
بقلم: عبد الفتاح المنطري*
لقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبى..
أمام ارتفاع منسوب التفاهة والرداءة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل اليوتيوب و الإنستغرام و التيك توك و نحوها، وضد الإصرار على جعل أشخاص تافهين نجوما ومشاهير، انتفض عدد من المثقفين المغاربة من إعلاميين وأساتذة وأطباء وفنانين وناشطين جمعويين، وأطلقوا عريضة تحت عنوان “توقفوا عن تحويل التفاهات إلى قدوة ونجوم”..
العريضة أطلقت كمبادرة مدنية غير تابعة لأي جهة، من قبل فعاليات إعلامية شكلوا لجنة مصغرة للمتابعة والتنسيق، من بينهم الزميلة الصحافية خديجة قرشي، إضافة إلى الدكتورة فطيمة العزيزي وجمال المحافظ وعزيزة حلاق.
المبادرة استحسنها الجميع وكنت شخصيا أنا عبد الفتاح المنطري، من أول الموقعين.
واستحضر بالمناسبة، توقيع الصحفي عبدالعزيز بنعبو زميلي السابق بيومية “المنعطف” حينما كنت مكلفا على مدى سنتين بتحرير يومي لركن” بكل صراحة” بالصفحة الأولى من الجريدة قبل حوالي 20 سنة، وكتب مقالا بيومية “القدس العربي” الصادرة بلندن، قال فيه حول الموضوع ذاته:
“فاضت كأس نخبة عريضة من المجتمع المغربي من كوادر في التعليم وأطباء وصحفيين ومثقفين وفنانين، بسبب تنامي “التفاهة” على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديوهات، هؤلاء لم يجدوا غير إطلاق عريضة توقيعات مفتوحة في وجه الجميع دون تحديد معيار معين، فقط كل رافض للمحتوى السيئ والتافه لبعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإلكترونية ما عليه سوى أن يوقع”.
صحيح أن العريضة لم تعرف سوى توقيعات محدودة لمجموعة من الكوادر ومن بينهم أطباء وصحفيون ومثقفون وفنانون أيضاً، لكن تداولها لم يمر عليه أكثر من يومين فقط، حتى لقيت صدى لدى بعض المنابر التي نوهت بالمبادرة وكتبت عنها. ونالت نصيبها من النشر على “واتساب” ومختلف الوسائط الأخرى.
العريضة المفتوحة للتوقيع اختارت عنواناً لافتاً ويحمل دلالته في محتواه: “توقفوا عن تحويل التفاهات إلى قدوة ونجوم”، الخطاب هنا موجه إلى متابعي هؤلاء وإلى عدد من المواقع الإلكترونية التي تقتات في يومياتها الإخبارية على فيديوهات “تافهة”، بل تستضيف أصحاب أو ما يطلق عليهم “صناع هذه المحتويات”، وتقدمهم في حوارات “حصرية ياحسرتاه”، وتجعل من هؤلاء التافهين، نجوما وقدوة لمن يرغب في كسب المال السهل والسريع، خاصة بعد ظهور “مظاهر الغنى” عليهم، مثل شقة فخمة وسيارة فارهة ولباس من ماركات معروفة، الأمر الذي يثير لعاب شريحة واسعة من المتابعين لحدو حدوهم.
العريضة، جاءت لوقف هذا التسيب، والموقعون عليها أعلنوا عن استهجانهم وإدانتهم لهاته الظواهر، واستنكارهم “للتسيب والتفاهات التي أصبحت تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، من خلال التنافس على نشر محتويات تكرس الجهل والميوعة والتمييز والإساءة لصورة المرأة والانحلال والترويج لخطاب الكراهية بلغة وصور تحط بالكرامة الإنسانية، مع الاستهانة بجدوى التربية والتعليم والكفاءة والقدوة، من أجل تحقيق أعلى قدر من نسب المتابعة والمشاهدة لغاية جني الربح المادي السريع والشهرة المصطنعة”.
مناشدة المسؤولين لوقف هذا الاستهتار بأجيالنا الصاعدة
ووجّه الموقعون على العريضة الأولى من نوعها مناشدة إلى “كافة المؤسسات والهيئات من مختلف المواقع الرسمية والمدنية، خاصة الحقوقية والتربوية والإعلامية والثقافية، بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه التفاهات المنتشرة على وسائط التواصل الاجتماعي والتي لا علاقة لها بحرية التعبير والاتصال، مع العمل على فتح وسائل الإعلام العمومي للتوعية بخطورة الترويج لمثل هذه الظواهر وتشجيعها بفتح مساحات واسعة لها في وسائل التواصل والإعلام”.
الباعث الأساس لهذه العريضة هو تنامي ظاهرة الفيديوهات التافهة ومحتواها السيء والرديء، وكان أحدثها بثّ مباشر لسيدة دأبت على نشر يومياتها بشكل فضائحي، وكانت موضوع توقيف من طرف الشرطة المغربية التي سارعت إلى اعتقالها بسبب آخر منشوراتها الكارثية، والتي تروج لمحتويات رقمية بواسطة الأنظمة المعلوماتية تتضمن إخلالاً علنياً بالحياء..
لم تكن العريضة سوى ملمح لما يعتمل في صدور المثقفين والإعلاميين والكوادر المغربية، فقد سبق أن نشر العديد منهم تدوينات تعبر عن غضبهم واستيائهم، ونجد مثلاً الصحافي عبد الصمد بنشريف الذي كتب تدوينات عدة نشرها على صفحته بالفيسبوك، وقال في إحداها: “أكاد أجن وأنا أرى التفاهة تتحول إلى نظام حياة وإلى نموذج اجتماعي”. وأضاف: “كلما كنت تافهاً إلا وأصبحت مقبولاً ومحبوباً وتنهال عليك الثروات من حيث لا تحتسب”.
وبالنسبة لصاحب التدوينة، فإن “الخطير هو أن يتحول التافهون إلى مؤثرين ومنظرين يؤخذ برأيهم. لكن في الليلة الظلماء يفتقد البدر. لن ينفع هؤلاء في شيء في مواجهة التحديات والأزمات ورسم الخطط والاستراتيجيات واقتراح الحلول”
في السياق نفسه، تحدث المخرج السينمائي عبد السلام الكلاعي عن التفاهة ليس فقط في مواقع التواصل الاجتماعي، بل حتى في السينما والتلفزيون. وقال: “واقع المحتوى (الترفيهي) المغربي، تلفزياً وسينمائياً ويوتوبياً، لا جودة فيه، بل هو ساقط في التفاهة وقلة الذوق وانعدام الوعي”.
وأوضح أن “مقولة (الجمهور يريد هذا) التي يحتمي بها كثير من منتجي التلفزيون والسينما ومقدمي المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي أوصلتهم لمستوى هابط وسطحي ومشين في المضمون والشكل، و أوصلتنا كأمة ذات حضارة وتاريخ وثقافة لوضع مخجل جداً.
وأضاف الكلاعي موضحاً موقفه: “أنا لست ضد وجود برامج وأفلام ومحتويات تبتغي الترفيه على الجمهور، لكن هناك مجموعة من المراحل التي يتعين اتخاذها لتحسين المحتوى الترفيهي، أبرزها وأولاها استهداف التعليم والتثقيف ورفع الوعي عن طريق الترفيه، وعدم اعتبار المجتمع من طرف صناع الترفيه مجرد أرقام وقياس عدد مشاهدات وكمية متابعين وعدد تذاكر مباعة”(انتهى مقال القدس العربي).
إحسان بنعلوش وجائزة أفضل مؤثرة في الوطن العربي
مقابل المحتويات التافهة، هناك صناع وصانعات لمحتويات جيدة، يجب دعمها وتشجيعها وبالمناسبة نحيي واحدة منهن وهي المؤثرة المغربية إحسان بنعلوش التي حازت مؤخرا، على جائزة أفضل مؤثرة في الوطن العربي بالمنتدى الدولي للاتصال الحكومي بالإمارات العربية المتحدة.
فهذه الشابة الريفية ابنة الحسيمة، تستحق بحق وصفها بصانعة محتوى، استطاعت أن تفرض اسمها بشكل لافت وملحوظ ويتابعها أكثر من مليون مستخدم على شبكة يوتيوب، ينتمون لعدد كبير من الدول العربية، رغم أنها تقدم محتواها بالدارجة المغربية.
وهو أمر يحسب لإحسان بنعلوش التي تفتخر بلكنتها وتحاول جاهدة تبسيطها للمتابع العربي.
خطر التافهين على الأجيال الجديدة
وفي موضوع ذي صلة، هناك مقال مهم وقعه الدكتور عبدالرحمان الشلاش تحت عنوان: “خطر التافهين على الأجيال الجديدة ونشر يوم السبت 08 اغسطس 2015 بموقع جريدة “الجزيرة “السعودية، ورد فيه أن “لا تستغرب حاليا ظهور وجوه إعلامية واجتماعية فجأة ودون مقدمات، فالجو العام يشجع على ذلك، وإذا كنت من هواة الشهرة وحب الظهور والسيطرة على المشهد، فما عليك إلا أن تفتح لك حسابا في أحد مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة والشائعة مثل التويتر والانستقرام والسناب شات والكيك ثم تملؤه بصور ومقاطع الاستهبال واستخفاف الدم كالقفز والرقص والضحك الهستيري والاستهزاء بالآخرين، وإطلاق الأصوات الغريبة والكلام الذي لا معنى له، والخروج عن الذوق العام، وستجد
بغمضة عين آلاف بل وربما ملايين المتابعين وقد انخرطوا في حسابك، الغالبية العظمى منهم من فئة الأطفال والشباب الصغار إضافة لضعاف العقول من الكبار ومن ترضي أذواقهم هذه التفاهات المطروحة من قبل مشاهير ونجوم الغفلة.
*كاتب صحافي
للانخراط في هذه المبادرة يرجى التوقيع عبر الرابط أسفله
https://www.aredaonline.com/377759?u=8385948&uv=45130558&utm_source=whatsapp