بسمة نسائية/ ثقافة/ اصدارات
“أريد لهذا البوح أن يكون صدى لنفسي. أريده معبراً عما اعتـور حياتي. أريده صورة للحقيقة. أليست الحقيقة كما الغانية؛ يستوي جمالها عاريةً أو متدثرة؟”.
أتيح لي أن أعرف دار الإسلام. درجت في رحاب دار المخزن بمغربنا الأقصى وتقلبت في البلاد من مغربنا العامر، أقصاه وأوسطه وأدناه. وعشتُ بالمحروسة ردحا من شبابي وأقمت بها شطرا من كهولتي، وجاورت بالمدينة المنورة بعد إذ أديتُ فريضة الحج، وحللت برحاب الدولة العلية وشددت الرحال إلى بيت المقدس.
بلاد الإسلام معهودة لدي. وأشعر أن السدى الجامع للمسلمين أخذ ينحل، وعُروتُهم تنفصم، وأن مغربنا أضحى غرَضاً للطامعين من حل الإفرنج بالمغرب الأوسط واحتلوا أرضه. بيد أن شرورنا نحو أنفسنا أسوأ من الأطماع المتربصة بنا. فما نفعله بأنفسنا أسوأ مما يفعله العدو بنا. تمكنه من أمرنا بتناحرنا وجهلنا وجهالتنا. نحجم عن رؤية الحقيقة، ونتحايل عليها بإلقاء اللوم على الغير.
بهذا البوح، يقدم حسن أوريد روايته الجديدة “الباشادور”، أو “السفير”، والتي أصدرها قبل فترة، وتدور حول شخصية أبو القاسم الزياني.
في لقاء ثقافي بادخ عرف حضورا مكثفا لم تستوعبه قاعة مكتبة الألفية، حضور غير مسبوق، لشخصيات جاءت من عوالم الثقافة والسياسة والإعلام، لتنصت إلى المفكر حسن أوريد.
وتكلم أوريد عن روايته، وقال”: إن فكرة الكتابة عن أبو القاسم الزياني واختياره بطلا لإصداره الجديد، يعود إلى مكانة أبو القاسم الذي يؤرخ لفترة مهمة في تاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ المغرب. فقد عاش تقريبا مئة سنة، جده اشتغل مع السلطان مولاي إسماعيل، أبوه كان معاصرا للسلطان مولاي عبد الله، وخدم ثلاثة سلاطين، وسافر إلى البيت العالي وعاش في الحجاز وشاهد نشأة وبداية حركة محمد عبد الوهاب، وعاش في مصر قبيل حملة نابليون وعاش في الجزائر قبيل الإنزال الفرنسي، وهو حقيقة شهادة فريدة”.
أوريد أوضح أنه كتب راويته قبل عشر سنوات، حتى قبل كتابة رواية “الموريسكي”، مشيرا إلى أنه نفذها في 2020، إلا أن إصدار “الباشادور” تم هذا العام بعد مرور ثلاث سنوات.
وكشف أوريد، عن جانب من أسباب التأجيل، ويتعلق الأمر بما قيل وكتب عن رواية “مؤرخ المملكة” للفيلسوف والكاتب الفرنسي “ماييل رونوار”، الذي صدر قبل أكثر من سنتين وتحديدا سنة 2020، باللغة الفرنسية قائلا:” قبل سنتين أثار الكتاب ضجة كبيرة، اعتبر البعض لربما أنني وراء الكتاب، والحال أنني لا أعرف أبدا صاحب الكتاب لا قبل ولا بعد صدور كتابه، ولا أفهم كيف اعتقد البعض أنني من أوحيتُ لهذا الشخص ليكتب هذا الكتاب”.
كما أفاد أوريد بأنه لا يحب صفة المؤرخ و لم يكن متحمس لذلك. وقال:” أنا ناقل للتاريخ فقط وأعمل على وضع اللمسات الفنية فقط على ما أنقله. وشخصيا أفضل “المزاوجة” بين الإبداع ومهامي كأستاذ للعلوم السياسية، فأنا حريص حرصي على أن أقوم بما يمليه علي الواجب كأستاذ في علاقتي بالطلبة وكذلك في تأطير الأبحاث، وأيضا التفكير حول قضايا معينة، ولذلك كل سنة أشتغل حول موضوع يهم العلوم السياسية، قد يكون مثلا التطرف أو الإسلام السياسي بالمغرب أو الشعوبية”.
لكن إلى جانب ذلك، أكتب الرواية، لأنني أعتبر أنها تسعف في بناء سردية وطنية. نحن نعرف مثلا أن الرواية في فرنسا، وبالأخص في القرن التاسع عشر، أسهمت، إلى جانب المدرسة والجيش والمعمل، في إنشاء الأمة الفرنسية. والآن، “الموريسكي” أصبح جزءا من الثقافة السارية في المغرب.