة سريعة وعن قرب، بما في ذلك التبليغ الإلكتروني، مشيرا إلى ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في السلطة القضائية للوصول إلى نظام قضائي ناجع وشفاف. وبفضل الإصلاحات التي عرفها المغرب في قطاع العدالة ، حقق المغرب في ظرف سنتين 16 درجة في مؤشر “مناخ الأعمال” حيث انتقل من الرتبة 69 إلى الرتبة 53 عالميا من أصل 190 دولة، ما أهله لاحتلال المرتبة 3 عربيا وإفريقيا والأولى في شمال إفريقيا.