لماذا يجب إعادة النظر في المادة 49 من مدونة الأسرة؟
المادة ظلت تشكل معادلة صعبة في تحقيقها على أرض الواقع..

بسمة نسائية/ تقرير: أمينة توبالي
تقديم: مما لا شك فيه أن مدونة الأسرة، جاءت لتؤسس ثقافة شرعية متجددة من جهة، وقانونية عصرية من جهة أخرى، ولهذا كان تأسيس مقتضيات هذا القانون على جملة من المرتكزات الأساسية المنظمة للعلاقات الأسرية التي أخذت بعين الاعتبار حمــــــاية الحقوق المالية للمرأة، ومسايرة التحولات الاجتماعية، وهذا التوجه كان موقع اتفاق وإجماع لدى كافة كل الفاعلين والمتدخلين في قضايا المرأة والأسرة.
بحيث أن هذه التحولات تمثلت في تغير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، بعدما كنا نجد في السابق بأن المسؤولية المادية والمعنوية للأسرة كان يتحملها الرجل بمفرده، وإذ شاركته المرأة هذه المسؤولية، وباشرت سوق الشغل والعمل، وساهمت بدخلها في تحسين الأوضاع المادية للبيت..
واذا ما حاولنا مقارنة وضعيات المرأة المغربية قبل مطلع التسعينات وبعدها سنجد أن هناك تحولا كبيرا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وطبعا الثقافي، بحيث أصبح ثلث السكان النشيطين هم من النساء، بعدما كـانت النسبة لا تتجاوز 8 % خلال الستينات، وبداية السبعينات، ما دفع المشرع إلى التدخل لإقرار هذا النظام، اعترافا منه بالجهـود والمساهمة التي تبذلها المرأة في تكوين الثروة الأسرية، وإذ كانت النزاعات في ظل مدونة الأحوال الشخصية المتعلقة بالجانب المالي، تقتصر فقط على توزيع المتاع، فالمرأة بعد الطلاق لا تستحق إلا ما كان لها، أو ما هو مضمن بعقد زواجها، من أثاث تجهيز البيت ومنقول متنوع وهو ما يصطلح عليه بالجهاز أو الشوار، أو ما هو معتاد للنساء فقط، وإلا كان على كل واحد منهما أداء اليمين لإثبات ما يدعي، دون أدنى إشارة إلى الأموال المشتركة بينهمــا .
وقد جاءت المـادة 49 من مدونة الاسرة بالمقتضيـــات التاليـــة:
“لكل واحد من الزوجين ذمة مـــالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفـاق على استثمارهـا وتوزيعها.
يضمن هذا الاتفـــــاق في وثيقـــــة مستقلـــــة عن عقد الزواج.
يقـــوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفـــــة الذكر.
إذا لم يكن هناك اتفاق، فيرجع للقواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين، وما قدمه من مجهودات، وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة ” انتهى.
إن إقرار مبدأ الذمة المالية المستقلة لكل واحد من الزوجين، يبرز الحرص على عدم اغتنـــــاء أحدهما على حساب الذمة المالية للآخر، ويخول هذا المبدأ لكل واحد من الزوجين الحفـاظ على ثروته المكتسبة قبل الزواج، وتنميتها في استقلال تام عن الآخر بشكل إيجـابي أو سلبي، وعليه فالمرأة تتمتع بذمة مالية مستقلة، ويمكن لها استثمـار أموالها لحسابها الخاص بكل حرية واختيار، عن طريق التجـــارة أو الصنـــاعة أو الفلاحة، وكل أنواع الاعمال المالية المشروعة، ويمكنها ادخار أموالها في اسمها الخاص، والتصرف فيها كيف شاءت بالبيع والشراء والإيجار، والهبة والصدقة وغيرها، دون أن يكـــــون للزوج حق التدخل في منعها أو تقييد حريتهــــا بأي شكل من الأشكال، ويتمتع الزوج بالمقابل بالحق نفسه وليس لها أن تتدخل لمنعه أو تقييد حريتــه.
واستثناء من القاعدة العامة المتمثلة في مبدأ فصل الذمة المالية، نجد المشرع أقر وأضاف قاعدة أخرى اختيارية، نصت عليها الفقرة الأولى من المـادة 49 تجيز للزوجين الاتفاق على تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيـام العلاقة الزوجية.
أما الأموال التي لا علاقة لها بالاتفــــاق المتعلق بالتدبير كأموال الإرث آو الهبــة، والصدقة والوصية مثــــــلا التي يستفيـــد منها أحدهما، فتبقى خارجـــة عن هذا الالتزام كما سبقت الإشارة إلى ذلك سابقــا ويضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
بحيث يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.
إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للأثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من اعباء لتنمية اموال الاسرة.”
المشرع المغربي بإقراره لهذه المادة يكون قد عالج وأقر ما كان ســائدا قديما في بعض المناطق المغربيـة، كمنطقة سوس مثلا، وما كان يصطلح عليه ب”حق الكد والسعـاية”، الذي تقدمه المرأة في بيت الزوجية أثناء العلاقة الزوجية، من عرف وتقاليد إلى سند وحق قــانوني، يندرج في إطار حماية الحقوق المالية للمرأة.
ويتعلق الأمر بالأموال التي ستكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية، ومصطلح المال بالمادة يشمل العقار والمنقول والأسهم، وكل ما يطلق عليه اسم المال، ويستثنى منه طبعا مــا استفاد منه أحد الزوجين عن طريق الإرث، أو الهدايـا أو الوصية مثلا.
وعلى الزوجين الاتفاق على استثمارها وتدبيرها بشكل واضح وصريح في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج رسمية أو عرفية، والأجدر أن تكون في وثيقة رسمية لقيمة هذه الأخيرة وقوتها الثبوتية، وعند انعدامها يتم اعتماد كل وسائل الإثبات.
إن اللجوء إلى إبرام وثيقة تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين كان ولازال غير مألوف عند المغاربة سواء عند إبرام عقد الزواج أو بعده مقارنة مع عدد الزيجات المبرمة.
وقد شكلت المادة49 من مدونة الأسرة المتعلقة باقتسام الأموال المكتسبة بين الزوجين أهم النقاط التي كانت محط نقاش مستفيض داخل فصول مدونة الأسرة. فهذه المادة ظلت تشكل معادلة صعبة في تحقيقها على أرض الواقع، وهذا ما يتضح جليا من خلال الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل والتي تؤكد أنها هناك عزوفا حقيقيا من طرف الأزواج عن إبرام وثيقة تدبير الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية.
هذا ما جعل تطبيق المادة 49 من مدونة الاسرة تواجهها عدة معيقات نذكر منها:
1) المعيقات الشكلية والثقافية:
- الشكل الذي صيغت به المادة والحرية التي أعطيت للأزواج من أجل العامل بها أو رفض ذلك والصلاحية التي منحت للقضاء للتقرير في مصير هذه الثروة في حالة إذا لم يكن اتفاق بين الزوجين، لن يحقق الأهداف المرجوة من هذا المقتضى إذا لم تسبقه ولم تله أي توعية بمضامينه مما جعل الأسر المغربية تعزف عن التطبيق التلقائي لجهلها بخصوص توثيق الشروط المتفق عليها لتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية إلا في حالة النزاع.
- اعتقاد عند الغالبية بأن هذا العقد الملحق مخالف للشريعة الإسلامية ومستورد من الغرب، وجهل الزوجة التي تكد وتسعى بالحقوق الممنوحة لها قانونا ناهيك عن الفكرة المغلوطة في تقدير نسبة هذا الاقتسام حسب مساهمة الزوجة في تنمية ثروة الأسرة أثناء الحياة الزوجية.
- تقاليد المجتمع المغربي تجعل العلاقة الزوجية فوق الاعتبارات المادية وتعتبر إثارة هذه المسألة في بداية الزواج أو لحظة ابرام العقد، من طرف الزوجة أو أهلها يجعلهم في موقف محرج ، كما أن العدلين لا يقومان بما يلزمهما المشرع بضرورة إشعار الطرفين عند الزواج بالمقتضيات المضمنة في المادة 49 من مدونة الأسرة.
2) المعيقات القانونية:
بالرغم من منح المشرع لأطراف النزاع إثبات حقوقهم طبقا للقواعد العامة، مع مراعاة مجموعة من العناصر، إلا هذه المقتضيات تثير مجموعة من الإشكالات أهمها:
- الإشكال الأول يرتبط بتحديد المقصود بالقواعد العامة، بحيث أن المشرع لم يحدد لا طبيعة هذه القواعد العامة ولا مصدرها، وقد ترتب عن هذا اللبس عدة أراء:
الرأي الأول يرى أن المقصود بالقواعد العامة، هي القواعد المنظمة لظهير الالتزامات والعقود، ولذلك كان على المشرع منح الطرفين حرية الإثبات، دون أن يقيده في اتجاه الإثبات المدني، لكونه يصطدم مع مقتضيات الفصل443 ق ل ع الذي يفرض الإثبات الكتابي لكل تصرف يتجاوز1000درهم.
- في حين يذهب رأي أخر إلى منح الحق لكل زوج في رفع الدعوى أمام المحكمة للمطالبة بحقه، ويمكن للزوجين اعتماد كافة وسائل الإثبات، دون التقيد بأحكام الفصل443 من قانون الالتزمات والعقود.
- أما الاتجاه الثالث فيرى أن المقصود بالقواعد العامة تلك المنصوص عليها في المادة 400 من مدونة الأسرة على اعتبار المذهب المالكي، كمصدر مكمل لنص المدونة، تشكل مرتكزا قانونيا يمكن الاستناد إليه في تحديد طبيعة القواعد العامة للإثبات.
- أما الإشكال الثاني فيتعلق بطبيعة ونطاق العناصر الثلاثة، التي أدرجها المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 49، والتي يعتمد عليها القاضي في ترتيب حق الزوجين في المكتسبات خلال الحياة الزوجية حالة غياب الاتفاق الكتابي، وهذه العناصر هي:
- مراعاة عمل كل واحد من الزوجين…
- وما قدمه من مجهودات …
- و ما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة...
فالمشرع لم يحدد طبيعة هذه الأعمال ولا المجهودات ولا حتى المقصود بتحمل الأعباء، فهل كل يقوم به أحد الأزواج سواء كان إيجابا أو سلبيا ماديا أو معنويا، وهل يمكن إدخال الأعمال المنزلية التي تقوم بها الزوجة وفي ظل تنصيص المشرع على جعل مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال مشتركة بين الزوجين
لقد أقرت المادة 49 من مدونة الأسرة قاعدة ربما جديدة وخاصة في موضوع الإثبات بشأن الممتلكات الأسرية في حين تنص القاعدة العامة المعروفة للإثبات “البينة على كل من ادعى واليمين على من أنكر” نجد هذه المادة تنص على أنه: يرجع للقواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة..
لقد أظهرت عدة تجارب أن بعض الازواج صنعوا ثروة مالية من راس مال ممنوح من زوجاتهم غير موثق او عبر شقائهن ومساهمتهن بالعمل الغير مؤدى عنه، وبعد أن تعرضن لأمراض مزمنة أو لم يعد يراها صالحة له لأسباب أخرى، حينها لم تعد تملك نفس مقومات العمل او حتى الزواج لتعيش تجربة أخرى ، مما يساهم في احداث عنف مادي ونفسي للمطلقة نتيجة التحول الاجتماعي الذي أصبحت عليه ،بعدما ساهمت في ترقيته ماديا يكون خاتمة تجربتها الزوجية البؤس الاجتماعي والفقر، بل احيانا يدفعها الى السكن مع أحد ابنائها أو عودتها الى ما تبقى من أهلها ان لم يكن دار المسنين، ليتمتع هو وشريكته الجديدة بتلك الثروة المكتسبة والتي يعود الفضل فيها للزوجة الاولى، بحيث تسجل المحاكم يوميا قصص مأساوية في هذا الموضوع ونفس الشيء يمكن أن يعيشه الزوج لكن ليس بنفس الحدة التي عرفتها النساء في العديد من التجارب.
وختاما، يتضح في حقيقة الأمر أن وثيقة تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين لا تجد تفعيل في الواقع العملي بالمجتمع المغربي ،إلا في حالات استثنائية بجنوب المغرب” منطقة سوس” ما يصطلح عليه بحق الكد والسعاية والذي يحتاج الى تطوير قانوني ليشمل كل محاكم المغرب.
-ان عدم تمكين المرأة من الحصول على الاموال المكتسبة اثناء الحياة الزوجية ساهم في تعميق الفوارق بين الجنسين و الى زيادة نسبة الهشاشة والفقر في وسط النساء خاصة بعد الطلاق والوفاة.
– لقد اثبت الواقع ان المادة 49 لا ترتقى الى مستوى قاعدة قانونية ملزمة ومؤسسة للحق وضامنة له بقدر ماهي قاعدة قانونية غير امرة تعتبر مجرد نصيحة من المشرع.
وفي هذا الاساس ما يمكن فعله هو:
– جعل وثيقة عقد الاتفاق على تقسيم الاموال المكتسبة بشكل رسمي ملزمة مع الوثائق المكونة للملف الاداري الذي تتوقف عليه عملية ابرام عقد الزواج وتوثيقه.
-الزامية ابرام وثيقة الاتفاق على استثمار الاموال المكتسبة اثناء الحياة الزوجية مع ضرورة تحديد نصيب كل واحد من الزوجين على ان لا تقل نسبة هذا النصيب عن الثلث مثلا، من مجموع ما سيتم اكتسابه من اموال وممتلكات والكل تفاديا لأي تحايل محتمل.
– جعل العش الزوجي المكتسب فترة الزواج حق مكتسب للزوجة وبناتها في حالة وفاة الزوج وخارج عملية الميراث عبر اجتهاد قضائي لا يسمح للغير في اقتسامه لما يسبب ذاك من اضرار نفسية واجتماعية على الاسرة التي يغيب فيها الولد.
ان المادة 49 من مدونة الاسرة تحتاج الى مراجعة شاملة لنظام تدبير الاموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية من أجل تحقيق الحماية القانونية للزوجين وتكريس الرعاية المشتركة في تدبير شؤون البيت والأطفال.
مما يؤكد ضرورة توسيع مجال الاجتهاد القضائي ليشمل في تفسيره للمادة 49 من مدونة الأسرة العمل المنزلي للمرأة، ثم استثمار قواعد ومبادئ ونظريات الفقه المالكي في حماية حقوق المرأة المالية وكذا العمل بكل التجارب الفضلى داخل الوطن وخارجه.