حديث بسمة/ عزيزة حلاق
يقال “ليس من رأى كمن سمع”، وشخصيا كنت أمس شاهدة عيان، رأيت وسمعت وعشت تفاصيل حدث غريب ومبهر، زعزع مفاهيم كثيرة، كنا نعتقدها من المسلمات، عن الشباب وعزوفه عن القراءة.
حدث ذلك بفضاء المعرض الدولي للكتاب والنشر، حين وصلت إلى هناك أمس، حوالي الساعة 10 صباحا، أثارني وجود أمواج بشرية وجحافل من الشباب والمراهقين بالخصوص (صبيان وبنات)، يتدافعون في طابور طويل وعريض من الباب الرئيسي إلى آخر جناح. وسؤال واحد يتردد بصمت واندهاش وبصوت مرتفع أحيانا للاستفسار، ما هذا؟ أشنو وقع؟ من أين جاء كل هؤلاء الشباب؟ ومن صاحب الكتب التي يحتضنونها؟ وما سبب هذا التهافت الغريب؟..
وقفت بدوري مستغربة وفي رأسي يطل أكثر من سؤال؟ لم أكن الوحيدة، بل كان الكثير من الزوار حائرون، يتسألون، ماذا تنتظر هذه الحشود الشبابية؟ وما علاقتهم بفضاء مخصص، نظريا ومبدئيا، للكتاب والفكر والقراءة؟
استفسرت الأمر، فجاءني الجواب من إحدى الأمهات، حين قالت وبشكل عفوي، هم في انتظار الكاتب، أسامة المسلم، قالتها بنبرة تعجب واندهاش، شعرت بإحراج، وكأني بها تعاتبني كيف بك صحفية ولا تعرفينه؟ وتدخلت أخرى تنصحني (خصك تقراي لو زوين بزاف…غادي يعجبك…راه معروف )…
وأمام جهلي بالضيف المنتظر، تطوعت وجادت علي بالمعلومة، لتخبرني بأنه كاتب سعودي مشهور وسط الشباب، وبأنها تعرفت عليه من خلال ابنتها (لا يتعدى سنها، حسب قولها 11 سنة)، تقرأ له وتتابعه ومعجبة به وبب”يرمون”،(لم أجرؤ على سؤالها من يكون هذا أيضا لا أعرفه)..
المهم، تابعت حديثتها وقالت بأنها جاءت إلى المعرض، تلبية لرغبة ابنتها، أملا أن تلتقيه مباشرة وتفوز بتوقيع منه وأشارت لي بيدها أن ابنتها توجد هناك وسط تلك الحشود..
مع مرور الوقت، تزايد عدد الوافدين، وزاد الارتباك وسط المنظمين، وارتفع منسوب التذمر لدى الزوار من الزحام والتدافع…
وجاء الفرج…. أخيرا وصل الكاتب “المنتظر”، (الساعة تشير إلى حوالي الثالثة ونصف)، صراخ وهتاف…وفوضى …واغماءات…..
وكانت الصدمة، حضر أسامة المسلم و غادر…ماذا وقع وعلاش وكيفاش؟ لا أحد يعرف.
*( سيوضح هو بنفسه لاحقا سبب مغادرته في تصريح مصور).
ما سجلته من خلال تصريحات بعض الشباب والشابات، ٍتنم كلها عن خيبة أمل لا حدود لها، خاصة وأن منهم من قدم من مدن بعيدة، تحملوا تعب السفر والانتظار، على أمل رؤية أسامة المسلم عن قرب، وفي الواقع، هو والشاب المغربي الذي أصبح مؤثرا معروفا. واسمه (بيرمون)، دابا عرفتو…
هذا الشاب المغربي، ساهم بشكل كبير في شهرة الكاتب أسامة في المغرب، عبر قناة أحدثها على منصة ّاليوتوب” تحت اسم “بيرمون” بالفرنسية/ bermon نسبة إلى اسمه، عبد الله بيرمون.
كان ذكيا، في تعامله مع أعمال أسامة المسلم، فطن إلى نوعية كتاباته التي تسحر الشباب (عوالم الفانتازيا والجن، والخيال العلمي، والرعب، والمغامرات..)، والتقط الفكرة، واشتغل على مغربتها وحول الروايات ومحتواها الغرائيبي إلى الدارجة، بطريقة سلسة ومشوقة. ونجح في استقطاب معجبين جدد به وبالكاتب أسامة المسلم، الذي خلق الحدث أمس بالمعرض، وأصبح طيلة ليلة أمس وصباح اليوم حديث رواد الفايسبوك.
الكل يبحث عمن يكون أسامة المسلم، ويحاول أن يفهم سر اعجاب الشباب المغربي به، ولماذا يقرأون له، وماذا يقدم لهم ليلقى كل هذا الترحيب والاعجاب وهذا الاهتمام المبهر لما يكتبه.
أسامة المسلم كاتب وروائي سعودي. (من مواليد 5 مارس 1977)، انتقل للعيش بأمريكا في سن مبكر، تعلم الانجليزية قبل اللغة العربية. وصل عدد رواياته إلى 27 رواية، من أشهرها رواية ” خوف”، وخماسية “بساتين عربستان”.
تميزت كتاباته بنوع من الفانتازيا والفانتازيا التاريخية، يكتب عن عوالم الجن والأسطورة بقصص وأحداث ذات طابع تشويقي وبسرد الأحداث على الطريقة السينمائية ذات الحوارات المتينة، ويسرد من خلالها الأحداث بشكل متقطع مع وضع أسماء فريدة وغريبة.
أمام ما سمعت عنه من جمهوره بالمعرض، وما قرأته واكتشفته عنه، (حشمت من راسي وأنا أستحضر أسئلتي الغبية أمس للشباب عمن يكون هذا الذي ينتظرونه).
يبدو أن هذا الكاتب، أسامة المسلم، أصبح في غفلة منا، ظاهرة بالنسبة للشباب العربي، في وقت كنا نحن، (العلما والعميقين من كتاب ومثقفين واعلاميين)، نكتب ونقر ونتأسف عن حالة عزوف الشباب عن القراءة.
أكثرنا من الندوات والملتقيات والمحاضرات حول “الشباب وعزوفهم عن القراءة: الأسباب والحلول. الواقع والآفاق”.. والحال أن ما شهدناه أمس ينسف هذه الفرضية، ويؤكد أن جيل اليوم لا يقرأ لنا، ولكنه يقرا روايات أسامة المسلم لأنه وجد نفسه فيها، في عوالمها في منطقها …
ما اكتشفناه اليوم، قد يذكرنا بالكاتبة جوان كاثلين رولينغ الروائية ومنتجة للأفلام والتي اشتهرت بسلسلة رواية “هاري بوتر” والتي تعد أكثر السلاسل مبيعا عبر التاريخ. وهو ما يطرح سؤال مشروع، هل يصبح أسامة المسلم هاري بوتر العربي؟
ما اكتشفناه اليوم، يفرض علينا الاعتراف بأننا أخطأنا في تقييمنا لمستوى ومفهوم القراءة عند الشباب. وعلينا أن نشكر الكاتب أسامة المسلم، وإن لم نكن من قرائه ومعجبيه، فيكفينا أنه صالح شبابنا مع القراءة ومع الكتاب. وكشف بالملموس، أن تفكرينا وكتاباتنا وأفكارنا متجاوزة ولا علاقة لها بما يطلبونه.
مواقع كثيرة نقلت، ما حدث أمس بالمعرض، ونقلت تصريحات وشهادات تجيب عن سؤال كيف تعرفتم على أسامة المسلم؟ التقطت من بينها، شهادة لواحد منهم لا يتعدى عمره 16 سنة، قال وباعتزاز كبير، أنه تعرف عليه من خلال أصدقاءه وعبر عن ذلك بقوله (هما اللي بلاوني بقراءة رواياته). تعمدت نقل عبارة (البلية) بالدارجة المغربية، عن قصد، لما تحمله من معنى في المخيال الشعبي، كعادة سيئة وخطيرة، مرتبطة بالانحراف والمخدرات، لنفاجا بها أي ( البلية)، وقد تحولت مع ما يقدمه أسامة المسلم للشباب، إلى معنى جميل وايجابي. (فيا ليت ولادنا كاملين يتبلاوا بالقراية).
أعتقد أنه لم يعد لمفهوم عزوف الشباب عن القراءة معنى اليوم، فها هو الشباب قد برهن أنه مستعد لمعانقة الكتاب إذا وجد ما يعجبه ويثيره فيه، ومستعد للاحتفاء بكاتبه المفضل كما حدث أمس.
خبر الساعة: