الاعتداء على الأصول .. جرائم الأبناء ضد الآباء

مراكش : رجاء خيرات
أعاد اعتداء أشخاص جانحين على آبائهم ظاهرة الاعتداءات التي تطال الأصول إلى واجهة النقاش حول انتشار هذه الظاهرة التي أضحت مقلقة للآباء و المعنيين.
فقبل شهور أمر وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بمدينة إمنتانوت التابعة لإقليم شيشاوة بإيداع فتاة « ش.ب » من مواليد 1991 سجن الأوداية بضواحي مراكش، بسبب شكاية تقدمت بها والدة المعنية لدى مصالح الأمن بالمدينة، تتهم فيها ابنتها بالإعتداء عليها وتعنيفها لمرات متكررة ، حيث تمت متابعتها، بعد رفض الأم التنازل عن شكواها.
جرائم ضد الأصول
وسجل شهر أكتوبر الماضي حوادث اعتداء كثيرة أبطالها أبناء جانحون و ضحاياها الآباء، ولم تسلم الأمهات بدورهن و اللواتي يجدن أنفسهن في موقفين متناقضين بين عاطفة الأمومة من جهة و بين التردد في تقديم شكاوى ضد فلذات أكبادهم، خوفا عليهم من السجن، مما يدفع بالكثيرات إلى التنازل عن المتابعة، مفضلات تجرع آلامهن في صمت.
في ثالث أكتوبر الماضي أقدم شخص متزوج على الاعتداء على والدته بحي رياض العروس بالمدينة العتيقة بمراكش بعد خلاف نشب بينها وبين زوجته، حيث ضربها و أسقطها أرضا دون مراعاة لسنها المتقدم أمام أنظار زوجته.
يومان على هذا الحادث أي في الخامس من نفس الشهر، أقدم شاب في حالة سكر بحي سيدي يوسف بن علي بمراكش دائما، على الاعتداء على والديه بالضرب، ولولا تدخل الجيران لكان الوضع تطور إلى جريمة.
وبحي باب أغمات وفي 15 من ذات الشهر، تعرض أب لاعتداء لفظي من طرف ابنه الذي كان في حالة هيجان غير طبيعية دون مراعاة كذلك لسن الأب المتقدم، حيث تدخلت مصالح الأمن وأوقفت الابن قبل أن تمتد يده بالاعتداء على والده.
وشهد حي السبتيين بنفس المدينة في 26 من نفس الشهر اعتداء شاب على والدته ضربا بسبب تعاطيه للمخدرات وطلبه المتزايد للنقود، فيما سجل شهر سبتمبر الماضي لوحده أربع حالات اعتداء ضد الأصول، حيث تعرضت أم للضرب على يد ابنها المدمن بحي عين إيطي، فيما اعتدى جانح آخر بمنطقة باب دكالة على والدته بالضرب بسبب خلاف نشب بينهما حول اقتسام الإرث، فيما سجلت مصالح الأمن بذات المدينة حالتين أخريين لاعتداءات على أمهات بحي المحاميد من طرف أبناء دائما.
وتعد مدينة الدار البيضاء الأكثر تسجيلا لمثل هذه الحوادث، بسبب انتشار المخدرات و الهدر المدرسي، إذ لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تسجل حالة اعتداء بطلها ابن جانح و ضحيتها أحد الوالدين خاصة الأم.
الظاهرة تتسع..
ويعد القتل من أكبر الجرائم التي يقترفها شخص، إذ لا حق لشخص في إجهاض حق شخص أخر في الحياة، فما بالك إذا كان الضحية أحد الوالدين و القاتل ابنهما الذي سهرا الليالي على تربيته، ولو أعيدت لهما الحياة لتنازلا عن حقهما في متابعته قضائيا ولغفرا له خطيئته رغم خطورتها.
في كل يوم يستفيق حي على حالة اعتداء جديدة بطلها إبن عاق و ضحيتها الأم أو الأب في العديد من المدن المغربية، حيث تعج المحاكم بدعاوى لا حصر لها يحاكم فيها أبناء عنفوا آباءهم أو وضعوا حدا لحياتهم في لحظة غضب.
قبل أسابيع أحالت الضابطة القضائية للدرك الملكي بإقليم بولمان على الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بمدينة فاس شابا عشرينيا بتهمة « الضرب و الجرح المفضيين للموت في حق الأصول » بعد أن أجهز على أبيه في لحظة غضب، حين جاء الضحية ليفك اشتباكا وقع بين الإبن الجاني وثلة من الرفاق الجانحين، و أمام إلحاح الأب في أن يرافقه ابنه انهال عليه بالضرب بسلاح أبيض، حتى لقي مصرعه.
ومباشرة ارتمى الابن فوق والده و هو يذرف دموع الندم على ما اقترفت يداه في حق من رباه ورعاه حتى أصبح شابا.
قبل سنة تقريبا استفاق سكان حي البورنيات بفاس دائما على وقع جريمة نكراء تقشعر لها الأبدان، بعد أن أجهز ابن ثلاثيني على والديه فجرا، حيث توجه الجيران على وقع صراخهما لإسعافهما، لكن بعد فوات الأوان.
بين الإدمان على الكحول و المخدرات من جهة و المرض النفسي تتعدد الأسباب في ارتكاب الحماقات في حق الآباء من طرف الأبناء.
مسؤولية الأسرة و المجتمع
وترى نعيمة المدني أستاذة علم الاجتماع و الأنتربولوجيا بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن المقاربة السوسيولوجية لظاهرة الجرائم المرتكبة في حق الأصول، تفرض وجود وضع إبستمولوجي تنسلخ فيه السوسيولوجيا من التحليل القانوني لهذه الظاهرة، لتتجه إلى التلاحم مع تخصصات فرعية أخرى، كسوسيولوجيا الأسرة و سوسيولوجيا القيم.
وتشير الباحثة إلى أن الأدبيات السوسيولوجية اتفقت على تصنيف هذا النوع من الجرائم كأفعال اجتماعية فردية تسيئ إلى انتقال الإنسان من الطبيعة إلى الثقافة داخل الضمير الجمعي، بالنظر إلى أن الوضع الاعتباري للأبوين داخل الأسرة. و يعتبر من طقوس المرور التي أضفت قدسية على هذا الانتقال في جميع المجتمعات.
وتؤكد المتحدثة أنه إذا كانت معايير تحديد الفعل الجرمي هي معايير اجتماعية و جماعية قبل أن تكون معايير قانونية, فقد تعاملت المجتمعات منذ القدم بشكل صارم مع مثل هذه الجرائم الشنيعة التي تهدد المقدس الجماعي، مما يفسر أن الجاني أحيانا قد يتعرض إلى أشد أنواع الإقصاء الاجتماعي الذي يمكن أن يمتد حتى بعد الوفاة، مع ما يمكن أن يصاحب ذلك من طقوس دينية في بعض المجتمعات القديمة ( الرومان مثلا ) من أجل استرجاع السكينة الاجتماعية بالنظر إلى هول الجرم المقترف.
كما تعتبر أنه إذا كنا نروم من خلال المقاربة السوسيولوجية تحديد بروفايل خاص بالشخص الذي يقترف جرائم ضد الأصول، فلاشك أن ذلك سوف يكون بعيدا عن الشخصية النمطية التي وصلت في مداها إلى النزعة الفيزيولوجية مع « لومبروزو » ، لنقترب أكثر من تحديد السياق الاجتماعي الذي يفرز مثل هذه الظواهر، والتي يبدو أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية لا تكفي لوجودها.
وتشير إلى أن اقتراف جرائم ضد الأصول يعد فعلا اجتماعيا كليا حسب تعبير مارسيل موس، ذلك أن هذه الظاهرة تعطينا مجموعة من المؤشرات على الخلل الذي اعتلى النظام الاجتماعي، من خلال ارتباك أدوار إحدى المؤسسات التقليدية التي يعهد إليها تفعيل هذا النظام وهي الأسرة، ذلك أن الجرائم المقترفة ضد الأصول تتم داخل الوسط العائلي وهي تدخل ضمن ظواهر العنف العائلي.
كما ترى أن تقاطع مقاربتنا لظاهرة اقتراف جرائم ضد الأصول مع ظواهر أخرى كظاهرة الإدمان، وتعاطي المخدرات وظاهرة المرض العقلي و النفسي، كظواهر اجتماعية متوغلة في الاجتماعي قبل أن تكون ظواهر مرتبطة بالوضع الصحي أو بالانحراف، إذ قد ترتفع نسبة الجرائم المقترفة ضد الأصول لدى المدمنين و لدى المرضى الذين يعانون من بعض الاضطرابات النفسية والعقلية، مما يدعو إلى مواكبة سوسيولوجية ونفسية لهذه الفئات إلى جانب التدخل الطبي والقانوني، وهذا من شأنه أن يرجح ربما كفة العوامل الفردية في اقتراف هذا الجرم، مما يمكن أن يقوض جزئيا النظرية الدوركايمية التي تلقي باللائمة على الجماعة وتعتبر أن الجريمة عموما تكون بسبب عدم اندماج الفرد في المجتمع.